ترتيب الأوراق الحكومية في الجوف: احتمالات مفتوحة للمرحلة المقبلة

13 أكتوبر 2022
خاض العكيمي (وسط) مواجهات شرسة ضد الحوثيين منذ 2015 (الأناضول)
+ الخط -

فتحت التغييرات التي أجراها مجلس القيادة الرئاسي اليمني في محافظة الجوف، شمالي البلاد، الباب أمام كل الاحتمالات، لا سيما أنها جاءت بالتزامن مع انقضاء موعد الهدنة التي سرَت في البلاد لستة أشهر وانتهت مطلع الشهر الحالي من دون تجديدها، نتيجة رفض الحوثيين الجهود التي يقودها المجتمع الدولي في ذلك الاتجاه.

تغييرات للعليمي في الجوف

وأصدر رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي، الإثنين الماضي، قرارين أزاح بموجبهما الشخصية القوية في محافظة الجوف الشيخ القبلي البارز أمين العكيمي من منصبي المحافظ وقائد المحور العسكري في المحافظة الحدودية مع السعودية، والتي يقع معظمها حالياً تحت سيطرة جماعة الحوثيين. وعيّن العليمي العميد حسين العجي العواضي خلفاً للعكيمي في قيادة المحافظة، كما عيّن العقيد الركن محمد عبده الأشول على رأس المحور.

ويقع محور الجوف ضمن منطقة عمليات المنطقة العسكرية السادسة في الجيش اليمني، والمنتشرة حالياً في مناطق شرق الجوف وشمال مأرب. ونص القرار أيضاً على أن تخضع جميع وحدات المحافظة لقيادة المحور، مع إلغاء أي تكليفات سابقة.

ساهم العكيمي بشكل فاعل في استعادة السيطرة على الجوف، قبل أن يعود الحوثيون إليها مطلع 2020

من أمين العكيمي إلى حسين العواضي

والعكيمي هو عضو البرلمان اليمني عن حزب الإصلاح، ذي التوجه الإسلامي، والشخصية القبلية القوية. عُيّن محافظاً للجوف من قبل الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي في أغسطس/ آب 2016، قبل أن يُعيّن في قيادة المحور في يوليو/ تموز 2018.

وسبق أن خاض العكيمي مواجهات شرسة ضد الحوثيين منذ 2015 حين كان يقود "لواء النصر"، وساهم بشكل فاعل في استعادة السيطرة على المحافظة، قبل أن يعود الحوثيون إليها مطلع العام 2020، وهو على رأس قيادتها، بعد معارك ضارية خسر فيها نجله صادق على أطرافها الغربية.

أما خليفة العكيمي في منصب المحافظ، العميد العواضي، فقد رقّي بموجب القرار الجمهوري إلى رتبة لواء، وعاد إلى المنصب الذي سبق له أن عيّن فيه في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2014، أثناء حكم هادي، بعد مرور سنتين على عودته من خارج اليمن، حيث كان يقيم لنحو 20 عاماً، إثر مشاركته في حرب الانفصال في صف الاشتراكيين الذين خسروا الحرب في منتصف تسعينيات القرن الماضي.

وعقب تعيينه، قال العواضي في سلسلة تغريدات على "تويتر"، الثلاثاء الماضي، إن أولوياته رص الصفوف والتوجه لتحرير المحافظة من الحوثيين.

وأضاف: "الدرب شاق والمهمة صعبة، لكن الهمة عالية والإرادة قوية والرؤية واضحة، اتكالنا على الله، ثم على ثقتنا بأبناء الجوف قاطبة، وقبائل دهم (أحد فروع قبائل بكيل اليمنية الشهيرة، وإليها ينتمي المحافظ السابق) الأبية خاصة؛ في رفض استمرار الضيم واستباحة الأرض وامتهان الكرامة".

وتابع: "أبناء الجوف أهلي وربعي، عرفتهم وعرفوني وأحببتهم وأحبوني قبل أن أكون محافظاً للجوف عام 2014، غادرت المنصب وودعتهم على محبة خالصة ومودة صادقة، واليوم أُقبل إليهم بقلب ممتلئ بالحب والصدق والنقاء، جميعهم لا أستثني أحداً".

