تخفيض القوات الأميركية في أفغانستان: هل يتكرر سيناريو التسعينيات؟

22 يناير 2021
جنود في نيويورك عائدون من أفغانستان، ديسمبر 2020 (جون مور/Getty)
+ الخط -

على الرغم من تأكيد الحكومة الأفغانية أنّ خفض عدد القوات الأميركية في أفغانستان وحتى انسحابها بشكل كامل لن يؤثر سلباً على الوضع الأمني في البلاد، إلا أنّ عامة الأفغان وكذا مراقبين عن كثب للوضع الأمني الآخذ في التردي، قلقون بسبب إعلان الولايات المتحدة، يوم الجمعة الماضي، خفض عدد قواتها إلى 2500 جندي فقط، ما يعني أنها ماضية في تنفيذ اتفاق الدوحة مع حركة "طالبان"، وقد تُخرج جميع قواتها من أفغانستان في منتصف العام الحالي، وفق الاتفاق، في حال لم تُعد إدارة الرئيس الجديد جو بايدن النظر بالاتفاق مع حركة "طالبان"، وهو ما تحدث عنه وزير الخارجية الأميركي الجديد أنتوني بلينكن.

وعن ذلك، قال المتحدث باسم مكتب مستشار الأمن القومي الأفغاني المولوي رحمت الله أندر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ خروج القوات الأميركية من أفغانستان أو خفض عددها "لن يؤثر سلباً عل الوضع الأمني في أفغانستان، ذلك لأن 96 في المائة من العمليات العسكرية ضد طالبان والجماعات المسلحة الأخرى، تشنها القوات الأفغانية بمفردها، وهي قادرة على الدفاع عن أراضيها وسيادة الدولة".

صالح: القوات الأميركية التي أتت من أجل إحلال الأمن والقضاء على الجماعات المسلحة، لم تصل إلى هدفها

في المقابل، رأى النائب الأول للرئيس الأفغاني أمر الله صالح، وهو رئيس الاستخبارات السابق، في تصريح صحافي له أخيراً، أنّ "الولايات المتحدة على عجلة من أمرها"، معتبراً أنّ "القوات الأميركية التي أتت إلى أفغانستان في عام 2001 من أجل إحلال الأمن والقضاء على الجماعات المسلحة، لم تصل إلى هدفها المنشود حتى الآن، لأن لطالبان صولات وجولات من العنف، ولها علاقات وطيدة مع التنظيمات المسلحة كالقاعدة". وأشار إلى أنّ "قرار الولايات المتحدة بالتفاوض مع طالبان، كان صائباً في حد ذاته، غير أنها تنازلت كثيراً لحركة لا اعتماد على وعودها، وهو خطأ قد تدفع المنطقة أثماناً باهظة بسببه".

وكشف صالح عن بعض ما دار من نقاشات ومباحثات بين الجانبين الأميركي والأفغاني أثناء المفاوضات الأميركية مع "طالبان". وقال إنّ "الولايات المتحدة عندما أصرّت على الإفراج عن خمسة آلاف سجين للحركة، وفق اتفاق الدوحة، قلنا لهم إنّ طالبان لا اعتماد عليها، وإنّ الخطوة قد تؤدي إلى تصعيد أكبر، غير أنّ الجانب الأميركي وعدنا حينها بأنّ الحركة ستخفض وتيرة العنف، وهو ما لم يحصل، إذ نشاهد الحرب في كل مكان على الرغم من موسم الشتاء".

وتعكس تصريحات صالح، وهو العارف بقدرات القوات الأفغانية بمواجهة "طالبان"، كونه رئيساً سابقاً للاستخبارات، حقيقة ما يدور في الأروقة الحكومية حيال خروج القوات الأميركية. إذ لا شك بأنّ الحكومة الأفغانية لا ترضى بخروج القوات الأميركية بكاملها من أفغانستان في الوقت الراهن، لأنّ المفاوضات مع "طالبان" على الرغم من استمرارها، لم تحرز أي تقدم ملحوظ، وبالتالي القوات الأفغانية بحاجة ماسة إلى دعم القوات الأميركية ومساندتها في مواجهة "طالبان". كما لا شك بأن استمرار الجانب الأميركي في إخراج قواته من أفغانستان، يعتبر نجاحاً للحركة، وهو ما جعلها ترحب بقرار واشنطن الأخير في هذا الشأن. فقد قال الناطق باسم المكتب السياسي لـ"طالبان" محمد نعيم، في تغريدة له على تويتر، يوم السبت الماضي، إنّ "خفض عدد القوات الأميركية في أفغانستان، تطور مهم حيال تنفيذ اتفاق الدوحة"، لافتاً إلى أنّ "خروج القوات الأميركية من أفغانستان، يصب في صالح البلدين".

خروج القوات الأميركية في حد ذاته قد لا يهم عامة الأفغان، غير أنّ من يدرك هشاشة الوضع ومن يراقب الحالة الأفغانية عن كثب، يدرك مدى قدرة "طالبان" على الصمود في وجه القوات الأفغانية. ويُخشى من تكرار سيناريو الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي، بعد خروج القوات السوفييتية. وفي هذا الشأن، قال المحلل الأمني زبير عصمت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ خروج القوات الأميركية من أفغانستان "أمر يتطلع إليه جميع الأفغان، لكن خروجها قبل الأوان، وفي عجالة، قد يدفع أفغانستان نحو أتون حرب أهلية لا تحمد عقباها"، مضيفاً "نحن نريد خروج القوات الأميركية بكاملها بعد نجاح عملية السلام، وبعد التوافق بين الفرقاء الأفغان على غرار التوافق بين الحركة وواشنطن".

