ترامب يُحيي مذهب "مونرو" ويشرّع سياسة التوسع

27 ديسمبر 2024
ترامب خلال تجمع انتخابي في بنسلفانيا، 13 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أظهر دونالد ترامب اهتمامًا بقضايا خارجية مثل استعادة قناة بنما وشراء غرينلاند، مما يعكس سياسة توسعية قد تؤدي إلى توترات دولية، خاصة مع تهديداته بزيادة الرسوم الجمركية على دول مثل الصين وأوروبا وكندا والمكسيك.

- في حملته لعام 2024، عاد ترامب إلى شعار "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، مستلهمًا من مذهب جيمس مونرو، مع التركيز على تعزيز النفوذ الأميركي في المحيط المجاور.

- يسعى ترامب لتعزيز النفوذ الأميركي في النصف الغربي من الكرة الأرضية، مما قد يثير أزمات مع الدنمارك والاتحاد الأوروبي، مع ترك الأزمات الأخرى دون تدخل مباشر.

فاجأ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الجميع بنبش ملفات وطروحات خارجية، كان يعتقد أنها صارت من الماضي إما بحكم القانون الدولي أو بحكم الأمر الواقع وتقادم الزمن. ورغم أنها قوبلت بالاستهجان عموماً، إلا أنه تعمّد التأكيد عليها بتغريداته أكثر من مرة في الأيام الأخيرة، مكرراً دعوته بل إصراره على استعادة ملكية قناة بنما وعزمه على شراء جزيرة غرينلاند القريبة من حدود أميركا وكندا، مع الإفصاح عن رغبته بأن يرى هذه الأخيرة -كندا- وقد تحوّلت في يوم من الأيام إلى "الولاية الأميركية الـ51".

مثل هذا الشهية المفتوحة على التوسع الذي سلّط عليه الأضواء عشية عودته إلى البيت الأبيض بعد 25 يوماً، بدا ترامب وكأنه يحدد العنوان الرئيسي لسياسته الخارجية التي ينوي اعتمادها في رئاسته الثانية. تطور فجّ وضعه المراقبون في خانة الوصفة المبكرة "لوجع راس" أميركي قد يرافق سنواته الأربع القادمة. فهو ليس بأقل من انقلاب سافر على "المألوف والمعمول به" ومن تشجيع على سياسة الاستباحة والتوسع كالتي تمارسها روسيا وإسرائيل والتي ربما تنقل عدواها إلى مناطق أخرى إذا أصر ترامب على استرجاع قناة بنما بالقوة. وقد تتفاقم هذه التوجهات إذا ما ترافقت مع حرب تجارية هدّد الرئيس ترامب بإشعال نارها من خلال تلويحه بزيادة الرسوم الجمركية بنسبة 30% وما فوق على البضائع المستوردة ليس فقط من الصين بل أيضا من البلدان الأوروبية وكندا والمكسيك وغيرها، في حال عدم استجابة هذه الدول لمطالبه وشروطه الاقتصادية والسياسية. تطورات إذا حصلت يكتمل مشهد "الفوضى العارمة" في الوضع الدولي المأزوم أصلاً.

في حملته الانتخابية سنة 2016، طرح الرئيس ترامب شعار العمل على "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى" والذي ساهم في فوزه. لكن تواطؤ فوضى سياساته مع كوفيد- 19 أدى إلى تجويف هذا الشعار خلال رئاسته الأولى. ثم لجأ إليه وجعله عنوان حملته في 2024 التي أوصلته من جديد إلى البيت الأبيض. الآن عليه ترجمة هذا الالتزام أو ما يوحي بمحاولة ترجمته.

في الساحة الداخلية لا يملك ترامب البرنامج المناسب والمتماسك لتحقيق "العظمة" الموعودة. وفي الخارج اختار النأي عن الحروب كما قال. البديل لتحقيق شعاره (MAGA)، الذي ارتبط باسمه، كان في اعتماده لاستراتيجية تظهير العظمة الأميركية في المحيط المجاورلأميركا. ومثل هذا الخيار نسخة منقحة عما عُرف بمذهب الرئيس جيمس مونرو الذي أعلنه في 1823، ويعتبر أن القارة الأميركية هي بمثابة حديقة خلفية للولايات المتحدة وأن "على الاستعمار الأوروبي أن يبقى خارج النصف الغربي للكرة الأرضية".