وأعلن أنّ "أولويتنا رصّ الصفوف، وبوصلتنا تحرير الجوف وتنميتها ورعاية مصالح أبنائها. هذه القضية المعيارية بيني وأبناء الجوف، أثق كلّ الثقة أنّه لن يخذلنا أحد، مهما اختلفت المواقع والمواقف؛ تجمعنا قضية الجوف والوطن".

قال العواضي إن أولوياته رص الصفوف والتوجه لتحرير الجوف من الحوثيين

رفض إقالة العكيمي من منصب محافظ الجوف

ولم يصدر عن العكيمي أي تعليق على قرار إقالته حتى أمس، بينما نشرت صفحة على موقع فيسبوك تحت اسم "التجمع اليمني للإصلاح بمحافظة الجوف"، بياناً أول من أمس الأربعاء، أعلنت فيه رفض القرار. ونفت شخصيات مقربة من الحزب، تواصلت معها "العربي الجديد"، صدور أي بيان رسمي عن الحزب، الذي لم ينشر موقعه الرسمي هذا البيان أيضاً.

وقال البيان: "تابع التجمع اليمني للإصلاح بمحافظة الجوف صدور قرار تغيير اللواء أمين بن علي العكيمي، محافظ محافظة الجوف قائد المحور، الرجل الغني عن التعريف، الذي قدم جهوداً وتضحيات في سبيل الدفاع عن الشرعية والجمهورية والمحافظة، وحقق من الإنجازات ما لم تحققه الحكومات السابقة في فترة وجيزة، وبإمكانيات محدودة، وكان آخر شخص غادر المحافظة بعد سقوطها".

وأضاف البيان: "إن صدور مثل هذه القرارات في هذه الظروف الحساسة، وفي ظل استمرار احتجاز اللواء أمين العكيمي لأكثر من عام خارج الوطن، ونسيان كل جهوده وتضحياته إلى جانب الشرعية والتحالف، ولأن هذه القرارات لا تخدم المصلحة العامة ولا تراعي إنجاح المعركة ضد المليشيات الحوثية الانقلابية، نؤكد على رفض التعاطي مع هذه القرارات حتى عودة اللواء العكيمي إلى أرض الوطن".

 وتابع البيان "كما نؤكد على أنّ أيّ تغيير يتجاهل أبناء المحافظة وقواها السياسية والاجتماعية والقبلية، ومحاولة التفرد بقرارها، أمر غير مقبول، ونحمّل مجلس القيادة الرئاسي ما قد يترتب عليه من تداعيات قد تؤدي إلى تشظي قوى الشرعية في المحافظة، وهو ما يصب في مصلحة مليشيات الحوثي الانقلابية".

التجمع اليمني للإصلاح في الجوف: نحمّل مجلس القيادة الرئاسي ما قد يترتب على إقالة العكيمي من تداعيات

ودعا البيان "كل المكونات الرسمية والاجتماعية والسياسية والقبلية إلى الوقوف صفاً واحداً لرفض مثل هذه القرارات الرامية لعرقلة عملية التحرير واستعادة الدولة، كما دعا مجلس القيادة الرئاسي إلى احترام إرادة أبناء المحافظة وتقدير التضحيات لأبنائها في مواجهة الانقلاب وداعميه، والكف عن ممارسة سياسة الإقصاء والتهميش بحق أبنائها".

من جهتها، سارعت وسائل إعلام، لا سيما تلك الممولة من الإمارات، إلى مهاجمة العكيمي الذي قالت إن تغييره "جاء نتيجة موقفه المعادي للتحالف" الذي تقوده السعودية، واتهمته بـ"التسبب في سقوط المحافظة مرة أخرى في قبضة الحوثيين في العام 2020، نتيجة الفساد وسوء الإدارة والحسابات السياسية الخاصة".

علاقة متوترة بين العكيمي والسعودية

ودار حديث كثير حول أسباب إقالة العكيمي وأهدافها في هذا التوقيت. وفي السياق، أرجع الصحافي علي العنثري، وهو من أبناء الجوف، في حديث مع "العربي الجديد"، إقالة الرجل لـ"خلافات بين العكيمي والسعودية منذ فترة، خصوصاً بعد سقوط الجوف بيد الحوثيين عام 2020، ثم سقوط اليَتَمة"، وهي المنطقة التي تقع بمحاذاة حدود المملكة، في العام نفسه.

