غادر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد ظهر أمس الأربعاء، إلى منتجعه في ولاية فلوريدا لقضاء عطلة الأعياد، مثل كل سنة. لكن هذه المرة ليس من المستبعد أن لا يعود إلى واشنطن بحيث يمارس مهامه من هناك طيلة المدة المتبقية من رئاسته 27 يوماً.
احتمال سبق وترددت حوله تكهنات من باب أن ترامب لا يعتزم على ما يبدو المشاركة في حفل تنصيب الرئيس الفائز جو بايدن في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، وأنه قد ينتقل إلى فلوريدا بحجة إجازة الأعياد ليبقى هناك حتى نهاية رئاسته.
وليل الأربعاء، صدر بيان متأخر وغير اعتيادي عن البيت الأبيض، انطوى على تلميح في هذا الخصوص، إذ جاء فيه وبشكل مقتضب جداً أن الرئيس "سيتابع عمله (من فلوريدا) لخدمة الشعب الأميركي من خلال الاجتماعات والاتصالات".
صيغة البيان المبطنة حملت على تفسيره في هذا الاتجاه ولو أن المقصود قد يكون متابعة البت بمشاريع القوانين المالية الهامة التي أقرها الكونغرس، في اليومين الأخيرين، والتي رفض ترامب أو علّق التوقيع عليها، وبما ترك واشنطن في حالة عارمة من الفوضى، مع أنه وجد الوقت لإصدار موجة غير مسبوقة من قرارات العفو بلغت 26 وشملت الكثير من المعاونين السابقين والمقربين والسياسيين (نواب) المتهمين أو المحكومين بجرائم مختلفة متعلقة في معظمها بتحقيقات روبرت مولر عن التدخل الروسي في الانتخابات، وتبييض أموال وتهرب من الضريبة وغيرها.
وكان قد أصدر، الثلاثاء، قرارات أخرى شملت 16 شخصاً من بينهم 4 رجال من شركة "بلاك ووتر" الأمنية المحكومين بجريمة قتل 17 مدنياً عراقياً في بغداد. ويذكر أن هذه الشركة يديرها شقيق وزير التربية في إدارة ترامب، باتسي فوس.
والحبل على جرار المزيد من هذه القرارات التي أثارت ضجة واسعة ولو أنه لا جدال في دستوريتها. لكن لم يسبق أن مارسها رئيس من قبل ترامب بهذا المدى الذي شمل جرائم قتل قضت فيها المحاكم الأميركية.
واكب ذلك اعتراض الرئيس على 3 مشاريع قوانين مالية حساسة صوت عليها الكونغرس وبغالبية الحزبين الديمقراطي والجمهوري: موازنة البنتاغون والشريحة المتبقية من موازنة السنة المالية المنتهية في آخر سبتمبر/أيلول المقبل وأيضاً حزمة التحفيز والمساعدات بقيمة 900 مليار دولار. الأول رده بالفيتو، في حين ترك الموازنة والمساعدات من غير بت مكتفياً بإعلان أسباب اعتراضه عليهما.
وبحسب القانون لدى ترامب 10 أيام للتوقيع عليها أو نقضها بالفيتو. تنتهي هذه الفترة في الرابع من يناير/ كانون الثاني المقبل. لكن في الثالث منه أي قبل يوم، يتسلم الكونغرس الجديد مهامه وتنتهي معه مدة الكونغرس الحالي الذي صوت على هذه القوانين التي لن تدخل حيز التنفيذ إذا تأخر توقيع الرئيس إلى الرابع من يناير/ كانون الثاني.
المفارقة أنّ موقف ترامب من هذه القوانين بالغة الأهمية، موجه ضد الجمهوريين الذين يشن حرباً سياسية عليهم، بذريعة عدم وقوفهم بقوة إلى جانبه في معركته للإطاحة بالانتخابات. والمفارقة الأكبر أن حرب الأعداء الجدد قد تخدم الحزب الديمقراطي في انتخابات ولاية جورجيا بعد 11 يوماً لمقعديها في مجلس الشيوخ والتي يتوقف على نتائجها ميزان القوة في مجلس الشيوخ الذي يميل لصالح الديمقراطي إذا فاز بالمقعدين، بحيث تصير المعادلة 50 – 50 ترجح فيها كفة هذا الأخير بصوت الديمقراطية كامالا هاريس نائبة الرئيس بايدن، باعتبارها رئيسة مجلس الشيوخ في آن.
انكسار العلاقة في آخر الطريق وبهذه الصورة بين ترامب والحزب الجمهوري خاصة في مجلس الشيوخ، كان آخر ما يمكن أن تتوقعه الساحة السياسية. لكنها الانتخابات التي أطاحت بكل الحسابات والتي لا ينفك البيت الأبيض عن طرق أبواب نقضها، مراهناً الآن على يوم 6 يناير/ كانون الثاني لعرقلة تصديق الكونغرس على تصويت المجمع الانتخابي.
ومع أنها ورقة محكومة سلفاً باللاجدوى لعدم توفر الأغلبية لها خاصة بعد افتراق الجمهوريين في مجلس الشيوخ عن ترامب، إلا أنه عازم على المضي بها ودعمها بتظاهرة "عاصفة" دعا أنصاره للمشاركة فيها بواشنطن في هذا التاريخ. ولذلك تبقى واشنطن في وضع شد الأحزمة لحين موعد الهبوط بسلامة.