تحرّكات إسرائيل للضغط على إدارة بايدن في الملف النووي الإيراني: ما مدى جدّية الخيار العسكري الأحادي؟
أثارت الانتقادات المباشرة التي وجهها رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي خلال كلمته أمام مؤتمر "مركز أبحاث الأمن القومي" قبل أيام، للإدارة الجديدة في الولايات المتحدة بسبب توجهها للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وتهديده باستخدام الخيار العسكري ضد طهران بشكل منفرد، الكثير من التساؤلات حول أهدافها، لا سيما أنها جاءت في أوج تحرك واسع تعكف عليه تل أبيب للتأثير على موقف إدارة جو بايدن من الاتفاق.
وذكرت قناة التلفزة الإسرائيلية "13"، ليل أمس الجمعة، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيعلن منتصف فبراير/شباط المقبل، عن تعيين "مفوّض" للإشراف على الاتصالات مع الولايات المتحدة بهدف محاولة إقناعها بأخذ مواقف إسرائيل من المشروع النووي الإيراني في الاعتبار، عند التوصل إلى الاتفاق الجديد الذي أعلنت الإدارة أنها ستسعى للتوصل إليه مع طهران. وحسب ما كشفته القناة، فإن رئيس جهاز "الموساد" يوسي كوهين سيرأس وفداً أمنياً إلى واشنطن بعد أسبوعين، للتباحث مع فريق بايدن حول "الخطوط الحمراء" التي ترى تل أبيب أنه يتوجب أن يراعيها الاتفاق الجديد.
وفُسرت تهديدات كوخافي على أنها ممارسة ضغط على الإدارة الجديدة، عبر الإيحاء بأن إسرائيل قادرة على قلب الطاولة وإحباط فرص تطبيق الاتفاق الجديد بعد توقيعه، مما يفرض على الولايات المتحدة تلبية مطالب إسرائيل المتعلقة بهذا الاتفاق.
وكما ذكرت صحيفتا "يسرائيل هيوم" و"جيروزاليم بوست"، فإن إسرائيل تضع جملة من الشروط على إدارة بايدن، تشمل عدم تحديد سقف زمني لانتهاء العمل بالاتفاق النووي، وضمان إلزام طهران بوقف أنشطة البحث والتطور النووي، ومن ضمن ذلك وقف تطوير أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم، وحرمانها من إمكانية إنتاج جهاز الصاعق النووي، وفرض قيود على الترسانة الصاروخية في الاتفاق، ووقف أنشطتها في المنطقة ودعمها لمنظمات تعدها تل أبيب "إرهابية". كما تصرّ تل أبيب على أن الولايات المتحدة مطالبة بعدم رفع العقوبات التي فرضتها إدارة دونالد ترامب قبل استجابة طهران للشروط الأميركية والإسرائيلية.
فُسرت تهديدات كوخافي على أنها ممارسة ضغط على الإدارة الجديدة، عبر الإيحاء بأن إسرائيل قادرة على قلب الطاولة وإحباط فرص تطبيق الاتفاق الجديد بعد توقيعه
ويبدو أن التصعيد الإسرائيلي مرتبط بالتقديرات السائدة في تل أبيب، بأن إدارة بايدن وضعت العودة للاتفاق النووي كهدف استراتيجي لها، على اعتبار أن سياسة ترامب أفضت فقط إلى اقتراب طهران من القنبلة النووية، كما قال أمس مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان.
في الوقت ذاته، فإن تل أبيب ترى أن حرص بايدن على تعيين أشخاص محددين في مواقع داخل فريق الأمن القومي به يشي بالرغبة في العودة إلى الاتفاق النووي، مثل تعيين روبرت مالي مبعوثاً خاصاً لإيران، وويندي تشيرمان، نائبة لوزير الخارجية، وهي التي قادت الفريق الأميركي الذي أدار التفاوض مع طهران على اتفاق 2015.
واللافت أن انتقادات كوخافي للاتفاق تتعارض مع تقديراته السابقة عندما كان رئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، حين عبّر عن موقف مؤيد للاتفاق. كما أنها تتناقض تماماً مع تقديرات قائد "لواء الأبحاث" في "أمان" درور شالوم، الذي أكد في مقابلة أجرتها معه "يديعوت أحرونوت" في سبتمبر/أيلول الماضي عشية مغادرته المنصب، أنه "لم يثبت أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي خدم المصالح الإسرائيلية".
وفي مقالته أمس في صحيفة "هآرتس"، شدد الكاتب تسفي بارئيل على أن انتقادات كوخافي للاتفاق النووي لا تستند إلى الواقع، مشيراً إلى أن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت التزام طهران ببنود الاتفاق وأنها لم تعمد إلى التراجع عنها إلا بعد أن كثفت إدارة ترامب العقوبات عليها.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل إسرائيل جادة في تهديدها بضرب المنشآت النووية كما أشار كوخافي في خطابه الأخير؟
وشكك معلق الشؤون العسكرية في "هآرتس" عاموس هرئيل، في قدرة إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية لإيران، مشيرا إلى أن إسرائيل بقيادة نتنياهو، درست في الفترة الفاصلة بين 2009 و2013 خيارات لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، لكنها تراجعت لأسباب ثلاثة: خشيتها ألا تفضي هذه الضربات إلى وضع حدّ للمشروع النووي الإيراني، الرفض الأميركي للخطوة، واعتراض عدد من كبار قادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على هذا الخيار.
وكشف الرئيس السابق لجهاز "الموساد" مئير دغان، قبيل وفاته، عن أنه عارض بشدة توجهات نتنياهو لتنفيذ عملية عسكرية ضد إيران.
واتفق كبير المعلقين في "يديعوت أحرونوت" ناحوم برنيع، مع هرئيل في تشكيكه في قدرة إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، مشيراً إلى أنه ليس بوسع إسرائيل توجيه مثل هذه الضربة تحديداً بعد التوصل لاتفاق جديد مع طهران.
وأشار برنيع إلى أن تهديدات كوخافي جاءت على الرغم من أنه تبين أن التحرك الذي قاده نتنياهو ضد الاتفاق النووي وانسحاب ترامب منه لاحقاً، قادا إلى نتائج عكسية قربت إيران من السلاح النووي.
وعلى الرغم من تهديدات كوخافي، فإن إسرائيل تعي أن ارتباط مصالحها المطلق بالولايات المتحدة سيجعلها مرغمة على القبول في النهاية بالاتفاق الذي ستوقّع عليه إدارة بايدن، ونتنياهو يعي أن قدرته على المناورة في الساحة الداخلية الأميركية بهدف منع التوصل للاتفاق الجديد تبدو متدنية، على اعتبار أن الديمقراطيين يحظون بالأغلبية في الكونغرس بمجلسيه.