تاريخ الانتخابات النيابية المبكرة في لبنان: ماذا في خفايا طرحها؟

18 يونيو 2023
خلال جلسة انتخاب رئيس للبنان بالبرلمان، الأربعاء الماضي (حسام شبارو/الأناضول)
+ الخط -

لم يمرّ اقتراح نائب رئيس البرلمان اللبناني إلياس بو صعب بإجراء انتخابات نيابية مبكرة كحلّ للأزمة الرئاسية مرور الكرام على الساحة المحلية، رغم أن الطرح مستبعدٌ سياسياً في بلدٍ لم يتمكّن قبل شهرٍ من إجراء الانتخابات البلدية، فأرجأها بذريعة الصعوبات المالية واللوجستية وباعترافٍ وإعلانٍ من بو صعب نفسه.

اللافت في اقتراح بو صعب، الذي ينتمي إلى تكتل "لبنان القوي" (برئاسة النائب جبران باسيل)، "تقليص" ولاية المجلس النيابي الذي أطفأ شمعته الأولى في مايو/أيار الماضي، أن الإعلان عنه جاء بعد لقائه رئيس البرلمان نبيه بري، "خصم باسيل في الانتخابات الرئاسية"، في خطوة طرحت علامات استفهام كثيرة سياسياً، ولا سيما أن بو صعب معروفٌ بعلاقته الجيدة ببري، ويُعدّ من الأسماء التي قد تكون خرجت عن قرار باسيل دعم ترشيح وزير المال السابق جهاد أزعور للرئاسة، بتصويته لمرشح بري وحزب الله، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

وقال بو صعب بعد لقائه بري أول من أمس الجمعة: "إذا كان المجلس النيابي عاجزاً عن العمل لانتخاب رئيس للجمهورية، وإذا كان الأفرقاء عاجزون على القيام بحوار بعضنا مع بعض، فالحلّ الأفضل الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة وليتحمّل كل واحد مسؤوليته"، مضيفاً: "الرئيس بري سمع هذا الرأي والكلام ولم أجده معترضاً عليه، وقال: لنرَ ما سيحمله الأسبوع المقبل من متغيرات كي نبني على الشيء مقتضاه".

تجدر الإشارة إلى أن الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان سيزور لبنان الأسبوع المقبل، ويقوم بجولة على القادة السياسيين يتوقع أن تحمل معها مبادرة فرنسية رئاسية جديدة، بعدما حكي عن سقوط تسوية فرنجية لرئاسة الجمهورية مقابل الدبلوماسي نواف سلام لرئاسة الحكومة، في حين ينتظر لبنان أيضاً نتائج الحراك الدولي، وخصوصاً لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وارتداداته لبنانياً.

وفضّل عددٌ من نواب "لبنان القوي" عدم التعليق على اقتراح بو صعب، وقال نائبان تواصلت معهما "العربي الجديد" إن "التكتل لم يصدر عنه أي قرار بهذا الإطار، والموقف شخصي صادر عن نائب رئيس البرلمان، وعندما يكون هناك طرح جدي عبر قانون بتقصير مدة ولاية مجلس النواب، فعندها يكون لنا موقف".

مواقف الكتل السياسية من الاقتراح

ولم تصدر الكتل السياسية تعليقات رسمية حول اقتراح بو صعب، لكن أوساط الفريق المعارض لحزب الله، تتقدمها "القوات اللبنانية" (برئاسة سمير جعجع)، و"الكتائب اللبنانية" برئاسة النائب سامي الجميل، اكتفت بالقول لـ"العربي الجديد": "فليعقد بري جلسات مفتوحة لانتخاب رئيس، ويترك اللعبة الديمقراطية تأخذ مسارها بدل توجيه رسائل سياسية، في إطار التهديد بالفراغ أو مرشحه وحزب الله للرئاسة".

أما الحزب التقدمي الاشتراكي (بزعامة وليد جنبلاط)، فقالت أوساطه لـ"العربي الجديد": "إننا مع أي طرح ديمقراطي، لكن البلد لا يتحمّل إجراء انتخابات نيابية الآن، والأفضل عقد جلسات مفتوحة حتى انتخاب رئيس، ونحن نؤيد الحوار الذي دعا إليه بري الأربعاء الماضي لخرق الجمود الحاصل".


زياد بارود: حلّ البرلمان أو تقصير ولايته مدخلٌ للانتخابات المبكرة

في حين فضّل نواب في "حزب الله" عدم التعليق على الموضوع الآن، ذكرت أوساطه لـ"العربي الجديد" أنه "من المبكر الحديث عن الموضوع، المطلوب اليوم الحوار أولاً لأنه الطريق الوحيد لانتخاب رئيس في لبنان، فالتوافق شرط أساسي لوضع حدّ للشغور الرئاسي".

في السياق، يعتبر وزير الداخلية السابق زياد بارود، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه "في السياسة، تُمكن قراءة الطرح بأنه مرتبط بعدم قدرة المجلس على انتخاب رئيس، ومن المستبعد أن يحصل ذلك، خصوصاً أن لبنان لم يعرف منذ ما بعد اتفاق الطائف (أقر في مدينة الطائف السعودية عام 1989 وأنهى الحرب الأهلية اللبنانية) سوى التمديد لولاية مجلس النواب لا تقصيرها، وبكل الأحوال، طالما أن القانون الانتخابي هو نفسه، فلا نعرف أيضاً إن كانت أي انتخابات ستفرز نتائج مختلفة على مستوى تكوين المجلس والتوازنات".

الانتخابات المبكرة في الدستور

دستورياً، يوضح بارود أن "هناك حلاً من اثنين لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، إما تحلّ الحكومة مجلس النواب بناءً لطلب رئيس الجمهورية وبحالات محصورة ومحدودة، نحن لسنا بصددها حالياً، ما يجعل هذا الاحتمال غير قائم، أو أن يقوم المجلس النيابي بذاته بتقصير مدة ولايته، المحددة في قانون الانتخاب بأربع سنواتٍ".

ويضيف بارود: "بهذه الحالة، يقدَّم اقتراح قانون بتقصير ولاية مجلس النواب، التي تنتهي في مايو 2026، ويصوّت عليه في مجلس النواب، ويحتاج إلى نصف زائد واحداً لإقراره (أي 65 نائباً من أصل 128)، باعتبار أنه يدخل في إطار تعديل القانون وليس الدستور، ولكن هذا الاحتمال مستبعدٌ من الناحية السياسية، وبالتالي، يبقى طرح المشروع اليوم تحت عنوان عجز مجلس النواب على انتخاب رئيس".

من جهته، يقول المستشار القانوني في مؤسسة "مهارات" المحامي طوني مخايل، لـ"العربي الجديد"، إن "إجراء انتخابات نيابية مبكرة لا يمكن أن يحصل إلا في حال قام المجلس النيابي بتقصير ولايته أو قامت الحكومة بحل المجلس النيابي وفق أحكام المادة 77 من الدستور المتعلقة بالتعديلات الدستورية".

ويلفت إلى أن "أي انتخابات مبكرة ليست ممكنة إلا إذا حصلت استقالات جماعية في مجلس النواب، وهذا أمرٌ من الصعب أن يتحقق"، مشيراً إلى أنه "بعد تعديلات الطائف الدستورية، فُقد التوازن بين السلطات ودخلنا في مستنقع الديمقراطية التوافقية التي تساهم في تعطيل عمل المؤسسات".

من جهته، يرى رئيس اللجنة القانونية في المرصد الشعبي لمحاربة الفساد جاد طعمه أن "موقف بو صعب لا يعدو كونه موقفاً سياسياً بامتياز، هادفاً إلى الزكزكة السمجة لفريقه السياسي أولاً، خصوصاً بعدما لوّحت مصادر مقرّبة من التيار الوطني الحر عن امتعاض شديد من موقفه المتمايز حول الاستحقاق الرئاسي".

ويضيف، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الموقف من ترشيح أزعور للانتخابات الرئاسية يشّكل ضربة للثنائي حزب الله وحركة أمل، وهو بأبعاده يحمل انقلاباً على التحالفات الانتخابية الهجينة التي أدّت لعودة معظم فريق السلطة إلى الندوة البرلمانية".


علي الأمين: هناك رفع مسؤولية عن كاهل بري وحزب الله بهذا الطرح

ويشير طعمه إلى أن "هذا النائب نفسه، كما بات متداولاً، هو من ارتضى أن يحمل مسؤولية تقديم اقتراح قانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية، الذي جرى إقراره في مجلس النواب وصادق عليه بعد صدوره المجلس الدستوري. بالتالي، فإن مقترح الانتخابات النيابية المبكرة يميل أكثر نحو الأداء الكوميدي ويعكس خفة المسؤول اللبناني في التعاطي مع مختلف الاستحقاقات الدستورية، في زمن الانهيار الاقتصادي الموجع للغالبية العظمى من أطياف الشعب اللبناني".

وبالنسبة للكاتب السياسي علي الأمين، فإن "خطوة بو صعب قد تكون رسالة للقول إن هناك استعصاءً داخلياً، ومحاولة لنقل المشكلة من مرحلة يفترض بها عقد جلسات مفتوحة لانتخاب رئيس إلى القول إنه لا يمكن فتح الجلسات ولا بد من التوافق على شخصية رئاسية". ويرى الأمين، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن هناك رفع مسؤولية عن كاهل بري ومن يمثله من حلف سياسي بتعطيل الانتخابات، وذلك بتصريح بو صعب، إذ إن الجميع على قناعة بأن أي انتخابات نيابية جديدة ستحصل لن تعطي أي فريق أو مجموعة 86 نائباً (أكثرية الثلثين من المجلس المكون من 128 نائباَ) وهو العدد المطلوب لانتخاب رئيس من الدورة الأولى. مع العلم أن الدورة الثانية قادرة على إنتاج رئيس بـ65 صوتاً، بيد أن فريق بري ـ حزب الله يمنع انعقادها ليحصر الانتخاب بحصول توافق مسبق على رئيس"، معتبراً أن "هناك محاولة كما يبدو لافتعال مشكل، أو القول بضرورة تغيير النظام كلّه".