استحضار ترامب لموضوع القناة يندرج ضمن مفهوم "الحديقة". صحيح أن الولايات المتحدة شقت هذا الممر المائي الحيوي بين 1904 و1914 ولو عنوة بعد فصل بنما عن دولة كولومبيا، لكن بنما استعادت السيادة عليها في نهاية 1999 بعد مفاوضات انتهت باتفاقية عام 1977 ووافق عليها مجلس الشيوخ الأميركي، بحيث أصبحت ملزمة لواشنطن بموجب القانون الدولي. مع ذلك الرئيس ترامب لوّح باستخدام القوة لاستعادة الممر ووضعه بإمرة السلطات الأميركية "بالكامل وبسرعة"، بزعم أن إدارة القناة تفرض رسوم مرور غير منصفة على السفن الأميركية التي تعبر القناة. وكلامه أخذ على محمل الجدّ وله سوابق. في 1983 أمر الرئيس ريغان باجتياح غرانادا المقابلة لشواطئ فنزويلا، بذريعة إخراج طلاب أميركيين من الجزيرة التي كان يحكمها رئيس اشتراكي وصديق لكاسترو "يهدد بانتشار النفوذ الشيوعي فيها"، حسب زعم الإدارة آنذاك. بهذه البساطة دخلت القوات الأميركية وغيّرت الوضع خلال أيام قليلة وبكلفة لا تذكر. الرئيس ترامب يبدو أنه ينوي نسخ مثل هذا السيناريو القليل الكلفة بظن أن ذلك من شأنه تعزيز صورة العظمة الأميركية!

الحافز نفسه حرّك موضوع غرينلاند باعتبارها موقعاً جغرافياً مشمولاً بمذهب "مونرو". فالجزيرة الأكبر في العالم (أكثر من 2.175 مليون كيلومتر مربع)، ضمتها الدنمارك إليها في 1953. وفي 2008 حققت خطوات نحو الاستقلال، لكنها ما زالت تحت السيادة الدنماركية. الرئيس ترامب عرض في ولايته الأولى شراءها لتصبح جزءاً من أميركا. رفضت الدنمارك عرضه. قبله تقدم الرئيس هاري ترومان، في أواخر أربعينيات القرن الماضي، بالعرض ذاته من دون أن تستجيب له كوبنهاغن.

والمعروف أن الجزيرة كانت تعوّل على الحماية الأميركية خلال الحرب الباردة. على هذه الخلفية وفي ضوء الموقع الاستراتيجي الذي تحتله غرينلاند فضلا عن الثروات المعدنية الكبيرة في باطنها، يعود الرئيس ترامب من جديد إلى طرح موضوع شرائها. وهذه المرة بإلحاح أشد وبنبرة حازمة من باب اعتبارها "ضرورة مطلقة ... تقضي المصالح الأمنية الأميركية بامتلاكها"، على حدّ ما قال. وهو بذلك يبدو وكأنه يقول إن الجزيرة هي من بقايا الاستعمار الأوروبي في النصف الغربي من الكرة الأرضية والذي ينبغي وضع نهاية له بموجب "مونرو". وقد يتسبب الإصرار على شرائها بأزمة مع الدنمارك واستطرادا مع الاتحاد الأوروبي المضطربة علاقاته معه والمتخوف أصلاً من نوايا الرئيس ترامب تجاه حلف شمال الأطلسي (ناتو). ولا يُستبعد أن يكون طرح هذا الموضوع وبمثل هذا الإلحاح، بمثابة مدخل لزيادة التأزيم مع الأوروبيين وبما ينعكس سلبا على الحلف الذي لا يخفي ترامب عدم ارتياحه لاستمراريته.

الرئيس ترامب يبدو أنه متمسك بهذه العناوين. الرسالة أن "الحديقة" وملفاتها التي يعتزم فتحها، ستكون محور اهتماماته الخارجية. القضايا والأزمات الأخرى من أوكرانيا إلى حروب إسرائيل ستكتفي إدارته بدور "إدارة الأزمة" فيها وبما يترك المجال للطرف المتوسِّع لكي "ينهي مهمته" الميدانية بسرعة وبأقل ضجة.