أكد سياسيون تونسيون أنّ الرسائل التي يوجهها الرئيس قيس سعيّد للخارج حول السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشأن التونسي لا يمكن أن تستقيم في ظل الوضع الراهن، مشيرين إلى أنّ دعوات الاتحاد الأوروبي تأتي في سياق التخوفات على الديمقراطية، وليس من باب التدخلات.
ووجه الرئيس التونسي، أمس الخميس، خطاباً شديد اللهجة إلى منتقديه من الدول الأوروبية وغيرها، مطالباً إياها بعدم التدخل في الشأن الداخلي لتونس واحترام السيادة، مؤكداً أنّ "دونها الموت"، على حد تعبيره. ورفض سعيّد التداول في الشأن التونسي في جلسات وبرلمانات أجنبية وتوجيه انتقادات وحلول لتونس، داعياً إلى احترام الدولة التونسية.
وقالت النائبة المستقيلة من "حركة النهضة" رباب بن لطيف، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، إنّ "التركيز على تونس والحديث عنها في الاتحاد الأوروبي كان بسبب الخروج عن الدستور وبعد قرارات 25 يوليو/ تموز والمس بالديمقراطية"، مشيرة إلى أنّ تونس دخلت ولأول مرة في اللعبة الإقليمية.
وأوضحت بن لطيف أنّ "تفعيل الفصل 80 من الدستور تحوّل إلى انقلاب وافتكاك للسلطات والمسّ بالديمقراطية، وهو ما جعل الاتحاد الأوروبي والبلدان المدافعة عن الديمقراطية والتي راهنت على التجربة التونسية تتدخل بشكل أو بآخر"، مشيرة إلى أنّ هناك "رفضاً للتدخل الأجنبي، ولكن قبل ذلك لا بد لمن يرفض أن تكون له سيادة حقيقية وطنية واقتصاد حقيقي ولا يعاني من التبعية لكي لا يتدخل فيه أي طرف"، وأضافت "إذا كانت هذه البلدان تمنحك القروض وتساعدك فلا يمكن القبول بمثل هذا التصريحات تجاهها خاصة في وضع مماثل".
وصوّت البرلمان الأوروبي، أمس الخميس، على مشروع قرار حول الأوضاع في تونس بأغلبية ساحقة بعد حصوله على 534 صوتاً من أصل 685، فيما احتفظ 106 نواب بأصواتهم واعترض 45 نائباً فقط.
ويدعو القرار إلى استئناف العمل الطبيعي لمؤسسات الدولة، بما في ذلك العودة إلى الديمقراطية الكاملة والنشاط البرلماني في أقرب وقت، والإعلان عن خريطة طريق واضحة، كما يعتبر أن عدم وجود محكمة دستورية في تونس يسمح بتفسير وتطبيق واسع المدى للمادة الـ80 من الدستور، ويمنع أعضاء البرلمان من تقديم اعتراض للحصول على حكم قانوني، والإجراءات الإضافية التي اتخذها رئيس الجمهورية على أساس المادة نفسها.
ورأت بن لطيف، خلال حديثها مع "العربي الجديد"، أنّ تصريح سعيد حول الحوار الوطني وإصلاح النظام السياسي "لا يزال غامضاً"، مؤكدة أنّ هذه الخطوة لا يمكن أن تكون دون أحزاب، قائلة "أي حوار في العالم يقوم على منظمات وطنية وعلى المجتمع المدني وبمشاركة الأحزاب السياسية، أما الحوار مع الشباب فهذا غير ممكن وغير مقبول".
من جانبه، أكد رئيس كتلة "الإصلاح الوطني" حسونة الناصفي أنّ التعامل مع موضوع السيادة "يجري بطريقة مغلوطة، إذ لا اختلاف تونسياً حول السيادة الوطنية"، مشدداً على "ضرورة أن يعلم الرئيس التونسي أنّ بلاده ليست في معزل عن محيطها الخارجي وعن شركائها من الاتحاد الأوروبي وغيرهم".
وذكّر الناصفي، في حديث مع "العربي الجديد"، بأنّ "الاتحاد الأوروبي كان ملجأ تونس في أكثر من مناسبة في تقديم الدعم أو الضمانات أو التمويل"، مشدداً على "ضرورة عدم تناول الموضوع على أنه تدخل سافر بقدر ما هو تخوف حقيقي مما يحصل".
كما شدد على "ضرورة الحاجة إلى مراجعة الموقف الدبلوماسي التونسي، على اعتبار أنّ تونس تربطها علاقات شراكة مع العديد من الدول منذ الاستقلال".
بدوره، قال القيادي في "التيار الديمقراطي" هشام العجبوني، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "موقف سعيد يتكرر تقريباً وكأنه لم يفهم أنّ السيادة الوطنية منقوصة"، مشيراً إلى أنه "لا يمكن الحديث عن سيادة حقيقية في ظل حاجة البلد إلى القروض لتمويل الموازنة، وكذا استيرادها الحبوب للغذاء".
وأضاف "عندما يكون الاتحاد الأوروبي شريكاً فاعلاً ويساعدك في القروض ويضخ لك أموالاً، فطبيعي أن يهتم بما يجري في تونس، ولا سيما أنّ هناك اتفاقية بين تونس والاتحاد الأوروبي من بين بنودها احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالتالي هناك التزام من الدولة التونسية تجاه الاتحاد".
وأوضح العجبوني أنّ "البيان الأوروبي لا يعد تدخلاً طالما أنّ الاتحاد شريك أساسي لتونس، وبالتالي من الطبيعي التداول في الموضوع التونسي، لا سيما بعد المرسوم 117 الذي أصدره سعيد، والذي انفرد فيه بالحكم وقام بإلغاء كل السلطات المضادة".
وتابع العجبوني أنّ "الاتحاد الأوروبي كان واضحاً في بيانه وتأكيده الحرص على العودة للديمقراطية".
في المقابل، أكد الأمين العام لـ"حركة الشعب" زهير المغزاوي دعم الحركة للرئيس قيس سعيّد في دفاعه عن السيادة الوطنية، معتبراً أنّ "تونس ليست قضية لتتم مناقشة وضعها في الاتحاد الأوروبي".
وقال المغزاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "العلاقات يجب أن تكون في إطار شراكة واضحة مع البلدان الأوروبية دون إملاءات وهيمنة، أما الحديث عن الديمقراطية وما يجب فعله، فتونس وقعت اتفاقية 1995 في عهد زين العابدين بن علي، وهو الذي كان يدوس الحريات، رغم أنّ الاتفاقية تنص على الديمقراطية واحترام الحريات"، مضيفاً أنّ "الاتحاد الأوروبي لم يحرك ساكناً حينها".
ولفت إلى أنّ "تونس وفي هذه المرحلة لا تحتاج إلى دروس من أي طرف، ولا سيما أنّ البلاد تسير في اتجاه إصلاحات سياسية وديمقراطية واجتماعية"، كما قال، مضيفاً أنّ "على الاتحاد الأوروبي أن يفهم أنّ تونس مهمة، وأنّ غياب الاستقرار قد يؤدي إلى كوارث ليس في تونس وحدها بل حتى في أوروبا".
وحول دعوة سعيّد إلى الحوار الوطني، رأى المغزاوي أنّ "هذا مطلوب، ولكن هناك نقطة يجب التأكيد عليها في الحوار الوطني، وهي المنوال التنموي، فالمطالب التي ظهرت بعد 25 يوليو/تموز كبيرة نظراً للفقر والبطالة والبنية التحتية، وهو ما يتطلب منوالاً تنموياً جديداً وخلقاً للثروات".