تبون بين معركة الرموز والأرقام

04 نوفمبر 2020
خسر تبون في خضم الاستفتاء معركة الرموز (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

ربح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون معركة الدستور، باعتبار أنه صار أمراً واقعاً، بحكم نتائج الاستفتاء التي صادقت على الدستور الجديد. وبغض النظر عن معدل المشاركة والمقاطعة، بالنسبة للرئيس، فإن الدستور هو المحطة المفصلية التي ستسمح له بالتخلص سريعاً من ميراث العهد السابق، ويدخل ضمن "التطهر" من ميراثه، عبر التخلص من البرلمان في انتخابات قريبة، للحصول على برلمان جديد يتساوق مع المرحلة، تتبعها انتخابات لتجديد مؤسسات الحكم المحلي.
ويدخل في مكاسب الرئيس السياسية أيضاً الإيفاء بنزاهة الاستفتاء، وهذه نقطة ثانية يمكن أن تمثل المؤشر الإيجابي الأكبر في استفتاء الأحد الماضي، وستلعب دوراً مهماً في تغيير السلوك الانتخابي ومخرجات الاستحقاقات الانتخابية. على الأقل هذه المرة لم يتجه النقاش، كما أغلب الاستحقاقات السابقة التي شهدتها الجزائر، إلى مسألة التزوير والتلاعب بالنتائج والمخرجات، وانحصر حول المقاطعة وتفسيراتها. والقبول بالأرقام والبيانات كما هي في الواقع الانتخابي، وجرأة الإعلان عن نسبة مشاركة بـ23 في المائة دون خجل من هذا التواضع، نقطة مضيئة في هذا الاستفتاء.
لكن في المقابل، فإن أهم معركة خسرها الرئيس الجزائري في خضم الاستفتاء، هي معركة الرموز. كان واضحاً - والرئيس نفسه يقر بذلك - أن الغرض الأساسي من اختيار موعد الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني، لإجراء الاستفتاء على الدستور، هو تركيب الاستفتاء على حدث تاريخي (ذكرى اندلاع ثورة التحرير في 1954)، وإضفاء شرعية ثورية على الدستور الجديد. لم يكن الأمر موفقاً. وإضافة إلى رفض سياسي، أعلن سلفاً بتوظيف الرموز التاريخية في الاستحقاقات التاريخية، فإن النسبة الكبيرة للمقاطعة في الاستفتاء، هي إجابة شعبية واضحة برفض ذلك أيضاً، وحرمت الرئيس من أي استفادة من رمزية نوفمبر، على صعيد زيادة نسبة المشاركين في الاستفتاء، ما يبقي الدستور الجديد في حجمه الطبيعي كوثيقة، دون أي توصيف أو طابع تاريخي.
معركة الأرقام لم تكن في صالح الرئيس من الناحية السياسية تماماً. الدستور الجديد حاز في المجموع على 13 في المائة فقط من مجموع الكتلة الناخبة (3.3 ملايين من مجموع 24.5 مليون ناخب)، إذا تم جمع كتلة الرفض مع كتلة المقاطعة. وهذا يعني وجود رفض شعبي لأول مشروع سياسي يطرحه تبون. لكن أخطر ما في هذا المؤشر هو تآكل شعبية الرئيس وكتلته الناخبة. وبين الانتخابات الرئاسية التي نافس فيها تبون أربعة مرشحين آخرين والاستفتاء على الدستور، الذي لا يطرح في سياق منافسة أحد، خسر الرئيس 1.6 مليون صوت (من 4.9 ملايين في الانتخابات إلى 3.3 ملايين في الاستفتاء)، وهذه المؤشرات مهمة جداً في السياقات السياسية، خصوصاً بالنسبة لبلد يوضع على طريق التجدد، ولسلطة سياسية تطرح مقاربة إصلاح.

المساهمون