تتوالى التسريبات أخيراً عن تعديل بنود "معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية"، لتحيي المخاوف من مخطط لتنفيذ الطموحات الإسرائيلية الأميركية، كما ورد في خطة الإملاءات لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة بـ"صفقة القرن"، تحديداً في ما يتعلق بتحويل جزء من سيناء المصرية إلى مكان يستوعب جزءاً من سكان غزة.
وكشفت مصادر سياسية ودبلوماسية مصرية، تحدثت إلى "العربي الجديد"، عن أن تعديل "معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية"، قد يشمل بنوداً أخرى غير التي أعلن عنها الجيشان المصري والإسرائيلي، والمتعلقة بالترتيبات الأمنية الخاصة بحجم القوات المصرية في المنطقة "ج"، والتي تسمح للجيش المصري بزيادة قواته في تلك المنطقة. وقالت المصادر إن التعديل ربما يمتد إلى بنود أخرى في المعاهدة "قد تمهد لترتيبات إسرائيلية جديدة خاصة بسيناء والفلسطينيين، كما ورد في خطة (الرئيس الأميركي السابق) ترامب المعروفة بصفقة القرن"، والهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، خصوصاً ما تُعرَف بقضايا الحل النهائي.
دبلوماسي مصري: بايدن أكثر إيماناً من ترامب بصفقة القرن
وزار وفد إسرائيلي رفيع المستوى، برئاسة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولتا، القاهرة، الأحد الماضي، لبحث مجموعة من الملفات ذات الاهتمام المشترك مع مصر، وذلك في زيارة تسبق تلك المرتقبة لرئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل إلى تل أبيب، نهاية الشهر الحالي. وبحسب مصادر مصرية خاصة، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن اللقاء بحث بعض الإجراءات الأمنية الملحقة بالاتفاق الأخير الخاص بزيادة عدد القوات المصرية في رفح، كاشفة أن هناك بنوداً أخرى ذات صلة باتفاقية "كامب ديفيد" محل دراسة بين الجانبين، من أجل إدخال تعديلات عليها في ضوء التنسيق الأمني رفيع المستوى بين الجانبين في سيناء، ومنطقة الحدود المشتركة.
في هذا السياق، قال دبلوماسي مصري سابق إن "المحتل الإسرائيلي أجبر مصر ودولاً خليجية على الدخول في حلف اقتصادي بشروطه التي فرضها. وعلى أساس ذلك جاءت فكرة منتجعات "نيوم" السعودية، والتي تمتد إلى مصر، وغيرها من مشروعات اقتصادية، أعلنت عن بعضها الإدارة الأميركية السابقة، هدفها إنشاء منطقة اقتصادية، جزء منها في سيناء يستوعب عمالاً من غزة مع أسرهم، بالإضافة إلى بعض المشروعات، مثل محطات كهرباء ووقود تمد سكان القطاع بالطاقة، ما يساهم في تحقيق مشروع السلام الاقتصادي المزعوم، الذي بشر به رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي السابق شمعون بيريز".
وأضاف الدبلوماسي المصري أن "فكرة ترحيل الفلسطينيين إلى سيناء، فكرة صهيونية موجودة منذ سنوات طويلة، وأن التسريبات التي تخرج كل فترة إلى العلن ويتم نفيها، تعود مرة أخرى للظهور، وهذا أمر متعارف عليه للتمهيد لفكرة معينة، وجعل وقعها أخف على المواطن العربي. وهذا يحدث بشكل ممنهج وعلى مدار سنوات طويلة جداً". وتابع أنه "على الرغم من أن صفقة القرن وفكرة السلام الإسرائيلي تعودان بالأساس إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إلا أن الرئيس الحالي جو بايدن، أكثر إيماناً بهذه الفكرة، لكنه يركز أكثر على الجوانب الاقتصادية، ويرى أنها أقرب للواقعية السياسية".
