تجديد السيسي للمفتي: أهداف أبعد من المعركة مع الطيب

15 اغسطس 2021
يضيّق السيسي على الطيب في ملف دار الإفتاء (فرانس برس)
+ الخط -

يكرّس قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الصادر يوم الخميس الماضي، بتجديد ولاية شوقي علام مفتياً للديار المصرية، لمدة عام، بعدما بلغ سن التقاعد في 12 أغسطس/ آب الحالي، عدة ظواهر أصبحت من المكونات الأساسية لبنية النظام الحاكم في مصر، وهي أعمق من مسألة الصراع مع شيخ الأزهر أحمد الطيب أو تجريده من صلاحياته. ويُعتبر الطيب حالياً المسؤول الوحيد على الساحة الذي لم يعيّنه السيسي. في التطورات الأخيرة، ضرب السيسي بعرض الحائط كل المستجدات التشريعية التي استطاع الطيب تمريرها لصالح الأزهر بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بما يضمن توسيع صلاحيات هيئة كبار العلماء ونقل وظيفة المفتي من المنظور التنفيذي كموظف كبير تابع لوزارة العدل إلى المنظور العلمي المحصن بعضويته في هيئة كبار العلماء والمراقب في الوقت نفسه من قبل أعضاء الهيئة. وهي النقطة التي كانت المحرك الرئيس لقسم مهم من التعديلات التشريعية التي استطاع انتزاعها عام 2012 في عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ثم أكدها بنصوص لائحة هيئة كبار العلماء التي وضعها بالقرار "10 ه" لسنة 2014 قبل أن يصبح السيسي رئيساً للجمهورية بشهر واحد. وبطبيعة الحال لم يكن الطيب ليستطيع إتمام تلك الخطوة في عهد السيسي.


تجاهل السيسي كل المستجدات التشريعية التي استطاع الطيب تمريرها لصالح الأزهر

انتخبت هيئة كبار العلماء شوقي علام مفتياً للجمهورية في فبراير/شباط 2013 ورفعت اسمه فقط لرئيس الجمهورية آنذاك محمد مرسي ليتم اعتماده مباشرة، من دون إقحام وزارة العدل في الإجراءات، تنفيذاً لتعديلات قانون الأزهر، على الرغم من استمرار دار الإفتاء كهيئة حكومية تابعة لوزارة العدل، ولها موازنة مستقلة. وحتى فبراير 2017 وفي غمار صراع السيسي مع القضاء وتخطيطه لبسط نفوذه عليه بالكامل وتغيير طريقة تعيين رؤساء الهيئات القضائية لتصبح الكلمة النهائية له وليس للأقدمية المطلقة، كان الرئيس غير راغب في فتح جبهة صراع أخرى مع الأزهر حول دار الإفتاء. بالتالي، ولأن اجتماع هيئة كبار العلماء في ذلك الوقت انتهى إلى تجديد الثقة في علام لأربع سنوات أخرى، قبِل السيسي هذا الترشيح وأصدر قراره بتجديد تعيينه، علماً بأن فترة ولاية المفتي تم تحديدها فقط في لائحة هيئة كبار العلماء، وليس في الدستور أو القانون.

لكن الوضع تغيّر العام الماضي بعدما وقف الأزهر ومجلس الدولة عائقين أمام تمرير مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء، الذي تقدّمت به مجموعة من النواب الموالين للنظام لتحويل تبعية الدار إلى مجلس الوزراء، كهيئة عامة ينطبق عليها قانون الخدمة المدنية، وإطلاق يد رئيس الجمهورية لتعيين المفتي من بين ثلاثة ترشحهم هيئة كبار العلماء أو من غيرهم. وتضمن المشروع رفع درجة المفتي الوظيفية ليعامل معاملة الوزير، وهو مشروع كان يهدف في الأساس إلى توسيع صلاحيات المفتي مقابل شيخ الأزهر، ليكون وحده المسؤول عن الإفتاء في الشؤون الدينية، بالمخالفة للدستور الذي يجعل الأزهر، السلطة الدينية الأولى في البلاد.

وبعد شد وجذب وموافقة مجلس النواب على المشروع في مجموعه، تقرر سحب المشروع "بناء على ملاحظات مجلس الدولة" التي شددت على مخالفته لنصوص الدستور المنظمة للشؤون الدينية. وهو ما رحب به الأزهر واعتُبر في وقته انتصاراً للطيب، لكن الأيام أثبتت أن السيسي كان يريد توصيل رسالة أخرى، تتمثل في أنه ليس في حاجة لتشريع لينفذ خططه طويلة الأمد.

كما أن اتجاه السيسي في الآونة الأخيرة للاعتماد على نظام تعيين المسؤولين لعام واحد قابل للتجديد، الذي اتّبعه أخيراً مع المفتي، يضمن له تحقيق هدف آخر هو إبقاء المسؤولين تحت الضغط وعلى أعلى درجات الحرص على إرضاء السلطة والأجهزة السيادية والأمنية. وهو ما حدث سابقاً مع رؤساء هيئة قناة السويس والهيئة الاقتصادية لقناة السويس ورئيس أركان القوات المسلحة والقيادات العسكرية الأخرى، بموجب قانون صدر الشهر الماضي. وهو ما تبدو ترجمته واضحة في بيان شوقي علام بعد صدور القرار الجمهوري، والذي وصف تجديد الثقة فيه بـ"قرار حكيم يمثل حافزاً كبيراً لاستكمال المسيرة في تحقيق الريادة الإفتائية المصرية، وفرصة عظيمة لخدمة الوطن، والعمل على استكمال مسيرتنا في تجديد الخطاب الإفتائي، وتحقيق الريادة الإفتائية ليس في مصر فحسب بل في العالم أجمع".