القوات الأفغانية بحاجة ماسة إلى دعم القوات الأميركية في مواجهة "طالبان"

وتأتي النقاشات والجدل في الشارع الأفغاني حول خفض عدد القوات الأميركية في وقت الحرب فيه مستعرة والمواجهات بين الطرفين مستمرة، لا سيما في بعض مناطق الجنوب، حيث تسعى "طالبان" للاستيلاء على مناطق جديدة قبل الدخول إلى موسم الحرب (في الربيع)، تحديداً في إقليم قندهار، معقل الحركة السابق، وإقليم هلمند المجاور له، وهو بؤرة الحرب منذ عقدين. كذلك في الشمال، وتحديداً في إقليم قندوز، حيث استخدمت "طالبان" مرتين خلال الأيام الأخيرة، طائرات بدون طيار بدائية الصنع، لقصف مواقع الجيش الأفغاني، وهو ما أثار تساؤلات ومخاوف كثيرة.
وفي أحدث أعمال العنف، قتل 16 من عناصر الأمن الأفغاني في هجوم واسع لـ"طالبان"، ليل الإثنين الثلاثاء، على مراكز أمنية في مديرية دشت أرجي بإقليم قندوز. كما قتل أربعة من عناصر الأمن في هجومين مختلفين في إقليم بغلان المجاور لقندوز، وفق ما قالت مصادر أمنية لـ"العربي الجديد".

وإلى جانب المعارك، شكّلت قضية الاغتيالات المستمرة في العاصمة كابول، وفي الأقاليم الرئيسية، هاجساً كبيراً وأثارت مخاوف عامة الناس، لا سيما أنها تستمر وبشكل شبه يومي، من دون أن يعرف أحد الجهة المنفذة لها. وأثارت قضية اغتيال قاضيتين في المحكمة الأفغانية، الأحد الماضي، في منطقة تيمني في قلب العاصمة كابول، مع سائق سيارتهما، ردود فعل كثيرة في الشارع الأفغاني، إذ لاذ المهاجمون بالفرار في وضح النهار وعلى مرأى من الجميع، فقد نُفّذت العملية في منطقة مكتظة بالناس، تحيطها حواجز أمنية من مختلف أطرافها، وهو ما يشير إلى مدى هشاشة الإجراءات الأمنية. كما تمكن مسلحون، مساء الإثنين الماضي، من اغتيال رئيس الحكومة المحلية في مديرية واشير بإقليم هلمند، ويدعى حاجي عبد الظاهر، وذلك في منطقة لشكر كاه، مركز هلمند. وفي اليوم ذاته، تمّ اغتيال اثنين من المسؤولين في الاستخبارات في مدينة بول عالم، مركز إقليم لوجر المجاور للعاصمة، بينما أصيب رئيس إدارة البيئة المحلية في إقليم غزنة، عبد الولي، بجروح بعد تعرضه لمحاولة اغتيال في مدينة غزنة، مساء الإثنين كذلك.

عصمت: خروج القوات الأميركية قبل الأوان وفي عجالة قد يدفع أفغانستان نحو أتون حرب أهلية لا تحمد عقباها

وفي الإشارة إلى القضية، قال النائب الأول للرئيس الأفغاني أمر الله صالح، الذي يتولى مسؤولية أمن العاصمة لفترة مؤقتة، إنّ "طالبان تقف وراء هذه الاغتيالات ولكن لا تتبناها"، موضحاً في تصريحات صحافية، أنّ "السبب الأساسي وراء استمرار الاغتيالات هو أن مسلحي طالبان يعتقدون أنه في حال أسرهم من قبل السلطات الأمنية، فإنه سيتم الإفراج عنهم في وقت لاحق، ولذلك أعتبر أن الحل الوحيد هو تطبيق حكم الإعدام في حق أسرى الحركة". وهو الأمر الذي أثار حفيظة "طالبان"، وقال المتحدث باسمها ذبيح الله مجاهد، في تعليق على تصريحات صالح، إنّ الحكومة "إذا أقدمت على تنفيذ حكم الإعدام، فإنّ طالبان أمامها أيضاً خيارات كثيرة".

هذا، ويستعد طرفا النزاع لموسم الحرب (في الربيع)، في حين أن الحكومة لم تكتف بالاستعداد لهذا الموسم، بل بدأت القوات الخاصة كذلك بشن عمليات ليلية على معاقل "طالبان"، وهي العمليات التي كانت قد توقفت لفترة في أعقاب اتفاق الدوحة. كما أمرت الحكومة جبهات القتال بالتأهب الكامل، إذ قام مستشار الأمن القومي الأفغاني حمد الله محب بزيارة إلى الشمال، الأسبوع الماضي، وناقش الوضع مع المسؤولين الأمنيين هناك. كما قام هذا الأسبوع بزيارة تفقدية لإقليم هلمند وناقش مع المسؤولين في ستة أقاليم جنوبية الخطط الأمنية المستقبلية.

من جهته، قال قيادي في حركة "طالبان"، لـ"العربي الجديد"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، إنّ الحركة "تستعد على أكمل وجه لإزالة العقبات الموجودة في وجه النظام الإسلامي"، وأن ذلك "سيكون الخيار الوحيد إذا لم يتوصل الطرفان إلى حل بشأن النزاع خلال المفاوضات الجارية بينهما في الدوحة". وهو ما يعني أن الشعب الأفغاني سيكون على موعد مع موسم حرب جديد، لذا تتجه جميع الأنظار صوب مفاوضات الدوحة، علّها تجد حلاً للمعضلة وتخرج الأفغان من مأزق وتبعات الحرب المستعصية.

المساهمون