تباين ردود الفعل في تونس بشأن إيقاف القروي: تحرر القضاء أم توظيف سياسي؟

25 ديسمبر 2020
"النهضة" عبرت عن تضامنها مع حزب "قلب تونس" (فرانس برس)
+ الخط -

تباينت ردود الطبقة السياسية في تونس بعد إصدار المحكمة الابتدائية بطاقة إيداع بالسجن في حق رئيس ثاني أكبر حزب في البلاد، المرشح السابق للرئاسة نبيل القروي، في قضية تبييض أموال.

وفي أغسطس/ آب 2019، أوقفت السلطات القروي على خلفية بلاغ ضده بتهمة "فساد مالي"، ثم أطلقت سراحه عقب نحو شهرين من الحبس، وذلك قبيل الانتخابات الرئاسية في سبتمبر/ أيلول 2019 والتي كان مرشحاً لها.

وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أنّ القضاء التونسي تحرر في قراره من السلطة السياسية، وهي خطوة مهمة لتطبيق القانون، يرى آخرون أنّ هذا الملف وظف سياسياً، وهو محل تجاذبات، وأصبح يهدد الائتلاف الحكومي والحزام الداعم له.

وقال بيان لـ"حركة النهضة"، اليوم الجمعة، إنّ الحركة تعبر عن "تضامنها مع حزب (قلب تونس) وكتلته البرلمانية إثر تعرضهم لحملات تشويه بعد إصدار بطاقة (مذكرة) إيداع بالسجن في حق السيد نبيل القروي، رئيس الحزب"، مؤكدة "دعمها المتواصل للسيد رئيس الحكومة هشام المشيشي ودعوته لإيلاء الملفات الاجتماعية والاقتصادية الأولوية الكبرى وعدم التواني في محاربة الفساد الذي يعطل كل مسارات الإصلاح والاستقرار".

وكانت بعض الجهات السياسية قد ربطت بين عملية الإيقاف واللقاء الذي جمع بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ووزير الدولة السابق لدى رئيس الحكومة محمد عبو، والذي تم خلاله التطرق إلى عدد من القضايا المرتبطة بالوضع الذي تعيشه تونس، ما دفع البعض إلى التساؤل حول الجدوى من لقاء سعيد بوزير سابق، وكيف يناقش الوضع مع شخصية غادرت الحياة السياسية. 

وقالت النائبة عن "قلب تونس" أمال الورتاني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك من يعتقد أنه بإيقاف رئيس حزب قلب تونس، وهو إيقاف تحفظي، يمكن ضرب تماسك كتلة قلب تونس، وأن الائتلاف الحكومي والحزام السياسي للحكومة مهددان، وهذا غير صحيح، لأننا نؤمن بمشروع، والانتماء لحزب هو تجسيد لمشروع"، كما أن "الائتلاف الحكومي انبنى أيضاً على مشروع، وليس مصلحة".

وأوضحت أنّ مسؤولي "قلب تونس" يتابعون ردود الفعل، ولهذا ردت عبر تدوينة لها بالقول إنّ "قلب تونس لا يباع ولا يشترى كما يشيع البعض"، معربة عن دعمها للقروي، لأن "هناك روابط إنسانية قبل السياسية منها، ونحن لا نتخلّى عن أصدقائنا بمجرد بروز محنة، ولن نتخلى عن كتلتنا"، مشددة على أنّ "الثقة في القضاء كبيرة، ونحترم مساره والإجراءات المتخذة".

ورأت الورتاني أنّ "هناك محاولات للركوب على الحدث، ولو أن هذا مجاز في السياسة، ومحاولات للتشويش على القضاء وإصدار البعض لأحكام باتة، ففي الوقت الذي تتعقل فيه بعض الأحزاب، فإنّ آخرين يحاولون التأثير على القضاء، ويقدمون دروساً وأحكاماً"، مشددة على ضرورة عدم تدخل النواب والسلطة التشريعية تحديداً في شؤون القضاء. 

ولفتت إلى أنّ "رئيس قلب تونس ضمن الحزام السياسي للحكومة، ومع ذلك تم إيقافه وتم إيداع وزير  في الحكومة السجن، وهذه تونس الجديدة التي تبنى خطوة خطوة، ولكن يجب عدم إطلاق أحكام مسبقة ونصب المحاكم وإطلاق التهم جزافاً".

واعتبرت أنّ "تقرير دائرة المحاسبات يبقى تقريراً إدارياً، ثم الكلمة الفصل للقضاء الذي ينظر في الإخلالات المالية، فالتهم لم تكيف بعد، وسيتم تقديم المستندات، ولكن للأسف المزايدات من بعض الأحزاب بلغت حداً لا يطاق"، مشيرة إلى أن "تفاصيل التقرير الذي أحيل على أساسه القروي للقضاء، والذي يحتوي على 830 صفحة، سيتم عرضه أمام الرأي العام، وفِي مؤتمر صحافي نقطة بنقطة، لأننا لا نخشى شيئاً، ولدينا ثقة في موكلنا وبراءته، ولن نحمي أي طرف يثبت تجاوزه للقانون".

