ترامب أمام المحكمة الجنائية: الآثار والمضاعفات على انتخابات 2024

09 يونيو 2023
من غير المتوقع أن تنتهي الملاحقات في المحاكم قبل الاستحقاق الرئاسي (Getty)
+ الخط -

صدور القرار الظني ضد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في قضية الوثائق السرية كان متوقعاً، لكن الكشف عنه الخميس، أثار ردود فعل عارمة في واشنطن، إعلامية، وقانونية، وسياسية. فللمرة الأولى، يُحال رئيس أميركي بعد أو أثناء رئاسته، إلى المحكمة الجنائية الاتحادية بتهمة جرمية.

وحده الرئيس ريتشارد نيكسون طاردته مثل هذه التهمة قبل 49 عاماً، وكادت أن تنتهي به إلى هذه المحكمة، لولا العفو الذي منحه إياه خلفه الرئيس جيرالد فورد لينقذه من السجن المؤكد. الرئيس الحالي جو بايدن ليس في وارد اتخاذ مثل هذا الإجراء لإنقاذ ترامب، الذي عليه المثول أمام هذه المحكمة في ولاية فلوريدا يوم الثلاثاء المقبل في 13 الحالي، بعد أن يسلّم نفسه للشرطة العدلية قبيل دخول القاعة لاتخاذ الإجراءات المطلوبة، مثل تسجيل بصماته.

مشهد غير مألوف لمرشح رئاسي، ولو أنه على الأرجح لن يدخل المحكمة كباقي المتهمين بفعل جرمي مكبّل اليدين، مثلما حصل المرة الماضية أثناء حضوره إلى المحكمة في نيويورك. لكن آنذاك، كانت المحكمة محلية، يحكمها قانون الولاية وليس القانون الفيدرالي الأشد كما هي الحال الآن، في تعامله مع تهمة خطيرة تتعلق "بخرق قانون التجسس"، كما أشارت إليه التسريبات المنسوبة إلى مكتب المدعي العام المختص في هذه القضية. وبذلك، يدشّن ترامب سابقة مع كل ما سينتج عنها من ارتدادات على انتخابات 2024، وبالتحديد على حملته الانتخابية.

ردود الفعل الأولى صدرت عن بعض الجمهوريين في الكونغرس، الذين لوحوا بإدخال هذا الأخير على خط القضية، من باب أن القرار الاتهامي "مسيّس"، ويستهدف ترامب كمرشح جمهوري في طليعة مرشحي الحزب لانتخابات الرئاسة المقبلة.

في المقابل، حذر الديمقراطيون، مثل النائب آدم شيف، من تدخل الكونغرس في سير القضاء. والأرجح أن التلويح الجمهوري باللجوء إلى الكونغرس سيبقى محصوراً في صفوف الأقلية "الترامبية"، خاصة في مجلس النواب. فالقيادات والنخب في الحزب الجمهوري بدأت تبتعد عن ترامب مع اقتراب موسم الانتخابات. وثمة توقعات بأن هذا الاتهام سيؤدي، خاصة بعد أن تنكشف حيثياته يوم الثلاثاء في المحكمة، إلى انسحاب كثيرين من دائرة ترامب، كما سبق لصهره جاريد كوشنر وزوجته أن ابتعدا عنه، خصوصاً إذا ثبت ما تردّد عن العثور على تسجيل لمحادثة أجراها ترامب مع أحد معارفه، أسرّ إليه خلالها بعض ما لديه من معلومات "سرية تتعلق بالأمن القومي".

ويبدو من مواقف وحملات مخططين ومفاتيح انتخابية وازنة في الحزب الجمهوري، مثل كارل روف أحد كبار مستشاري الرئيس جورج بوش سابقاً، أنها تعمل على استنفار ماكينة الحزب الانتخابية وإمكاناتها المالية، استعداداً لدعم بعض المنافسين لترامب، الذين نزلوا إلى الميدان لمنع وصوله.

ومن الأدوات، توظيف ما ارتكبه ورقة قوية ضده في معركة التصفية الحزبية. وكان من اللافت أن يقول مايك بنس، نائب ترامب السابق، خلال إعلان ترشحه الأربعاء، إن ترامب "لا يمكنه أن يكون رئيساً مرة أخرى"، من دون أن يذكر الأسباب التي يمكن أن تكون قضية الوثائق من ضمنها، نظراً لخطورتها وللمتوقع من ردات الفعل عليها، كفضيحة، عندما تُعلن تفاصيلها.

ويذكر أن بنس يحظى بدعم من حراس الحزب القدامى، على أمل أن يصمد في المنافسة حتى الخريف المقبل. فالامتحان أن يصعد هو وأمثاله من المرشحين المحسوبين في خانة الرموز التقليديين للحزب، على حساب هبوط ترامب المتوقع بسبب ملاحقاته القضائية. بيد أن السوابق حملت البعض على التحذير من التفاؤل في هذا الصدد. فبعد اتهامه وإحالته قبل شهرين إلى المحاكمة في قضية الرشوة لإسكات ممثلة أفلام إباحية كان على علاقة معها، ازداد التفاف أنصاره حوله من باب رد الفعل على قرار اعتبره هؤلاء انتقامياً. ولا يزال حتى اللحظة في طليعة مرشحي الحزب الجمهوري، وقد يبقى في هذا الموقع حتى لو صدرت اتهامات متوقعة قريباً في ملفات وتحقيقات من الوزن الثقيل، مثل قضية تدخله في انتخابات ولاية جورجيا، وقضية اجتياح الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني 2021.

وإذا كان بعض الجمهوريين يرى فرصة في هذه الملفات للإطاحة بترشيح ترامب، فإن البيت الأبيض وحزبه الديمقراطي في وضع المرتاح لمشهد ترامب، ومشاكله مع القانون، ومناكفاته مع قيادات الجمهوريين، وهو وضع مرجح استمراره طالما بقي الرئيس بايدن بعيداً عن الهفوات والانتكاسات، وبقي ترامب المرشح الجمهوري المنافس له.

التحدي أمام الجمهوري أن يفصل ثلث قاعدته الانتخابية عن ترامب لحرمانه من كسب معركة الترشيح. حتى الآن، فشل في خلخلة هذا الواقع العنيد. أمام ترامب سنة صعبة: محاكمتان وقراري اتهام على الطريق، ومن غير المتوقع أن تنتهي هذه الملاحقات في المحاكم قبل الاستحقاق الرئاسي. في نهاية المطاف، من شبه المستحيل أن يفلت منها قضائياً، لكن قد لا يدفع ثمنها في السياسة ومعركة الترشيح الجمهوري.

المساهمون