تحديات جزائرية ثقيلة: استحقاقات إقليمية ودولية صعبة

01 يناير 2022
احتدم في 2021 الصدام بين السلطة والحراك (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

انتهى عام 2021 في الجزائر على نجاح نسبي للسلطة في تثبيت خياراتها السياسية، وإجراء ما تعتبره تجديداً للمؤسسات الدستورية (البرلمان والبلديات)، وإحكام السيطرة على المشهد الوطني، مع تضييق هوامش الحريات وفرض حالة من الإغلاق السياسي.

بالنسبة للسلطة كان ذلك ضرورياً للانتهاء من ورشات الإصلاح الداخلي، قبل التوجه نحو استحقاقات دولية وإقليمية تنتظر الجزائر في العام الجديد، أبرزها تحدي إنجاح مؤتمر القمة العربية المقررة في الجزائر.

يُفتتح العام الجديد على احتضان الجزائر لندوة الفصائل الفلسطينية

وخلال 2021، برزت تعقيدات سياسية حادة، إذ شهد الثلث الأول من العام الماضي احتدام الصدام السياسي في الشارع بين السلطة والحراك الشعبي، وبدء السلطة تنفيذ خطة تضييق مشددة على الناشطين، وشن حملة اعتقالات وتضييق على الأحزاب السياسية المعارضة، ومنع وسائل الإعلام من العمل بحرية.

تثبيت الخيار الدبلوماسي

بالنسبة للسلطة السياسية فإن 2021 كانت سنة تثبيت الخيار الدستوري، عبر إجراء مجموعة من الاستحقاقات السياسية والانتخابية، بدأت بإجراء مشاورات مع بعض قادة الأحزاب السياسية، ثم الإعلان عن حل البرلمان في فبراير/شباط الماضي، وإصدار القانون الانتخابي الجديد في الشهر الذي يليه، وهو القانون الذي قلب الموازين بشكل لافت، على صعيد منع ترشيح النواب الذين قضوا عهدتين في البرلمان، وتغيير نظام التصويت إلى التصويت على الأفراد، بدلاً من التصويت على القوائم.

وكان إجراء الانتخابات النيابية المسبقة لأوانها هدفاً سياسياً للرئيس عبد المجيد تبون منذ تسلمه السلطة في ديسمبر/كانون الأول 2019. لكن ظروف الأزمة الوبائية منعت إجراء الانتخابات خلال العام 2020، على الرغم من حاجة الرئيس إلى التخلص من البرلمان، الذي ورثه عن حقبة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة. كما أنه كان بحاجة إلى تجديد مؤسسات الحكم المحلي (البلديات) في الانتخابات التي أجريت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

احتضان ندوة الفصائل الفلسطينية

لكن ما ينتظر الجزائر من استحقاقات في العام الجديد، يبدو بالغ الحساسية، لكونه يتجاوز المعطى الداخلي إلى المعطى الإقليمي. إذ يفتتح العام الجديد على احتضان الجزائر لندوة الفصائل الفلسطينية، بعد القرار الذي أعلنه تبون في الخامس من ديسمبر الماضي، لدى زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بعقد ندوة لتوحيد الموقف الفلسطيني، ترغب الجزائر في عقدها في يناير/كانون الثاني الحالي.

وإذا كانت الفصائل الفلسطينية قد عبّرت عن ترحيبها بالدعوة الجزائرية، خصوصاً بالنظر إلى رصيد تاريخي للجزائر في محطات نضالية سابقة، فإن الأمر لا يتوقف حصراً على الموقف الفلسطيني. 

يشعر صناع القرار في الجزائر أن أطرافاً عربية لا تريد للقمة العربية الانعقاد والنجاح

ويمثل انعقاد الندوة في حد ذاته وإنجاحها تحدياً سياسياً كبيراً بالنسبة للجزائر، في ظل تداخل المواقف والتأثيرات العربية في قرار الفصائل الفلسطينية، ولكون الخطوة تمثل بالنسبة لبعض الدول العربية دخولاً طارئاً من قبل الجزائر في ملف تعتبره هذه الدول من اختصاصها.

تحدي التحضير للقمة العربية

ثاني استحقاق سياسي وإقليمي، والأكثر أهمية ينتظر الجزائر خلال العام الحالي، القمة العربية المقررة في الجزائر في مارس/ آذار المقبل. لسبب ما يشعر صناع القرار في الجزائر أن أطرافاً عربية لا تريد لهذه القمة الانعقاد والنجاح، بحسب ما أعلنه وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، في 19 نوفمبر الماضي.

