يستعد مجلس الأمن الدولي للتصويت مجدداً على قرار تمديد آليات إيصال المساعدات الدولية إلى ملايين السوريين، والتي لطالما حاول الجانب الروسي ربطها بالنظام السوري لتحقيق مكاسب سياسية، ولكن الواقع الإنساني المتدهور في عموم سورية ربما يدفع موسكو إلى إبداء مرونة هذه المرة.
ومن المقرر أن يصوّت مجلس الأمن الإثنين المقبل على تمديد الإجراء، أي قبل يوم من انتهاء صلاحية الموافقة الحالية. ويلزم لتبني القرار تأييد تسعة أصوات له وعدم استخدام روسيا أو الصين أو بريطانيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو).
وحذّر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، أول من أمس الأربعاء، من خطورة عدم تمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر تركيا إلى شمال غربي سورية، والتي تنتهي مدتها في 10 يناير/كانون الثاني الحالي (الثلاثاء المقبل). وقال دوجاريك في تصريحات إعلامية، إن ملايين الأشخاص سيعانون في حال لم يمدد مجلس الأمن آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر تركيا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة شمال غربي سورية، مشيراً إلى أن موقف الأمم المتحدة واضح في هذا الشأن، داعياً إلى تمديد الآلية.
آلية المساعدات السورية تنتظر التمديد
وفي مؤشر على اتجاه الجانب الروسي للموافقة على التمديد، نقلت وكالة "رويترز"، الأربعاء، عن دبلوماسيين، قولهم إن أعضاء مجلس الأمن وافقوا بشكل غير رسمي الأسبوع الماضي على النص الذي يمنح العملية ستة أشهر أخرى، والذي تمّت صياغته والتفاوض بشأنه من قبل أيرلندا والنرويج قبل أن ينهيا فترة عضويتهما في المجلس لمدة عامين في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
أعضاء مجلس الأمن وافقوا بشكل غير رسمي الأسبوع الماضي على نص التمديد
وفي السياق، نقلت الوكالة عن نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، قوله: "ما زلنا ندرس الإيجابيات والسلبيات"، مضيفاً أن تنفيذ قرار مجلس الأمن الحالي، الذي تم تبنيه في يوليو/تموز الماضي، "بعيد عن توقعاتنا"، مشيراً إلى أن بلاده ستتخذ قرارها الإثنين.
وكان مجلس الأمن قد اعتمد بالأغلبية في 12 يوليو الماضي قراراً يمدد العمل بآلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سورية لمدة 6 أشهر، واشترط إجراء تصويت على قرار جديد للتمديد بعد 6 أشهر أخرى.
ونصّ القرار على استئناف استخدام معبر باب الهوى الواقع على الحدود بين سورية وتركيا، إضافة إلى دخول المساعدات عبر خطوط التماس. وحاولت موسكو حينها ربط المساعدات بالنظام السوري وتمريرها إلى الشمال السوري عبر خطوط التماس بين قوات النظام وفصائل المعارضة السورية، وهو ما وجد رفضاً من الولايات المتحدة ودول أخرى أعضاء في المجلس.
روسيا أمام خيارات ضيّقة للعرقلة
وتضع موسكو دائماً العراقيل أمام تمديد آليات إدخال المساعدات إلى الشمال السوري، إلا أنها سرعان ما تتراجع أمام الرفض الدولي لمطالبها التي تهدف إلى تسييس هذا الملف الإنساني لتحقيق مكاسب للنظام. غير أن التقارب الذي بدأ قبل أيام بين تركيا والنظام بدفع من الجانب الروسي ربما يلعب دوراً في تليين موقف موسكو إزاء ملف المساعدات الإنسانية، خصوصاً أن الشمال السوري الذي يضم أكثر من 4 ملايين سوري هو ضمن مناطق النفوذ التركي، وأي اضطرابات معيشية بسبب عدم دخول المساعدات ترتد سلباً على أنقرة.
ورأى الباحث في "المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام"، رشيد حوراني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "ليس أمام الجانب الروسي إلا الموافقة على تجديد الآليات، في ظلّ تلويح المجتمع الدولي باللجوء إلى خيارات أخرى في حال عدم موافقة موسكو، وهو ما يُفقد الروس ورقة يلوّحون بها باستمرار". وأضاف: "ربما تفرض موسكو شروطاً يمكن تحقيقها".
