ترامب يدخل التاريخ من بابه الملطّخ

14 يناير 2021
الآن ينتقل قرار الاتهام إلى مجلس الشيوخ (Getty)
+ الخط -

كما كان متوقعاً، صوّت مجلس النواب الأميركي في وقت متأخر الأربعاء، على توجيه تهمة الحض على التمرد واجتياح مبنى الكونغرس، ضدّ الرئيس دونالد ترامب، تمهيداً لإحالته على المحاكمة أمام مجلس الشيوخ.

وخلافاً للمرة السابقة، انضمّ 10 من النواب الجمهوريين، تتقدمهم ابنة نائب الرئيس الأسبق ديك تشيني، ليز تشيني، إلى الديمقراطيين، بما نزع عن القرار طابع الحزبية الصافية، وعزز بالتالي مشروعيته، ووسّع دائرة مقبوليته في صفوف الرأي العام الأميركي.

الأهم في هذا العدد رمزيته. فطوال السنوات الأربع الماضية، لم يخرج جمهوري واحد في مجلس النواب عن خطّ الولاء للرئيس ترامب. خروجهم بهذا الحجم لأول مرة يؤشر إلى انفراط الحزام الجمهوري حول الرئيس، وبداية انصراف الحزب بقياداته وقواه التقليدية عنه. فالحزب يشهد عملية تفسّخ متزايد في صفوفه بين الخط التقليدي الموروث وبين الجناح الذي ارتهنه الرئيس. وحسب المعلومات المتداولة، كان يمكن لعدد الجمهوريين أن يكون أكبر لولا "الخوف السياسي والشخصي" من التصويت ضد الرئيس.

وبذلك، دخل ترامب التاريخ كأول رئيس أميركي يصدر بحقه قراران من هذا النوع وفي غضون سنة. حصة تساوي نصف حالات العزل حتى الآن في تاريخ الرئاسة إذ سبقه رئيسان فقط، أندرو جونسون في 1867 وبيل كلينتون في 1998. تعرّض ترامب مرتين لهذا الاجراء، لطخة أبدية تسببت بها أساساً هجمة الأربعاء الماضي التي بدأ يتردد أنها لم تكن عفوية، والتي انقلبت معها الحسابات والموازين والعلاقات. ليس فقط بين البيت الأبيض وسنده الجمهوري في الكونغرس، بل أيضاً بين ترامب وعدد متزايد من كبار مؤيديه وممولي حملاته في القطاع الخاص، عدا عن مقاطعته وغلق حساباته في عدد من مواقع التواصل الاجتماعي، أهمها منبر "تويتر" الذي قطع الرئيس عن قاعدته منذ عدة أيام.

الآن ينتقل قرار الاتهام إلى مجلس الشيوخ. رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي تحدّد الموعد، وهي مستعجلة لإحالة الملف بعد أن تخلّى مجلس النواب عن فكرة تأجيله إلى ما بعد المئة يوم الأولى من رئاسة جو بايدن. لكن مجلس الشيوخ ليس في حالة انعقاد ولغاية 19 الجاري، أي قبل يوم من انتقال السلطة إلى بايدن. زعيم الأغلبية فيه السيناتور ميتش ماكونيل رفض عودة المجلس قبل هذا التاريخ، مع أنه أعطى إشارة تعكس تعاطفه مع عملية العزل. سرّبت مصادره إلى "نيويورك تايمز" ما مفاده بأن الرئيس ارتكب يوم الأربعاء ما يستحق العزل، وأن ذلك ربما يساعد على "تطهير" الحزب الجمهوري من ترامب. كلامه الغريب هذا وغير المألوف في خصومته الصريحة للرئيس، جرى اعتباره بمثابة واحد من اثنين:

إما اعلان مسبق عن نيته بعد أن طفح كيله، للتصويت ضد ترامب في محاكمته أمام مجلس الشيوخ؛ وإما إشارة إلى بقية الجمهوريين في مجلس الشيوخ للتحلّل من الانضباط الحزبي والتصويت في المحاكمة وفق ما يرتأون. والمعروف أن هناك 3 أو 4 سيناتورات جمهوريين على الأقل قد كشفوا عن نيتهم للتصويت مع العزل. والآن، بعدما انكسر طوق الولاء الجمهوري في مجلس النواب، لم يعد من المستحيل كما كان في المرة الماضية أن ينكسر بدرجة وازنة في مجلس الشيوخ. فالعزل يحتاج إلى ثلثي المجلس أي انضمام 17 سيناتوراً جمهورياً إلى الديمقراطيين لصدور الحكم. احتمال بعيد ولو غير مستبعد تماماً.

بعد حدث ليلة أمس، تتصوب الأنظار نحو موعدين وما بينهما: التاسع عشر والعشرين من يناير الجاري. في الأول يلتئم مجلس الشيوخ ويباشر النظر في قرار الاتهام، والمرجح أن يواصل جلساته بعد ظهر اليوم التالي في أعقاب اداء بايدن للقسم الدستوري. من خلال هذا المخرج يكون قد جرى تأجيل صدور قرار المحاكمة إلى ما بعد انتهاء رئاسة ترامب. حتى ذلك الحين، يسيطر الهم الأمني على العاصمة، التي تتحول إلى شبه ثكنة في ظل حالة أشبه بالطوارئ، خصوصاً في محيط الكونغرس والمباني الرسمية الفيدرالية ولغاية 20/1، وربما لما بعده.

المساهمون