يعيش إقليم ترانسنيستريا الواقع في جمهورية مولدوفا السوفييتية السابقة والموالي لروسيا، حالة من التوتر الأمني منذ أمس الاثنين، على واقع انفجارات وقصف واستهداف ثكنة عسكرية، وسط مخاوف من تمدد أعمال القتال في أوكرانيا إلى الإقليم الحدودي المولدوفي الخارج عن سيطرة كيشناو.
وأعلنت سلطات ترانسنيستريا، غير المعترف بها دوليا وحتى روسياً، في ختام اجتماع مجلسها للأمن اليوم الثلاثاء، المستوى "الأحمر" للخطر الإرهابي في الإقليم الذي يقتضي اتخاذ إجراءات أمنية إضافية".
وأسفرت ثلاث هجمات في ترانسنيستريا عن إلحاق أضرار بثكنة عسكرية في قرية باركاني ومبنى وزارة أمن الدولة في العاصمة تيراسبول وبرج لمركز الإذاعة والتلفزيون في محيط بلدة ماياك.
ويعد إقليم ترانسنيستريا في مولدوفا واحداً من بؤر التوتر المحتمل في الجمهوريات السوفييتية السابقة، إلى جانب مناطق أخرى تقطنها أقليات أثنية مثل إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، وإقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا، وبالطبع منطقة دونباس الواقعة شرقي أوكرانيا والموالية لروسيا.
وإقليم ترانسنيستريا له حدود مع أوكرانيا التي أعلنت موسكو في منتصف إبريل/ نيسان الجاري، عن مرحلة جديدة من عمليتها العسكرية فيها تهدف إلى بسط السيطرة الكاملة على دونباس وجنوبي أوكرانيا لإقامة ممرات برية إلى شبه جزيرة القرم وترانسنيستريا.
ومع ذلك، أعربت وزارة الخارجية الروسية اليوم، عن أملها في تجنب استدراج ترانسنيستريا إلى ما يجري في أوكرانيا، معتبرة أن رفع مستوى "الخطر الإرهابي" في الإقليم مبرر.
وتعود جذور التوتر جنوبي مولدوفا إلى عام 1990، حين أعلنت جمهورية ترانسنيستريا عن استقلالها عن جمهورية مولدوفا السوفييتية آنذاك، ما أسفر عن وقوع نزاع مسلح في عام 1992 تحول إلى نزاع متجمد بعد تحرك موسكو والتوقيع على اتفاق "مبادئ تسوية النزاع المسلح في منطقة ترانسنيستريا في جمهورية مولدوفا" وإرسال جنود حفظ سلام روس إلى منطقة القتال، ولا تزال مجموعة للقوات الروسية مرابطة هناك حتى اليوم.
ورغم إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2018 قرارا يقضي بانسحاب قوات حفظ السلام الروسية من ترانسنيستريا، إلا أن وزارة الخارجية الروسية اعتبرته "استفزاز"، بينما رفضت سلطات ترانسنيستريا إخراج العسكريين الروس.
وفي عام 2020، اعتبرت رئيسة مولدوفا المنتخبة آنذاك، مايا ساندو، أن تسوية نزاع ترانسنيستريا يتطلب استبدال قوات حفظ السلام الروسية ببعثة المراقبين المدنيين من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وعلاوة على ذلك، يتولى العسكريون الروس حراسة مخازن الأسلحة في قرية كولباسنا الترانسنيسترية التي تحتضن ذخائر تم إخراجها من الدول الأوروبية بعد انسحاب القوات السوفييتية، وهي لا تزال تنتظر البت في مسألة إتلافها.
"ألغام" الحقبة السوفييتية
ويعود الوضع المعقد في إقليم ترانسنيستريا، أو رسمياً جمهورية بريدنيستروفيا المولدوفية، إلى المشكلات التي رافقت انهيار الاتحاد السوفييتي، حاله كحال شبه جزيرة القرم إقليم ناغورنو كاراباخ وغيرها. ويقع الإقليم الانفصالي، وعاصمته تيراسبول، في الشريط الضيق من الأرض بين نهر دنيستر والحدود الأوكرانية، ويُعترف به دولياً كجزء من مولدوفا.
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، تصاعدت التوترات بين مولدوفا وسكان بريدنيستروفيا الانفصالي الرافضين لحل الاتحاد السوفييتي، والمتوجسين من انضمام مولدوفا إلى رومانيا، إلى صراع عسكري، بدأ في مارس/آذار 1992، وانتهى بوقف إطلاق النار في يوليو/تموز من العام ذاته. وكجزء من ذلك الاتفاق، تُشرف لجنة مراقبة مشتركة ثلاثية الأطراف (روسيا ومولدوفا وترانسنيستريا) على الترتيبات الأمنية في المنطقة المجردة من السلاح. وعلى الرغم من استمرار وقف إطلاق النار، لا يزال الوضع السياسي للإقليم من دون حل.
فترانسنيستريا جمهورية شبه رئاسية مستقلة غير معترف بها دولياً، لكنها تملك حكومة وبرلماناً وقوات، واعتمدت سلطاتها دستوراً وعلماً ونشيداً وطنياً. ومن اللافت أنها الدولة الوحيدة التي لا تزال تستخدم المطرقة والمنجل على علمها، على الرغم من أنها لا تلتزم بمبادئ الشيوعية.