وأوضح الدبلوماسي المصري أن "السلام بين إسرائيل وإيران أمر لا يمكن حدوثه، وإسرائيل وحدها لا تستطيع محاربة إيران، ولذلك قررت أنه من الضروري أن تدخل في حلف عربي خليجي، فإذا قررت إيران مهاجمتها فسوف تهاجم الحلف بالكامل".
وأضاف أن "إجراء قوات بحرية تابعة لدول خليجية مناورات عسكرية مشتركة مع نظيرتها الإسرائيلية، خطوة لم تكن لتخطر على البال قبل ذلك". وامتدت المناورات، التي بدأت في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، لخمسة أيام في البحر الأحمر، وشاركت فيها بوارج حربية من الإمارات والبحرين وإسرائيل، إضافة إلى الولايات المتحدة، وذلك "من أجل تأمين حرية حركة الملاحة"، بحسب ما قالته القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية، مضيفة، وقتها، أن التدريب "يستهدف تعزيز القدرة على العمل الجماعي بين القوات المشاركة في المناورات". وتأتي المناورات وتعديل "معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية" بعد توقيع "اتفاقيات أبراهام" في سبتمبر/أيلول 2020، وتطبيع الإمارات والبحرين علاقاتهما مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وقبل 44 سنة حاربت حكومة الاحتلال الإسرائيلي بشراسة في مفاوضات "كامب ديفيد" لإقرار بنود معينة في اتفاقية السلام مع مصر، استقال بسببها وزير الخارجية المصري محمد إبراهيم كامل- خلال المفاوضات التي أُجرِيت بولاية ميريلاند الأميركية عندما رافق الرئيس المصري الراحل أنور السادات في سبتمبر عام 1978- من منصبه في الـ16 من الشهر نفسه بسبب "حجم التنازلات التي قدمها الرئيس المصري الراحل لإسرائيل في ذلك الحين". وكتب كامل، في كتابه "السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد" المنشور في القاهرة بداية ثمانينيات القرن الماضي، أن "ما قبل به السادات بعيد جداً عن السلام العادل". وندد بالاتفاقية لإخفاق السادات في الإصرار على انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية وقطاع غزة، والنص على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. وتنبأ في مذكراته أيضاً بمستقبل مظلم للمنطقة بأسرها، حيث قال إن "تلك الاتفاقيات ستؤدي إلى عزلة مصر وستسمح للدولة الصهيونية بحرية مطلقة في ممارسة سياسة القتل والإرهاب في المنطقة، مستخدمة السلاح الأميركي كمخلب لها". وقال أيضاً إن الأفكار الأميركية التي طرحت في "كامب ديفيد" كانت تهدف إلى إضفاء غطاء شرعي على احتلال إسرائيل للأراضي العربية.
وانتقد آخرون المعاهدة التي وقّعها السادات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحيم بيغن، بحضور الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، وتحديداً البنود الخاصة بخفض الوجود العسكري للجيش المصري في سيناء، والذي يعني غياب السيادة الكاملة للدولة المصرية على جزء من أراضيها. ولكن بعد كل هذه السنوات من توقيع المعاهدة، يبدو أن التشدد الإسرائيلي في بنودها، لم يعد موجوداً في صورته الأولى، إذ إن تواتر الأخبار عن الاتفاق بين القاهرة وتل أبيب على تعديل بنود المعاهدة زاد في الأيام القليلة الماضية. فماذا حدث لجعل إسرائيل ترغب في تعديل معاهدة السلام الآن؟
في 25 و26 يونيو/حزيران 2019، نظمت الإدارة الأميركية، بقيادة مستشار وصهر ترامب، جاريد كوشنر، ورشة عمل تحت عنوان "السلام من أجل الازدهار"، في العاصمة البحرينية المنامة، بغرض الترويج لما تُعرَف بـ"صفقة القرن". وكانت مصر على رأس الدول العربية التي حضرت المؤتمر، رغم أن الرئيس عبد الفتاح السيسي كان قد أنكر وجود الصفقة في نوفمبر 2018، عندما سأله أحد الشباب، في مؤتمر للشباب بمدينة شرم الشيخ، حيث قال للشاب وقتها: "صدقني... صفقة القرن هي تعبير أطلقته وسائل الإعلام... مفيش وأنا بتكلم بصدق، ما عندناش معلومات عن الموضوع ده". وذلك رغم أنه كان من أوائل الذين كشفوا النقاب مبكراً عن الصفقة، وكان ذلك في إبريل/نيسان 2017، في لقائه بترامب. وفي اللقاء أكد دعمه بكل ما أوتي من قوة للصفقة، وقال: "هتجدني فخامة الرئيس، وبقوة أيضاً، داعماً وبشدة، كل الجهود اللي هتبذل من أجل إيجاد حل لقضية القرن... لصفقة القرن اللي أنا متأكد إن فخامة الرئيس هيستطيع إنه يحلها".
