تحالف البعثة الأممية وقادة الصراع الليبي

18 ابريل 2024
باتيلي في جولة قرب مدينة جادو الليبية الأسبوع الماضي (البعثة الأممية في ليبيا على فيسبوك)
+ الخط -
اظهر الملخص
- استقال عبد الله باتيلي، ممثل الأمم المتحدة في ليبيا، ملمحًا إلى فشل مبادرته وقدرة قادة الصراع الليبي على عرقلة أي محاولات لإزاحتهم من السلطة.
- تُظهر الأمم المتحدة كواجهة لمصالح الدول الكبرى دون تقديم حلول حقيقية للصراعات، بينما تزداد أهمية ليبيا في الصراع الدولي مع تصاعد الوجود الأمريكي والروسي.
- تحولت مبادرة باتيلي إلى ترسيخ خمسة قادة كأساسيين في المشهد الليبي، ما يعكس نجاح الأمم المتحدة في تشكيل طبقة سياسية راسخة بدلاً من فشلها المتوقع.

أعلن ممثل أمين عام الأمم المتحدة الخاص، ورئيس البعثة الأممية في ليبيا، السنغالي عبد الله باتيلي، استقالته من منصبه، أول من أمس الثلاثاء. وقد يُخيل للمتابع أنه أعلن ضمنياً فشل مبادرته، وأن قادة الصراع في ليبيا برهنوا على قدرتهم مجدداً على عرقلة أي خيارات أو تصوّرات في شكل أي مبادرة قد تقصيهم من المشهد وتزيحهم عن كراسيهم.

الأمم المتحدة مجرّد واجهة لتمرير مصالح دول كبرى في خريطة الصراع الدولي. فلم تقدّم يوماً حلاً حقيقياً يخدم مصالح الشعوب، والتي تدخل على خط أزماتها وصراعاتها، خلافاً لخطاب إحاطات ممثليها بمضامينها التي تعجّ بمفردات السعي إلى الوفاق والعمل من أجل المساعدة على تجاوزات الصراعات، إلى آخر قائمة مفرداتها المكرّرة والمنفصلة عن واقع عملها وحقيقته. لكن ماذا عن القادة في مناطق الصراع؟

لقد باتت ليبيا جزءاً من خريطة الصراع الدولي، بل تزداد أهميتها يوماً عن يوم في هذه الخريطة، خصوصاً مع وضوح ملامح وجود متصاعد لأكبر قطبين، واشنطن وموسكو، وتراجع، وربما اختفاء، لفاعلية أطراف إقليمية أخرى كانت تصريحات مسؤوليها، إلى وقت قريب، متاخمة لكل التفصيلات في مشهد أزمة البلاد.

ويتّصل كل طرف إقليمي، صراحة وجهاراً نهاراً، بأحد القادة المحليين، يقدّم له الدعمين، العسكري والسياسي. وتستضيف عواصم تلك الدول الإقليمية، بالتنسيق مع البعثة الأممية، اجتماعات ولقاءات حلفائها المحليين، رافعة عنوان التوافق وتقريب وجهات النظر.

المتابع لمسار عمل البعثة الأممية في ليبيا، بغض النظر عن موظفيها، يرى أنه يتجه في خط واحد، وهو تعزيز الفوضى وزيادة أقطاب الصراع. فبعد أن كان الحوار ثنائياً، في عهد برناردينو ليون عامي 2014 و2015، بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، انتهى إلى خمسة قادة في عهد باتيلي، والذي رسخهم في المشهد بصفة "أساسيين" كما وصفهم. وهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، إلى جانب رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، واللواء المتقاعد خليفة حفتر.

لم يفشل مسار العمل الأممي في ليبيا، بل نجح، وكل مبادرة مُرّرت كانت تمثل مرحلة للوصول إلى رسم خريطة لتشكيل طبقة سياسية راسخة، وهو ما انتهت إليه مبادرة باتيلي. فقد أبرزت المبادرة الأخيرة، في ظاهرها، تمنّعا وتعنّتاً حيال مساعيه إلى الوفاق والتقارب، لكن الوجه الآخر لها أن هؤلاء القادة الخمسة، بعلم أو غير علم، بقصد أو بغيره، كانوا في توافق تام وانسجام، لتحقيق غرض كانت تهدف إليه تلك المبادرة.

صحيح أن أحداً لا يعرف ما تخطط له أيادي ترسيم مستقبل البلاد ومصيرها، عبر المبعوثين الأمميين المقبلين، لكن ما أصبح قناعة وشعوراً راسخاً أن هذه البعثات، وقادة الصراع، وجهان لعملة واحدة. وقد تختلف المصالح، فهي ضيقة محدودة عند قادة أطراف الصراع، واستراتيجية وعميقة عند الأيادي التي توجّههم، بعلمهم أو من دون علمهم. لكن النتيجة، في النهاية، أن المظهر لا يُنبئ بالمخبر.

المساهمون