ولسنوات طويلة، ظلّت علاقة العكيمي بالجانب السعودي متميزة، إذ كانت له علاقة شخصية مع أمراء في المملكة منذ ثمانينيات القرن الماضي، لا سيما أنه الرجل القوي في المحافظة ذات المساحة الحدودية الصحراوية الأكبر مع الأراضي السعودية. لكن تلك العلاقة ساءت في السنوات الأخيرة.

وقال العنثري إنّ "السعودية وضعت الشيخ العكيمي تحت الإقامة الجبرية داخل أراضيها منذ عدة أشهر وحتى الآن، من دون معرفة الأسباب، وهو شيخ الجوف وكبيرها"، مشيراً إلى أن "قرار تغييره كان مطروحاً على الطاولة منذ أشهر حسب ما وصلنا، لكنّ إخراجه في هذا الوقت قد تكون له دلالات أخرى، كأن يكون هناك توجّه لتحرير الجوف مثلاً".

تداعيات تغيير العكيمي

وحول أثر هذه التغييرات على المحافظة التي تشهد تردياً في الداخل حيث يسيطر الحوثيون، وفي أماكن النازحين من أبناء المحافظة في مأرب وصحراء الجوف وغيرها، رأى العنثري أنها "ستكون في صالح المحافظة فقط إذا كان هناك تحرير للأراضي الواقعة تحت سيطرة الحوثيين".

وتابع: "أما إذا كانت فقط لتغيير الشيخ العكيمي أو بهدف تهميش حزب سياسي، فلن يتغيّر شيء في الواقع، بل ستكون لها أضرار، فالشيخ له ثقله وله أنصاره وسينقسم أبناء الجوف بين مؤيد ومعارض للمحافظ الجديد، كما هو حاصل الآن".

العنثري: العكيمي له ثقله وله أنصاره وسينقسم أبناء الجوف بين مؤيد ومعارض للمحافظ الجديد

وأضاف: "أبناء الجوف يتوقون لانطلاق شرارة تحرير المحافظة، وإذا كان المانع من تحريرها هو بقاء العكيمي، فإنهم سيقفون إلى جانب العواضي على الرغم من احترامهم لشيخهم، إذا جاء المحافظ الجديد للتحرير، وهو شخص له احترامه أيضاً وله ثقله وتاريخه، وقد سبق وشغل منصب محافظ الجوف وشارك في عمليات تحرير من قبل".

استعدادات لاستعادة السيطرة على الجوف؟

ورأى مراقبون يمنيون ونشطاء على مواقع التواصل أنّ التغييرات الجديدة في الجوف تأتي ضمن استعدادات من قبل المجلس الرئاسي لإطلاق عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على المحافظة ذات الامتدادات الجغرافية الواسعة، بعد انهيار الهدنة المعلنة برعاية أممية في مطلع الشهر الحالي، ورفض الحوثيين كل الجهود المبذولة لتجديدها، ووضعهم اشتراطات وصفها مجلس الأمن الدولي بـ"المتطرفة".

لكنّ مصدراً حكومياً تحدث لـ"العربي الجديد"، استبعد ذلك، وقال إن "أي عملية عسكرية قد تنطلق كرد على رفض الحوثيين للسلام، لا يمكن أن تنطلق لتحرير محافظة الجوف فقط، بل ستكون عملية شاملة من مختلف المحاور على امتداد جبهات المواجهة معهم"، من دون أن يخفي تخوفه من فشل المحافظ الذي قال إنه "شخصية مسيسة أكثر مما تحتمله الجوف ذات الطبيعة القبلية".

بدوره، قال مصدر مقرب من المجلس الرئاسي لـ"العربي الجديد"، إنّ "قرار تعيين العواضي محافظاً كان مطروحاً على الطاولة منذ ما قبل انهيار اتفاق الهدنة مع الحوثيين"، مشيراً إلى أنّ "من المستبعد أن يكون هناك خلاف بين أعضاء مجلس القيادة بخصوص تعيينه، خصوصاً أنّ المجلس خرج تواً من خلافات شائكة متعلقة بمسألة التوافق في اتخاذ القرارات".

لكنّ المصدر لم يستبعد أن تكون لإعلان القرار في هذا التوقيت علاقة بـ"الخطوات المستقبلية للتعامل مع المتغيرات المحتملة" التي قال وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إنّه ناقشها مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي خلال لقائهما في الرياض يوم الإثنين الماضي.

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون