تبنّي "داعش" جريمة الكنيسة في مصر: الأبعاد والتوقيت

15 ديسمبر 2016
يكشف التفجير عن وجود ثغرات أمنية (العربي الجديد)
+ الخط -
بعد ستة أشهر تقريباً من التواري عن الأنظار، وعدم إعلانه عن تنفيذ عمليات مسلحة في قلب العاصمة المصرية القاهرة، أطلّ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) برأسه من جديد، عبر تبنّي تفجير الكنيسة البطرسية، الملاصقة للكاتدرائية المرقسية في العباسية. الواقعة تُعتبر الأولى التي يدّعي فيها "داعش"، استهداف المصريين المسيحيين في القاهرة، وفي أكثر المواقع التي تشهد تشديدات أمنية. الانفجار الذي راح ضحيته 25 قتيلاً و49 مصاباً، قد لا يكون الأخير في سلسلة تفجيرات مرتقبة، كما هدد "داعش" في بيانِ تبنّي الجريمة. أما في جديد تطورات القضية، فقد قررت نيابة أمن الدولة العليا المصرية، أمس الأربعاء، حبس أربعة معتقلين، بينهم سيدة، 15 يوماً على ذمة التحقيقات، على خلفية اتهامهم في حادث تفجير الكنيسة.

وكانت المجموعة التابعة لـ"داعش" التي تعمل في إطار القاهرة الكبرى، قد توقّفت عن تنفيذ عمليات خلال فترة تقترب من 6 أشهر، وكانت آخر عملية بارزة أعلنت أنها نفذتها، قبل تفجير الكنيسة البطرسية، هي قتل قوات من مباحث حلوان داخل سيارة خاصة، في مايو/أيار الماضي، والتي أسفرت عن مقتل ثمانية من أفراد الشرطة. وتأخر بيان تنظيم "داعش" لإعلان مسؤوليته حول تفجير الكنيسة، يومين، واعتمد على الرواية الرسمية لكيفية التفجير وعدد ضحاياه. وفي الاعتداءات الكبيرة التي ينفذها، يتأخر التنظيم أحياناً في التبني، مثلما حدث في إسقاط طائرة الركاب الروسية فوق سيناء، العام الماضي.


تحوّل في الاعتداءات

في أبريل/نيسان الماضي، ظهرت بوادر استهداف عناصر "داعش" للمصريين المسيحيين. وبحسب ما رصده مراسل "العربي الجديد" في القاهرة، فإن البيانات المنسوبة لتنظيم "داعش" بدأت تتخذ منحى جديداً، يتمثل في التوجّه لأن تشمل الاعتداءات في العاصمة المصرية، استهداف الكنائس والمسيحيين، لضرب النظام من خلالهم، على اعتبار أن العمليات المسلحة ضد قوات الجيش والشرطة في سيناء، التي يقودها فرع التنظيم هناك "ولاية سيناء"، لا يمكن أن تُحدث ضغطاً على النظام الحالي أو تزعزع مركزه، ولذلك لا بد من توجيه ضربات في المركز بعمليات تُحدث، إلى جانب الخسائر في الأرواح، ضجّة كبيرة.


وفي هذا السياق، رأى مراقبون أن العمليات في القاهرة، محاولة لتخفيف الضغط على سيناء، وإرباك الأجهزة الأمنية المعنية بملف مواجهة الجماعات الإرهابية. ولكن هذا الاتجاه، علّق عليه باحث في شؤون الحركات الإسلامية، بقوله إن "العمليات في سيناء وطبيعة المواجهة هناك تختلف عن القاهرة، وبالتالي لا مجال للربط بين الأمرين". وأضاف الباحث، أن "العمليات في سيناء تتصدّى لها قوات الجيش في المقام الأول، بمشاركة بسيطة من أفراد الشرطة، والمنطقة هناك تُعتبر معزولة عن العاصمة، ولذلك الانعكاس والتأثير قليل للغاية".
واعتبر أن وجهة النظر بمحاولة عناصر "داعش" تخفيف الضغط على سيناء، "أمر غير منطقي في تحليل استراتيجية التنظيم في عملياته بالقاهرة، فهو يريد الضرب في المركز بقوة لإحداث أكبر تأثير، مع استمرار عمليات "ولاية سيناء" ضد الجيش هناك". وأشار إلى أن هناك رؤية جديدة حول استهداف المسيحيين من قبل "داعش"، سواء في سيناء أو خارجها، إذ قتل عناصر "ولاية سيناء" رجال دين مسيحيين، وفي القاهرة تم تفجير كنيسة.

الثغرات الأمنية

الثغرات الأمنية المصرية، تظل حاضرة في أغلب أعمال العنف والتفجيرات ومحاولة اغتيال شخصيات عامة، في ظل عدم القدرة على مواجهة المجموعات التي تعمل في إطار القاهرة الكبرى، بشكل أساسي. ومن وقت لآخر، تعلن الأجهزة الأمنية تفكيك وكشف خلايا إرهابية، في ظل الاعتماد على أساليب قديمة في مواجهة هذه المجموعات. ويعتبر مراقبون، أن عملية تفجير الكنيسة، تنطوي على تخطيط وتنفيذ دقيقين، بما أن مكان الكنيسة من أكثر المناطق التي تشهد تشديداً أمنياً، وهو ما يعني رصد المكان بشكل دقيق على فترات طويلة، لاختيار توقيت التنفيذ. ويعكس الاعتداء، إذا صحت رواية التنظيم، وجود قدر كبير من تدريب وقدرة خلية "داعش" على التخفّي وسط هذا الكمّ الهائل من سكان القاهرة، أو على الأقل حرية الحركة من مناطق قريبة من العاصمة والعودة إلى مركزهم مرة أخرى. ويذهب مراقبون إلى أن تراجع العمليات التي ينفذها "داعش" لا يعني القضاء عليها، ولكن ربما كان الاختفاء اختياراً لخدمة أهداف معينة، خصوصاً أن خيوط عملية مقتل رجال المباحث في حلوان وتورط ضباط شرطة، كان يمكن أن تهدد عمل مجموعة "داعش" في القاهرة.