التقارب الذي بدأ بين تركيا والنظام ربما يلعب دوراً في تليين موقف موسكو
من جهته، قال المحلل السياسي المختص في الشأن الروسي طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المستوى الكارثي الذي وصل إليه الوضع الإنساني في عموم المناطق السورية، ربما يقلل من التشدد الروسي حيال التجديد لآليات إدخال المساعدات".
وتابع: "ستحاول موسكو تسخير النقاشات قبل التصويت على التمديد للحصول من الغرب والمجتمع الدولي على أي شكل من التعهدات بالعمل بصورة أفضل على تنفيذ ما يُسمى "الإنعاش المبكر" في سورية، الأمر الذي تريد روسيا منه توفير مساعدات للنظام السوري في عدة مجالات".
وأعرب عبد الواحد عن اعتقاده بأن الجانب الروسي "سيطلب زيادة المساعدات إلى المناطق المحررة (شمالي سورية) للتحكّم بالأوضاع في المناطق غير الخاضعة للنظام"، مضيفاً أن "روسيا قد تجد في الظروف الجديدة فرصة ملائمة لإجبار المجتمع الدولي على السماح لها بمراقبة المساعدات التي ستدخل إلى مناطق المعارضة عبر المعبر التركي الوحيد المتبقي من تلك الآلية الدولية".
وتوقع عبد الواحد أن "تُظهر موسكو تشدداً بشأن مشاريع التعافي المبكر، لاسيما في تلك المجالات التي تساعد على تخفيف حالة الاستياء المتزايد في مناطق النظام بسبب عجزه عن توفير أدنى مقومات الحياة الطبيعية للمواطنين". وأضاف: "قد تضغط روسيا لمساعدة النظام على توفير الطاقة الكهربائية، وتوفير الوقود في فصل الشتاء، وستحرص على أن يتم تحصيل هذا كلّه على شكل مساعدات دولية".
وأشار إلى أن "وزير خارجية النظام ومسؤولين آخرين أجروا أخيراً اتصالات مع المسؤولين الروس لبحث إمكانية تمديد عمل آلية المساعدات الدولية العابرة للحدود، شرط أن يتم تفعيل العمل لتنفيذ مشاريع الإنعاش المبكر".
وكان مجلس الأمن الدولي قد أجاز في عام 2014 توصيل المساعدات الإنسانية إلى مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة في سورية من العراق والأردن ونقطتين في تركيا، لكن موسكو وبكين، اللتين تتمتعان بحق الفيتو، قلّصتا ذلك إلى نقطة حدودية تركية واحدة فقط هي معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا في شمال غربي سورية.
قد تحاول موسكو تسخير النقاشات للحصول على تعهدات بشأن تحسين ما يُسمى الإنعاش المبكر في سورية
وفي السياق، حذّر فريق "منسقو الاستجابة" الذي يرصد الأوضاع الإنسانية في شمال سورية، قبل أيام، من تبعات إغلاق معبر باب الهوى أمام المساعدات الدولية، مشيراً في تقرير له إلى أن ذلك يعني "حرمان أكثر من 2.65 مليون نسمة من الحصول على المياه النظيفة أو الصالحة للشرب".
كما أشار الفريق إلى أن عدم تجديد آلية إدخال المساعدات سيؤدي إلى "انقطاع دعم مادة الخبز في أكثر من 725 مخيماً وحرمان أكثر من مليون نسمة من الحصول على الخبز بشكل يومي"، إضافة إلى "تقليص عدد المشافي والنقاط الطبية الفعّالة في الوقت الحالي إلى أقل من النصف في المرحلة الأولى وأكثر من 80 في المائة ستغلق في المرحلة الثانية".
ونبّه فريق "منسقو الاستجابة" إلى أن انقطاع المساعدات عن الشمال السوري يؤدي إلى "انخفاض دعم المخيمات إلى نسبة أقل من 20 في المائة، وارتفاع معدلات البطالة والبحث عن العمل خلال المرحلة الأولى بنسبة 42 في المائة والمرحلة الثانية بنسبة 23 في المائة"، وفق التقرير. وبيّن أن "أكثر من 88.02 في المائة من العائلات وصلت إلى خط الفقر وحوالي 38.30 في المائة ضمن مستويات الجوع"، وفق الفريق.
ودخلت الإثنين الماضي، آخر قافلة أممية ضمن التفويض السابق من معبر باب الهوى، وضمّت 30 شاحنة تحمل سلالاً غذائية وصحية موزعة على 26 سيارة إلى مناطق إدلب، و4 باتجاه مناطق إعزاز في ريف حلب الشمالي.