تراجع إيران عن "مشروع الممانعة" وراء سقوط الأسد

09 ديسمبر 2024
صورة مشوهة لحافظ الأسد في دمشق، 8 ديسمبر 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- شهدت سوريا تحولاً جذرياً بخلع الرئيس بشار الأسد بعد 54 عاماً من حكم عائلته، حيث دخلت القوات المعارضة دمشق بسرعة، مما أثار الشكوك حول وجود خطة دولية للتضحية بالأسد.
- موسكو، رغم دعمها للأسد، لم تقدم له خطة إنقاذ بسبب انشغالها في أوكرانيا، وأرسلت تحذيرات ضمنية بالتخلي عنه، مع ضمان قواعدها العسكرية في سوريا.
- إيران بدأت في سحب قواتها من سوريا، مشيرة إلى تراجعها عن مشروع الممانعة، مع التركيز على الأولويات الاقتصادية والانفتاح على التعاون مع الغرب.

خُلع رئيس النظام السوري بشار الأسد بهذه السهولة، وبعد 54 سنة من حكم حديدي مارسه الأب حافظ والابن بشار. وزاد من الذهول أن القوات الزاحفة دخلت العاصمة دمشق بسرعة قياسية بعدما تساقطت المدن والمواقع في طريقها كأوراق الخريف من دون مقاومة ولا عوائق، الأمر الذي عزز الاعتقاد بأن العملية جرت وفقا لخطة مرسومة، أو بالأحرى وفقاً لصفقة مقايضة ثلاثية اقتضت التضحية بالأسد، الذي جرى إبلاغه بالقرار في الأيام الأخيرة.

من التفسيرات التي حملها طوفان التغطية والردود الأميركية أن الرئيس المخلوع ارتكب أخطاء كثيرة، خاصة مع الجارة تركيا، وتمسك برفضه اللقاء مع الرئيس رجب طيب أردوغان رغم الدعوات والنصائح العربية والروسية بضرورة عقد مثل هذا الاجتماع لبحث قضايا تهم الجانبين في المنطقة الحدودية. تشبثه بشروطه للحصول على تنازلات مسبقة أطاح بالفرصة وحمل الرئيس التركي على أخذ قرار دعم قوات الفصائل المعارضة بقيادة "هيئة تحرير الشام".

من التفسيرات التي حملها طوفان التغطية والردود الأميركية أن الرئيس المخلوع ارتكب أخطاء كثيرة، خاصة مع الجارة تركيا

أيضاً من الأسباب المتداولة أن موسكو حثته أكثر من مرة على وجوب إبداء المرونة والعزم على تطبيق القرار الدولي رقم 2254 لإطلاق العملية السياسية سبيلاً للخروج من الأزمة التي طال أمدها وتراكمت تداعياتها. كما أبلغته موسكو بأنه "ليست لديها خطة إنقاذ له"، وفق ما نقلته وكالة بلومبرغ نيوز، لانهماكها في حرب أوكرانيا وبما انطوى على تحذير ضمني للتخلي عنه في المواجهة مع قوات المعارضة. فهي ليست متخوفة على وجودها في سورية. قواعدها البحرية والجوية، في طرطوس وحميميم، مضمونة بعقود، ثم إن التعاون العسكري السوري معها أيضا مضمون بحكم أن مصادر السلاح السوري روسية.

لكن هناك سبباً آخر يضعه بعض العارفين في خانة العامل الأهم في سقوطه ويتمثل في أن إيران نفضت يدها من سورية من خلال تراجعها عن مشروع الممانعة ككل، على الأقل في الوقت الراهن وحتى إشعار آخر. الخسائر كانت فادحة في الأشهر الأخيرة. حزب الله، القوة الضاربة في المشروع، واجه نكسة أمنية عسكرية سياسية، لم تكن في الحسبان. ويتردد في واشنطن أن الغارات الجوية المكثفة التي شنتها إسرائيل على مواقع عسكرية في إيران كانت "مؤذية جداً"، خصوصا "للدفاعات الجوية الإيرانية". ثم توالت إشارات التخلي الإيراني عن سورية. يوم الجمعة الماضي استوقف المراقبون ما أعلنته طهران عن "البدء بسحب قواتها ومستشاريها من سورية". وتبعت ذلك تصريحات لمسؤولين، من بينهم وزير الخارجية عباس عراقجي وحتى الرئيس مسعود بزشكيان، تحدثت عن استغراب إيران من الوضع "المتحطم" الذي بلغه وضع "الحليف الأسد". دعا هؤلاء إلى وجوب وضع فاصل "بين إيران وهذا الطاغية الذي دعمت استمراره في الحكم ... والذي فوجئت إيران بعدم قدرة جيشه على المواجهة" التي أدت إلى انهيار نظامه. توصيف ملفت وكأن معرفة إيران بالنظام السوري جديدة وبما "أدى إلى الوقوع في خطأ التقدير لدينامية الوضع وإغفال ضعف شعبية الأسد في صفوف السوريين". سردية غايتها تسويغ التنصل من الوقوف إلى جانب "ممانع"، في سياق إطلاق عملية انفكاك عن "محور الممانعة" في الوقت الراهن. فإيران ليست في وارد التدخل المباشر إلى جانب الممانعين الآخرين من غزة إلى جنوب لبنان والآن سورية، التي لم يعد بالإمكان مؤازرتها بقوات من حزب الله، كما جرى قبل سنوات.

تجدر الإشارة إلى أن هذا الخطاب سبقه ومهد له نائب الرئيس محمد جواد ظريف في مقالته، الأسبوع الماضي، في مجلة فورين افيرز الأميركية النخبوية والمتخصصة في قضايا الشؤون الخارجية. فما جاء فيها بدا أقرب إلى تقديم أوراق اعتماد لتحوّل إيران في خياراتها الخارجية باتجاه الأولويات الاقتصادية والانفتاح من خلالها نحو التعاون مع الولايات المتحدة والغرب عموماً. وهو تحوّل يستبطن التخلي عن مشروع الممانعة، باعتباره مشروعاً خاسراً، كما كشفت الانتكاسات الأخيرة في لبنان ثم في سورية وفرار رئيسها إلى منفاه الروسي. فالنظرة الحالية في طهران ترى "أن سقوط الأسد وضع علامة تعجب أمام عقود من استثمارات إيران الاستراتيجية في المنطقة، والتي انهارت في غضون أسابيع"، حسب علي فايز، الباحث الإيراني الأصل في  مركز "مجموعة الأزمات" للدراسات والأبحاث في واشنطن. قراءته تلخّص الانعطافة الإيرانية الراهنة.