طرحت خطة "صفقة القرن" 12 مشروعاً لتنفيذها بسيناء
وبحسب الخطة التي نشرها البيت الأبيض قبل يومين من انعقاد ورشة المنامة، تسهم الدول المانحة بنحو 50 مليار دولار، تذهب 28 ملياراً منها للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، و9.176 مليارات لمصر، و7.5 مليارات للأردن، و6 مليارات للبنان. وطرحت الخطة 12 مشروعاً تخص مصر وحدها، على أن يتم تنفيذها جميعاً في شبه جزيرة سيناء، وذلك من أجل تعزيز التنمية والتكامل في الإقليم كله، وليس من أجل سيناء وأهلها المصريين. ونصت على إنشاء البنية التحتية ودعم مشاريع الطاقة والكهرباء في سيناء، وتوفيرها من أجل مشاريع التنمية في الصفقة، بالإضافة إلى مشاريع دعم الطرق داخل سيناء والبنية التحتية للنقل والمواصلات، لمواكبة التطورات الجديدة، وتحسين الاتصال المحلي والإقليمي.
خطة توطين الفلسطينيين في سيناء ليست جديدة، والحديث عنها لم ينقطع منذ خمسينيات القرن الماضي. وقال الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك، في أحد الأحاديث، إن الإسرائيليين سبق وأن طلبوا منه في عهد رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت تاتشر، التنازل عن جزء من أرض سيناء ليكون ضمن الدولة الفلسطينية المرتقبة، لكنه رفض الطلب بشكل قاطع. لكن الجديد الآن هو الحديث عن تعديل "معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية"، بعد خطة ترامب التي اشتملت على مشاريع في سيناء وميناء ومطار، في إطار ما أطلقت عليه خطة كوشنر مصطلح "فلسطين الجديدة"، وهو تعبير جديد يدخل ملفات القضية الفلسطينية، ويتجاوز الحدود التاريخية للضفة الغربية وقطاع غزة باتجاه سيناء، بحيث يمهد لضم مساحات من شمال شرقي سيناء في رفح المصرية والشيخ زويد ومناطق شرق مدينة العريش إلى قطاع غزة.
وفي يوليو/تموز 2019، نشرت صحيفة "إسرائيل هيوم" ما أسمتها تفاصيل بنود وثيقة غير رسمية قالت إنه يتم تداولها بين موظفي وزارة الخارجية الإسرائيلية، من دون أن يعرف مصدرها، لكنها تحوي بنوداً شبيهة بما يتم نشره عن خطة ترامب بشأن القضية الفلسطينية، وتشمل تبادل أراضٍ، تتنازل مصر بموجبها عن مساحة 720 كيلومتراً مربعاً، وتحصل على أخرى في صحراء النقب. خطة البيت الأبيض طرحت أيضاً مشروعات لتوفير المياه في سيناء لدعم التنمية الاقتصادية على نطاق أوسع، ما يؤكد ادعاء موقع "ميدل إيست أوبزرفر" البريطاني في نوفمبر 2016، بأن ستة أنفاق غير معلن عنها يتم إنشاؤها تحت قناة السويس، الهدف منها هو إيصال مياه النيل إلى سيناء ثم إسرائيل.