وعلى هذا المستوى تصبح الجزائر في مواجهة تحدي الوقت لتحضير أفضل لتنظيم القمة، وفي علاقة بتوفير الظروف السياسية المناسبة لنجاحها، خصوصاً أن المسافة متباعدة كثيراً بين الدول العربية في المواقف السياسية، إزاء أبرز ثلاثة ملفات تطرحها الجزائر كعناوين رئيسية للقمة، وهي القضية الفلسطينية والتطبيع وعودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية.

كما أن القطيعة السياسية التي حصلت بين الجزائر والمغرب، تصعّب المهمة بالنسبة للجزائر في تحقيق الأهداف والغايات السياسية من احتضان القمة العربية، خصوصاً أن القمة المقبلة ستحدد موقع الجزائر في المشهد العربي.

بيد أن الجزائر التي تعود تدريجياً إلى دورها الدبلوماسي في المنطقة المغاربية والإقليمية، تدرك بواقعية هذه المصاعب على الصعيد العربي، وهو ما يدفعها إلى الاستمرار في العام الحالي في خطة ترميم وتصحيح العلاقات مع مستويين من الدول، الجوار المغاربي والأفريقي، كتونس وليبيا وموريتانيا ومالي والنيجر، لاستعادة المبادرة في صناعة الموقف الإقليمي، بعد فترة غياب أضرت بالمصالح القومية للجزائر سياسيا وأمنياً واقتصادياً.

في المقابل هناك دول محورية بدأت الجزائر تتوجه إليها لتطوير علاقاتها معها، للاستفادة من تجربتها في الإنعاش الاقتصادي وتطوير بعض الصناعات الحيوية، كتركيا وروسيا، اللتين سيزورهما تبون قريباً، إضافة إلى الصين وإيطاليا وألمانيا. 

كما يمثل العام 2022 ساحة مواجهة سياسية بين الجزائر وإسرائيل في ساحة الاتحاد الأفريقي، إذ تدفع الجزائر إلى طرد إسرائيل من عضويتها بصفة مراقب بالاتحاد في القمة الأفريقية التي ستعقد في فبراير المقبل.

سيصار في السنة الجديدة إلى مراجعة مجموعة من القوانين لتوفيقها مع الدستور الجديد

وفي ظرف دولي تقاطعت فيه السياسة بالرياضة، تولي السلطة السياسية في الجزائر اهتماماً بالغاً لإنجاح ألعاب البحر الأبيض المتوسط. وترغب الجزائر في أن يكون لهذه الألعاب أبعاد وغايات سياسية أخرى، كونها بوابة تعود منها إلى المحفل الدولي، بعدما كان آخر محفل إقليمي احتضنته بهذا المستوى يعود إلى كأس أفريقيا عام 1990، قبل أن تدخل البلاد بعدها دوامة الأزمة الأمنية.

مراجعة مجموعة من القوانين

وعلى الصعيد الداخلي، تجري في الخامس من فبراير المقبل انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة. كما تمثل السنة الجديدة عاماً لمراجعة مجموعة من القوانين لتوفيقها مع الدستور الجديد، كقانون الأحزاب السياسية والجمعيات والبلديات، وقانون الولاية وقانون النقابات، إضافة إلى قوانين الإعلام والإشهار والسمعي البصري، وهي قوانين تتخوف الكثير من القوى أن تقدم السلطة على صياغتها بما يضمن هيمنتها على المشهد السياسي والمدني والتحكم في وسائل الإعلام.

لكن تبون كان وضع أيضاً قبل شهر عنواناً كبيراً للعام 2022، عندما أعلن أنها ستكون سنة إصلاح السياسات الاقتصادية والإصلاح الهيكلي، تكرس فيها الحكومة جهودها نحو إنعاش الاقتصاد الوطني وبعض الصناعات المحلية. 

كما أعلن أنها ستكون سنة تطوير بعض القطاعات كالزراعة والسياحة، والخروج تدريجياً من التبعية للنفط، واستكمال مشروع الرقمنة، بغض النظر عما إذا كانت المؤشرات الاقتصادية للبلاد ستسمح بذلك، فيما يتوقع الخبراء أن يفرض ذلك كلفة اجتماعية ضرورية بالنسبة للجزائريين.

المساهمون