موقف الأحزاب الجزائرية من السياسة الخارجية: تباين وتحذير من الابتزاز الدولي

26 مارس 2022
دعت "مجتمع السلم" السلطة الجزائرية إلى ما وصفته بـ"المقاومة الدبلوماسية" (العربي الجديد)
+ الخط -

ترصد الأحزاب السياسية في الجزائر تطورات الموقف الحكومي من الأحداث الإقليمية والدولية، خاصة مع مخاوف جدية من انعكاسات تعقيدات السياق الدولي المتسارع، على الأوضاع الوطنية في الداخل الجزائري، سياسياً واقتصادياً، وفي علاقة بالضغوط الغربية التي تتعرض لها الجزائر ومشكلات التطبيع في المنطقة، وتحولات في علاقات الجزائر الإقليمية.

وقال السكرتير الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش في مؤتمر للقيادات المحلية للحزب عقد أمس الجمعة إن "الجزائر يجب أن تقف على مسافة واحدة بين الأطراف الدولية المتصارعة، والانكفاء بترتيب البيت الوطني ولعب الأدوار الدبلوماسية المقرّبة لوجهات النظر عند الضرورة، استعداداً لمواجهة التحديات المتتالية والتهديدات المتعاقبة".

وأشار إلى أن "الأزمة الأوكرانية ببعدها العالمي ستؤثر لا محالة على إقليمنا، على جوارنا القريب والبعيد، وعلى فضائنا المغاربي، العربي، الأفريقي والمتوسطي، وسترفع من مستويات التوتر وتحيي النزاعات التقليدية والنزعات التوسعية".

 لكن "جبهة القوى الاشتراكية" تبدي مخاوف وقلقاً واضحاً من تطورات الموقف في العلاقات بين الجزائر والمغرب، وتعتبر أن "الفضاء المغاربي لا يتحمّل تدخلات أخرى في شؤونه".

لـ"المقاومة الدبلوماسية"

وفي تقديرات حركة مجتمع السلم، أكبر الأحزاب الإسلامية والمعارضة في الجزائر، فإن التطورات الدولية الراهنة بالغة الخطورة، وقد تضع الجزائر موضع ابتزاز دولي في استقطابات المواقف.

ونبه بيان أخير للحركة إلى "خطورة الضغط والابتزاز الذي تتعرض له الجزائر من طرف القوى الاستعمارية التقليدية، على خلفية الصدام الدولي بين روسيا والغرب، وهو ما يدعونا إلى الدفع باتجاه عالمٍ متعدِّد الأقطاب، وهشاشة سياسة النأي بالنفس أمام حدة الاستقطاب الدولي، الذي لا مكان فيه للضعفاء"، مشيرة إلى أن "ثمة هوامش تتيحها التطورات تفرض على دول كالجزائر استغلالها".

وفي السياق، دعت "مجتمع السلم" السلطة الجزائرية إلى ما وصفته "بالمقاومة الدبلوماسية والاستفادة من تغيُّر موازين القوى الدولية لصالح القضاء على الأحادية القطبية، والتي كبَّدت العالم فضائع مروِّعة بسبب الهيمنة الغربية، والتي كانت على حساب الإنسانية والقضايا العادلة ومصالح الشعوب".

ولفتت إلى "فرصة تاريخية، وهي اتجاه الجزائر شرقاً، حيث مهد الحضارات والبيئات الحديثة للتطور والنمو، وللانخراط الفاعل والمؤثر في محاور إقليمية ودولية جديدة على أساس السيادة والمصالح المشتركة".

وعلى الرغم من أن قطاع السياسة الخارجية للحكومة الجزائرية هو أقل القطاعات التي تتعرض في الغالب للنقد السياسي من قبل الأحزاب السياسية، حيث تحظى المواقف الدولية للجزائر بشبه إجماع، خاصة في ما يتعلق بمراجعة العلاقات مع فرنسا والغرب ورفض التطبيع ودعم حركات التحرر والقضايا العادلة، إلا أن بعض الأحزاب الجزائرية تعلن عن مخاوف جدية من ضعف الدبلوماسية الجزائرية في إدارة المواقف والأزمات بالشكل الصحيح.

