ذكرت مصادر قانونية وقضائية، أن السلطات المصرية بدأت باللجوء إلى منهج مختلف في التعامل مع عدد كبير من المعارضين والنشطاء القابعين في السجون ومراكز الاحتجاز، تحت بند "الحبس الاحتياطي"، ويتمثل في محاولة وضع سياج قانوني شكلي، يسمح للسلطات بالاستمرار في سجن واعتقال هؤلاء، من دون اللجوء إلى تجاوز فترات الحبس الاحتياطي. وأضافت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن المنهج الجديد يعتمد على ما يمكن وصفه بـ"التدوير الاستباقي"، بناء على نصائح عدد من القانونيين الموالين للنظام، بعدما أبلغ دبلوماسيون مصريون في الخارج، الدوائر القريبة من نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتزايد الحديث معهم من مجموعات أوروبية، غير حكومية، وبرلمانيين غربيين، عن تعسف السلطات المصرية والبطء الشديد الذي يصل إلى حد اللامبالاة بنصائحهم للنظام، بأهمية التعامل مع ملف الحقوق والحريات، بصورة مغايرة لما هي عليه طوال سنوات حكم السيسي.
جرى استدعاء علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر و"أكسجين" أمام النيابة العامة للتحقيق معهم
وعلى غير المعتاد، فوجئ الناشط السياسي المصري علاء عبد الفتاح، والمحامي الحقوقي محمد الباقر، والمدوّن الناشط محمد إبراهيم، الشهير بـ"أكسجين"، باستدعائهم أمام نيابة أمن الدولة للتحقيق معهم في اتهامات حبسهم على ذمّة القضية رقم 1356 لسنة 2019 حصر تحقيق أمن الدولة. أما غير المعتاد هنا، فمرهون بعنصر التوقيت. فغالباً ما كانت السلطات المصرية تلجأ إلى إحالة سجناء الرأي والحرّيات إلى التحقيقات بعد انتهاء مدة حبسهم احتياطياً المقررة بعامين في القانون المصري. إذ كانت السلطات تواصل الحبس الاحتياطي المطول، إلى حين تحديد موقفها من هؤلاء المعتقلين، إذا ما اكتفت بهذا الحبس الاحتياطي من دون إحالة للمحاكمة، أو تدويرهم في قضية جديدة، أو إحالتهم للتحقيق تمهيداً للمحاكمة. لكن علاء عبد الفتاح والباقر و"أكسجين"، كان الاستعداد لهم مختلفاً. فقبل شهر واحد من انتهاء مدة حبسهم الاحتياطي، من دون أي تحقيقات في التهم المنسوبة إليهم، تقرر التحقيق معهم، قبل ضغوط ليحصلوا بموجب القانون على قرارات بإخلاء سبيلهم لإكمالهم المدة القانونية للحبس.
قضى ثلاثتهم سبع ساعات متواصلة في التحقيقات التي جرت قبل أيام. كان نصيب علاء عبد الفتاح منها، تحقيقات في تغريدات له كتبها عام 2019، بينما كانت التحقيقات مع باقر عن عمله في مركز "عدالة" للحقوق والحرّيات. وانتهت النيابة من استكمال التحقيق مع الباقر وعلاء، بأن وجهت إلى كلّ منهما الاتهامات بـ"الانضمام إلى جماعة إرهابية وتمويلها، والإذاعة عمداً داخل وخارج البلاد أخباراً وشائعات وبيانات كاذبة، من شأنها الإضرار بالبلاد وسمعتها، واستخدام شبكة المعلومات الدولية في ارتكاب جريمة نشر الأخبار الكاذبة في القضية 1356 لسنة 2019 حصر تحقيق أمن الدولة".
توقعات المحامين وأسرهم، تشير إلى التمهيد لإحالتهم للمحاكمة على خلفية تلك التحقيقات التي فُتحت قبل شهر واحد فقط من نهاية مدة حبسهم احتياطياً، خصوصاً أن ثلاثتهم تمّ تدويرهم سابقاً. توقعات أخرى أشارت إلى أن هذا السيناريو المختلف مع علاء والباقر و"أكسجين"، تحديداً، هو لضمان عدم لجوء أسرهم ومحاميهم إلى تقديم بلاغات إضافية لجملة البلاغات المقدمة منهم على مدار أعوام عن انتهاكات حقوقهم في السجن وظروف حبسهم المشددة.