ويبدو الفارق شاسعاً بين لغة هذا الخطاب الذي لا يصدر إلا من موظف حكومي حريص على إرضاء رؤسائه، ولغة أول خطاب أدلى به علام عقب انتخابه عام 2013، والذي كان خالياً من الشكر لأي جهة، بل كانت سمته الأساسية التباهي بكونه أول من يتم انتخابه على رأس دار الإفتاء المصرية كنتيجة لثورة 25 يناير، الأمر الذي يعكس معالم الجمهورية الجديدة التي يبشر بها السيسي.

وتعمّد السيسي في قراره الإشارة إلى دور وزارة العدل مع تجاهل أي إشارة للأزهر، وهو ما لا يعني فقط رفضه اعتماد أي من الترشيحات التي أرسلتها هيئة كبار العلماء وبالتالي عدم اعترافه بلائحة الهيئة، بل وعاد مرة أخرى إلى تطبيق القرارات الوزارية السابقة الصادرة في عهد الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك التي تعتبر دار الإفتاء هيئة معاونة لوزارة العدل، وذلك إلى حين صدور القانون الجديد الذي سينظم عمل الدار وسينقل تبعيتها إلى مجلس الوزراء.

ويتكامل هذا مع قرار السيسي السابق باعتبار الدار من الجهات ذات الطبيعة الخاصة، ولا تسري على الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية بها أحكام المادتين 17 و20 من قانون الخدمة المدنية، مما يعني عدم اشتراط أن يكون التعيين في منصب المفتي عن طريق مسابقة، أو أن تنتهي مدة شغل الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية بانقضاء المدة المحددة في قرار شغلها ما لم يصدر قرار بتجديدها.

وقال مصدر حكومي مطلع إن الأحداث الأخيرة ترجح إدخال تعديلات جديدة على مشروع قانون دار الإفتاء لترسيخ الوضع الحالي، وأن تقتصر صلاحيات هيئة كبار العلماء إن وُجدت على الترشيح غير الملزم، بما لا يتضارب مع قانون الأزهر بنصه الحالي (الذي ينص على الترشيح فقط من دون تنظيم إجراءاته). بالتالي لن يكون هناك مجال لتفعيل لائحة الهيئة التي وضعها الطيب.

يعيّن السيسي المسؤولين عاماً واحداً للضغط عليهم

وأضاف المصدر لـ"العربي الجديد" أنه منذ رفض مجلس الدولة مشروع قانون الإفتاء في أغسطس 2020، نوقشت مقترحات داخل دائرة السيسي والدوائر التشريعية بمجلس الوزراء ووزارة العدل ومجلس النواب، لتقليص سلطات الأزهر الدستورية، وعدم تركها للتشريعات التي يمكن أن تتصادم مع النصوص الدستورية. وانطلقت النقاشات من مبدأ أن التضارب في النصوص يتسبب بين حين وآخر في منع السيسي من ممارسة سلطاته التي يريدها كاملة على الشأن الديني في مصر، وسحب البساط من تحت قدمي الطيب، الذي يصعّد بين الحين والآخر، ليصبح الأزهر المؤسسة الوحيدة في الدولة التي لم تنصع بشكل كامل للسيسي ودائرته وقواعده.

وذكر المصدر أن الأفكار تتركز على إمكانية تعديل الدستور، في موضع واحد أو موضعين، فهناك مقترح بتعديل المادة السابعة منه أسوة بنص المادة الثانية من الدستور الخاصة بالشريعة الإسلامية منذ صدور دستور 1971، حتى تعديلها بتوجيه الرئيس الراحل أنور السادات عام 1980. ويفيد النص الحالي للمادة بأن الأزهر هو "المرجعية الرئيسية للشؤون الدينية"، وبتعديل بسيط يتمثل في حذف أداة التعريف يمكن تفسير النص على نحو مخالف، يفيد بوجود مرجعيات أخرى، رئيسية وغير رئيسية، في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية. وهناك مقترح آخر بإضافة نص خاص لدار الإفتاء، يؤكد تبعيتها المطلقة للسلطة التنفيذية، وفي هذه الحالة ربما تكون النصوص أكثر صرامة لتحقيق الفصل الكامل بينها وبين الأزهر.

وفي حالة الاستقرار على حل من الاثنين، أو كليهما، فسوف يُضمّن هذا التعديل في الموجة الثانية المنتظرة من التعديلات الدستورية، التي تستند فكرتها الأساسية إلى أن الدستور بشكله الذي صدر فيه عام 2014 ليس قابلاً للاستمرار. وهي رؤية السيسي الذي وجّه له انتقادات عديدة ووصفه من قبل مراراً بـ"دستور النوايا الحسنة التي لا تكفي لبناء الوطن". وبناء على ذلك فإن تعديل هذا الدستور يتطلب عدة مراحل، تم إنجاز أولها في 2019 بإعادة تنظيم هيكل السلطتين التنفيذية والتشريعية كإتاحة بقاء السيسي في السلطة إلى عام 2030 وبسط سيطرته على القضاء واستحداث مجلس الشيوخ، والمرحلة الثانية آتية قريباً لا محالة، وستتضمن حذف وتعديل بعض المواد التي تشكل عبئاً على الممارسة العملية للنظام وتكبل سياساته. ويتسبب هذا الأمر بنوع من التناقض بين المواد القديمة والمواد الجديدة التي أدخلت في التعديل السابق. ومن بين المواد المستهدفة في التعديل تغيير نظام تعديل الدستور، وحذف مواد العدالة الانتقالية وتقييد تعديل بعض النصوص، والمواد الخاصة بالمحليات والأحزاب والرقابة على الصحف.