ترامب في "قبضة القانون" والاستبلشمنت تصطف لتصفية حسابها معه

27 اغسطس 2022
الرئيس السابق في وضع قانوني صعب (جيم واتسون/ فرانس برس)
+ الخط -

تطورت قصة الوثائق الرئاسية السرية التي استبقاها دونالد ترامب خلافا للقانون في مقر إقامته في مارآلاغو بولاية فلوريدا، حيث بات معها الرئيس الجمهوري السابق يقف على عتبة المحاكمة الجنائية.

وكشفت وزارة العدل أمس الجمعة عن فحوى المذكرة المحذوف معظمها لحساسيته والتي استند إليها القاضي الفيدرالي الذي منح الإذن لمكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" للقيام بعملية تفتيش المقر في 8 أغسطس/ آب الجاري وعثرت على 184 وثيقة رسمية منها "6 حساسة و92 سرية و25 سرية للغاية".

وكان يفترض أن تسلم تلك الوثائق إلى مصلحة الأرشيف الفيدرالي قبل مغادرة الرئيس السابق للبيت الأبيض، باعتبارها ملكاً للدولة. وفي المتداول أن الوثائق التي تحمل ختم "سري للغاية" تشمل معلومات تتصل بالأمن القومي، وربما بالأسلحة النووية.

كما تبين ومن دون نفي من جانب ترامب، أن الوثائق كانت مخزنة في مستودع "غير مؤمن" ويسهل الوصول إليها. وكانت سيدة صينية قد تمكنت في 2019 من التسلل بطريقة مموّهة إلى داخل مارآلاغو قبل أن يكتشف الحرس الرئاسي أمرها ويلقى القبض عليها، حيث قيل حينها إنها كانت في مهمة استخباراتية. وحسب وزارة العدل جرى تنبيه ترامب مرتين عبر محاميه في يونيو/ حزيران الماضي، "بضرورة إعادة الوثائق إلى الأرشيف" خوفا من تعرضها للسطو أو اطلاع الغير على محتوياتها، لكن من دون جدوى. وهنا تطرح علامات استفهام عما إذا كان قد حصل شيء من هذا النوع، وثمة من لا يستبعد ذلك، لكن من غير دليل.

الرئيس الذي شغل وما زال أميركا منذ 2016 وخلخل قواعد الممارسة الرئاسية وجد نفسه أو بالأحرى أوقع نفسه في قبضة القانون

 

بناء على هذه المعطيات تواصل الجهات العدلية تحقيقاتها البعيدة عن الأضواء. ويتوقع خبراء القانون أن تنتهي إما إلى الاكتفاء باسترجاع الوثائق وإما بتوجيه تهمة جنائية للرئيس السابق لمخالفته القانون أو لمحاولته عرقلة سير العدالة في هذه القضية. الاحتمال الثاني مرجح بقوة حسب التقديرات القانونية. وفي هذه الحالة تصبح المسألة متجهة نحو إصدار اتهام يؤدي إلى محاكمة ترامب كمواطن كسر القانون وربما إدانته وصدور حكم جزائي بحقه.

هذه التوقعات لا تخلو من الرغبوية السياسية، لكنها تستند إلى حيثيات قانونية متماسكة، حتى لو كانت سرية الوثائق لا ترقى إلى مستوى الخطورة المدمرة. فالرئيس الذي شغل وما زال أميركا منذ 2016 وخلخل قواعد الممارسة الرئاسية وجد نفسه أو بالأحرى أوقع نفسه في قبضة القانون يوم لم يعد يتمتع بالحصانة الحامية.

ويزيد من ضعف وضعه أن 57% من الأميركيين يؤيدون مواصلة التحقيق ضده في هذا الملف. ثم إن الجمهوريين عموما لاذوا بالصمت في الأربع والعشرين ساعة الماضية، بل إن قياداتهم التقليدية آثرت التروي ولم تهرع إلى نجدته بعد أن بدأت تتكشف المؤاخذات القانونية عليه. وثمة من بينهم مثل كارل روف مستشار الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، من سارع إلى الوقوف علنا ضد ترامب في هذه القضية.

fbi

فهو والرموز الكلاسيكية من الجمهوريين يرون في ورطته الراهنة فرصة لفك قبضته عن عنق حزبهم. لكن فكّها ليس بالأمر السهل. انتخابات الغربلة الحزبية التي جرت هذا الصيف تمهيدا لخوض الانتخابات النصفية للكونغرس في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، كشفت أن الرئيس السابق لا يزال يتمتع برصيد قوي في قواعد الجمهوريين. وما يثير قلق الآخرين أن تأثيره على الشارع الجاهز للعنف لا يزال قويا. يدلّ على ذلك خطاب هذه الجماعات وتهديداتها وردودها عبر منابرها على قضية الوثائق ولو أنها لم تتحرك حتى الآن. لكن خطرها "قائم"، أو المأزق كما رسمته صحيفة "نيويورك تايمز" بعدما أشارت إلى أن محاكمة ترامب قد تحرك هذا الخطر، لكن "الأخطر" ألا يحصل شيء "ردا على استباحة القانون" بحيث يشكل ذلك سابقة تشجع أي رئيس قادم "على خرق القوانين". معادلة تعكس الأجواء الراهنة وتحدث شيئا من حبس الأنفاس.

الرئيس ترامب ضرب الرقم القياسي في الخروج على المألوف مع كل المتاعب التي تسبب بها لأميركا كما لنفسه. هو أول رئيس سابق قد تجري محاكمته أمام القضاء. وأول رئيس أميركي يقرر مجلس النواب عزله مرتين لو لم ينقذه مجلس الشيوخ. سبقه رئيسان بفارق 130 سنة بينهما اندرو جونسون 1868 وبيل كينتون 1998، قرر مجلس النواب عزلهما ليشفع لهما أيضا مجلس الشيوخ.

وبالإضافة لذلك يواجه ترامب دعاوى مدنية وجزائية كبيرة في ولايتي نيويورك وجورجيا، لا تبدو مساراتها لصالحه. وإذا صدر ضده حكم في قضية الوثائق، لن يقوى بعده على الدخول في أي انتخابات. قبل خمسين سنة ارتكب الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون جرم التدخل في إخفاء فضيحة "ووترغيت" ولولا العفو الرئاسي الذي منحه إياه خلفه الرئيس جيرالد فورد لكان خضع للمحاكمة وربما دخل السجن. الآن الرئيس ترامب يواجه مثل هذا الاحتمال القانوني. الفارق أن الاستبلشمنت ضده وليس بقدرته كسب الجولة معها ومع القانون في آن. وبالتالي إمكانية العفو غير متاحة لإعفائه من المحاكمة لو قررت وزارة العدل الادعاء عليه وإحالته للمحاكمة. تحدّ جديد لإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إذ بالنهاية لا ينفصل السياسي عن القانوني في المعركة مع رئيس سابق.