ورأى القيادي في "حركة النهضة" رفيق عبد السلام، في تدوينة نشرها في "فيسبوك"، أنّ "الائتلاف الحكومي سيزداد وحدة وتماسكاً"، مبيناً أنّ "هذا ليس لأنه الأفضل لتونس، ولكن لأن البديل عنه هو حكم الأقليات المتسلطة والمتحيلة، وتركيز الحكم الفردي الذي لفظته الثورة".

وأشار عبد السلام إلى لقاء سعيد بمحمد عبو، قائلاً: "إذا أطل عليكم عبو فاعلموا أنه تأبّط شراً وتآمر".

وأكد النائب عن صوت الفلاحين فيصل التبيني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه يؤمل أن يتواصل المسار وتفتح بقية الملفات العالقة، و"من لديه حق سيناله، سواء كان ظالماً أو مظلوماً"، موضحاً أنه "لن يتم تصديق مسألة تحرر القضاء من السلطة السياسية إلا بفتح جميع الملفات، ومنها تمويل الأحزاب وتدخل المال الأجنبي في الانتخابات، وفتح جميع ملفات تقرير دائرة المحاسبات، والمهم ليس الزج بالقروي في السجن، بل أن يتحرك القضاء في جميع الملفات والقضايا العالقة".

وحول التوظيف السياسي للملف، بيّن أنّ "هذه الردود عادية، لأنه عادة يتم التشكيك في كل خطوة، ولكن القضاء أمام فرصة تاريخية ليثبت أنه يعمل دون ضغوطات ولا يستثني طرفاً"، مشيراً إلى أنه "حصلت عدة محاولات سابقة لفتح ملفات مشابهة، ولا بد من الشد على أيادي القضاة الشرفاء، ومن لديه شبهات يتم التثبت فيها وإصدار الأحكام".

ورأى التبيني أنّ "الأهم أن هناك مشاريع قوانين، وخاصة فصلا خطيرا كان سيمرر، وهو الفصل الرابع من قانون المالية التكميلي، والذي ينص على العفو عن أصحاب الملفات المشبوهة، وكان يهدف لتبييض الفاسدين وحمايتهم، وتم التصدي له، ولولاه لأعفي القروي من التتبع القضائي اليوم"، مؤكداً أن "محكمة المحاسبات عملت على إسقاطه، وهي خطوة تحسب لها"، مشيراً إلى أنه "لو ثبت تورط القروي في تبييض أموال، فإنه يجب فتح ملف صعود القروي للانتخابات والطعن فيه، وبالتالي إعادة النظر في الحزام السياسي للحكومة".

وتساءل رئيس كتلة "التيار الديمقراطي" هشام العجبوني: "هل القضاء تحرر نهائياً من سلطة السياسيين؟ وهل ما حصل قد يكون بداية التغيير الحقيقي في تونس؟"، موضحاً أنه كمواطن تونسي يرغب في دولة قوية تقطع مع ظاهرة الإفلات من العقاب، "لكنني لا أشعر بالسعادة للمصيبة التي تعرض لها القروي".

من جهته، قال رئيس منظمة "أنا يقظ" أشرف العوادي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ المنظمة تقدمت بقضية في 2016 ضد القروي في التهرب الضريبي وتبييض الأموال، و"هناك مسار تقاض متواصل، حيث تم النظر في الملف من قبل خبير مختص، والذي أرسل تقريره للقاضي، وهذا الأخير وبناء على القرائن الموجودة، قرر الاحتفاظ بالقروي، وخاصة أنه فشل في إثبات مصدر الأموال التي سئل عنها".

وبيّن أنّ "هذا الأمر يتعلق بالتحقيق، حيث لا يزال هناك ختم تحقيق وصدور الحكم"، مضيفاً أنه "قد يكون هناك اجتهاد من الجهات القضائية لرصد المبلغ المعلن عنه، وهو 140 ملياراً، لأن عملنا في المنظمة شمل حوالي 20 ملياراً، وبالتالي هناك معطيات جديدة في الملف، وقد يكون تحصل عليها قاضي التحقيق الذي يبدو أن عمله مهني وجدي، رغم بعض محاولات للضغط"، وأشار إلى أنّ المنظمة تعرضت لضغوطات من أطراف في السلطة التنفيذية من أجل الحصول على الملف.

وأوضح العوادي أن إطلاق سراح القروي في فترة الانتخابات "كان قانونياً ومنطقياً في تلك الفترة"، مشدداً على الثقة في القضاء رغم محاولة المناورة بوضع الفصل 4، ومحاولة الإفلات من العقاب.   

المساهمون