ونتيجة كثرة البلاغات التي تقدّمت بها أسرة علاء عبد الفتاح، للنائب العام المصري، حمادة الصاوي، عن ظروف حبسه والانتهاكات والتعذيب وأصوات الصراخ والشكاوى من الانتهاكات التي يسمعها في الزنازين الملاصقة له، وبدلاً من فتح تحقيقات في تلك الانتهاكات والجرائم، قرّرت إدارة السجن إخلاء الزنازين المجاورة والفوقية لزنزانته، حتى لا يتمكن من سماع أي شيء أو محادثة أي معتقل. وبناء عليه، أصبح الناشط السياسي يعيش في زنزانته المعزولة، وكأنه "في حوض سمك" على حدّ وصفه، كما أخبر شقيقته منى سيف، في آخر زيارة لها إليه.
وفي واحدة من الزيارات الأخيرة، نقلت أسرة علاء عبد الفتاح، شهادته عن الإهمال الطبي المتعمد الذي يودي بحياة سجين تلو الآخر. وحينها، ناشدت أسرته، مفتي الديار المصرية، شوقي علام، بشأن حكم إعدام جماعي، بعد إحالة أوراق 26 متهماً من محافظة البحيرة إليه، بقرار الدائرة الأولى جنايات شمال دمنهور، للحكم عليهم بالإعدام في يوم واحد.
توقّع محامو المحبوسين التمهيد لإحالتهم للمحاكمة
كما سبق أن تقدمت منى سيف ببلاغ للنائب العام، بخصوص الضابط وليد وائل أحمد الدهشان، ضابط الأمن الوطني في سجن طرة 2 شديد الحراسة، والمعروف باسم "أحمد فكري"، يحمل شكاوى وبلاغات سابقة تقدمت بها أسرته منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019 بوقائع انتهاكات مختلفة ارتكبها مع ضباط في السجن ضد شقيقها، بدأت بالاعتداء عليه وتعذيبه وتهديده ليلة وصوله إلى السجن في 29 سبتمبر/أيلول 2019. وجاء ذلك إضافة إلى بلاغات كثيرة قدمتها العائلة إلى النيابة العامة المصرية، للشكوى أيضاً من عدم تلقّيهم أجوبة من علاء في فترة وقف الزيارات مع بداية انتشار كورونا، وبلاغات لإدخال كتب وصحف لزنزانته، وبلاغات تطالب بحقّه في التريض، وشكاوى من ضرب واعتداءات.
وكان علاء عبد الفتاح قد أكمل حكماً بالسجن لمدة خمس سنوات، في القضية رقم 1343 لسنة 2013، والمعروفة إعلامياً بأحداث مجلس الشورى، إذ كان يقضي عقوبة تكميلية بالمراقبة الشرطية داخل قسم شرطة الدقي، لمدة 12 ساعة يومياً، بعد خروجه يوم 29 مارس/آذار 2019. ولم يكمل علاء 6 أشهر خارج السجن، حيث فوجئت أسرته في 29 سبتمبر 2019، وأثناء انتظاره خارج القسم، بعدم خروجه عقب انتهاء المراقبة الشرطية، فيما أنكرت قوات الأمن وجوده في قسم الدقي آنذاك. وتم احتجاز علاء في مكان غير معلوم، حتى ظهر أمام نيابة أمن الدولة، متهماً في القضية رقم 1356 بالانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فيما قرّرت النيابة حبسه ويتم تجديد الحبس له منذ ذلك الحين.
والمحامي الحقوقي البارز، محمد الباقر، مؤسس مركز "عدالة" للحقوق والحریات، تم القبض عليه في 9 سبتمبر 2019 أيضاَ، من داخل نیابة أمن الدولة العليا في التجمع الخامس، أثناء حضوره التحقيق مع علاء عبد الفتاح. وتم ضم الباقر وموكله، لنفس القضية رقم 1356 لسنة 2019، حیث اتُھما "بالانتماء إلى جماعة إرھابیة إثاریة وتمویل تلك الجماعة ونشر أخبار كاذبة واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لنشر تلك الأخبار". وكان الباقر محبوساً في نفس زنزانة علاء عبد الفتاح، قبل فصلهما ونقله إلى زنزانة أخرى. أما "أكسجين"، فقد حاول الانتحار أخيراً في سجن طره جنوبي القاهرة، بسبب التنكيل الذي يتعرض له فيه ومنع الزيارة عنه.