وفي السياق، قال رئيس "التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية" محسن بلعباس الجمعة في اجتماع المجلس الوطني للحزب الأخير قبل المؤتمر العام إن "الجزائر لم يعد بوسعها أن تطمح في لعب أيّ دور مهما كان صغيراً، في نزاع عالمي تشترك فيه القوى العظمى في هذا العالم، هي التي لم تقوَ على لعب دور دبلوماسي حتى في النزاعات المشتعلة على حدود بلدنا".

وأضاف: "في هذا الصراع الذي تشكّل فيه مسألة الطاقة قضية مركزية أيضاً، كان من الممكن توظيف القدرة الكبيرة على إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي كورقة رابحة للتأثير دبلوماسيًا وإعطاء وزن أكبر لبلدنا. لكن للأسف ذلك لم يحدث"، مشيراً إلى أن السلطة أساءت استخدام الغاز في العلاقات الإقليمية.

وانتقد بلعباس أداء الدبلوماسية الجزائرية، واعتبر "انقلاب إسبانيا في موقفها بشأن قضية الصحراء الغربية، وهي قضية حساسة للغاية بالنسبة للجزائر، يعكس مدى الانحدار الذي وصلت إليه الدبلوماسية الجزائرية، تزامناً مع امتناع بلدنا عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا".

توطيد الجبهة الداخلية

وبالنسبة لحزب العمال اليساري، فإن استمرار المواقف السيادية للدولة الجزائرية المكرّسة لاحترام سيادات الأمم، وبالتالي لرفض التدخلات الخارجية، والتي قادت السياسة الخارجية للجزائر منذ الاستقلال، يتطلب أولا "توطيد الجبهة الداخلية، خاصة في ظل تأكد وجود الخطر الصهيوني والتهديدات على الاستقرار الأمني في منطقتنا المغاربية، إثر عودة وتوطيد العلاقات بين النظام المغربي والكيان الصهيوني".

وطالبت الأمينة العامة للحزب لويزة حنون اليوم السبت في المؤتمر العام للحزب المنعقد في العاصمة الجزائرية بأن "الحفاظ على سيادة بلادنا على الصعيد السياسي يملي على الدولة الجزائرية مراجعة علاقاتها مع كل الأنظمة المسماة بالعربية، التي تجاوزت خط التطبيع، ممّا يتطلب الانسحاب من الجامعة العربية التي تحت ذريعة الوحدة تفرض على بلادنا تقديم تنازلات على صعيد المبادئ، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والاعتداءات الخارجية التي راحت شعوب في المنطقة ضحيّتها".

وبخلاف هذه المواقف النقدية للسياسات الخارجية للجزائر، من قبل بعض أحزاب المعارضة، تنخرط باقي الأحزاب من كتلة الموالاة والحزام الحكومي في دعم وإسناد السياسات الخارجية للجزائر، خاصة في ما يخص العلاقات مع المغرب والموقف المتحفظ من التطبيع ومن الأزمة الأوكرانية.

وقال رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة في لقاء مع الكوادر النسوية للحزب إن المواقف والجهود الجزائرية في تجميع الصف العربي والصف الأفريقي تستحق التثمين، مشيراً إلى أن "المتغيرات الطارئة في العالم وساحات التوتر وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي من شأنها أن تضع الجزائر أمام رهانات جديدة".

كما عبرت البيانات الأخيرة لأحزاب "جبهة التحرير الوطني"، و"جبهة المستقبل"، و"صوت الشعب" المشاركة في الحكومة، خاصة بعد تطور الموقف الإسباني من القضية الصحراوية، عن دعمها وإسنادها الكامل للسياسة الخارجية للجزائر ومواقفها.