ويلفت الأمين إلى أنه من الواضح أن "هناك رغبة بالتعطيل وعدم إجراء انتخابات رئاسية، وهناك حالة انتظار للحركة الفرنسية السعودية وزيارة الموفد الرئاسي الفرنسي، ففي حال كانت الحركة الدولية الخارجية جدية وفاعلة، فقد يحصل انتخاب، وإلا فإن الأمور باقية على حالها، وحزب الله سيبقى متمسكاً بفرنجية لرئاسة الجمهورية".

ولا يستبعد الأمين أن تكون هناك رسالة موجهة لباسيل نيابياً، خصوصاً أنه حصل على مقاعد إضافية بفعل تحالفه مع حزب الله، علماً أن الحسابات قد لا تكون دقيقة، باعتبار أن باسيل قد يكون أيضاً كسب بعض الشعبية بفعل موقفه الأخير بخوضه المعركة الرئاسية ضد حزب الله.

آلية إجراء الانتخابات المبكرة

في السياق أيضاً، يؤكد الأمين العام في الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات "لادي" عمار عبود، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الآلية الوحيدة لإجراء انتخابات مبكرة هي في إقرار قانون في البرلمان بتقصير ولاية المجلس، وهناك إشكالية بين القوى السياسية أصلاً حول انعقاد مجلس النواب في ظل الشغور الرئاسي، باعتبار أن وظيفته تقتصر بهذه الحالة على انتخاب الرئيس لا التشريع".

ويرى عبود أن "الانتخابات النيابية لن تحل مشكلة الأزمة الرئاسية، فالاستحقاق الرئاسي للأسف يعتمد على تزوير يقوم فيه رئيس البرلمان بآلية احتساب نصاب الجلسة وانتخاب الرئيس، فهو يعتبر النصاب المطلوب لانعقاد الجلسات والدورات 86 نائباً، على أن يجرى انتخاب الرئيس بالدورة الأولى بـ86 نائباً وفي الدورات اللاحقة 65 نائباً، علماً أن الجلسة وبمجرد أن تحصل يكون هناك دورات متتالية ينتخب فيها الرئيس بالأكثرية التي يحصل عليها، وبالتالي فإن نصاب الـ86 نائباً لانعقاد الجلسة ودوراتها اللاحقة بدعة من بري لمنع الانتخاب وفرض مرشح معيّن، كما حصل سابقاً مع انتخاب ميشال عون رئيساً وغيره من الرؤساء".


محمد شمس الدين: شهد لبنان 4 انتخابات مبكرة في تاريخه

ويلفت عبود إلى أن "انتخاب الرئيس معروفٌ كيف يحصل، إذ يصار إلى تنظيم الفراغ والأزمة لحين فرض مرشحين ضمن إطار سلة واحدة تشمل رئيس الحكومة والتعيينات والغنائم وحتى قانون الانتخاب"، مشيراً إلى أن "التطرق إلى الانتخابات النيابية المبكرة ليس إلا هروباً إلى الأمام، في محاولة لتخويف بعض النواب بأنهم قد لا يحافظون على مقاعدهم النيابية إذا حصلت انتخابات مبكرة، وأنه عليهم الانضمام إلى الاتفاق معهم على فرنجية للحفاظ على مراكزهم".

تاريخياً، يقول الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، لـ"العربي الجديد"، إنه "حصلت 4 انتخابات نيابية مبكرة في تاريخ لبنان، واحدة منها لمجلس نيابي كان ممدّداً له أصلاً. المرة الأولى كانت عام 1947، حين حُلّ البرلمان قبل خمسة أشهر تقريباً على انتهاء ولايته، كذلك في عام 1953 بعد عامين على ولاية مجلس النواب، كذلك حلّ مجلس النواب في عام 1960 قبل سنة على انتهاء ولايته بعدما كان انتخب عام 1957، ثم مجلس 1972، الذي بدأ معه مسار التمديد بفعل الحرب، باستثناء تقصير مدة ولاية المجلس الذي كان مُدد له حتى عام 1994، فقصّرت إلى عام 1992، ومن بعدها لم يعرف لبنان إلا التمديد للمجالس النيابية، منها التمديد للمجلس النيابي المنتخب عام 2009 وحتى عام 2018".

تجدر الإشارة إلى أن غالبية القوى السياسية كانت ترفض الانتخابات النيابية المبكرة، باستثناء الرئيس السابق ميشال عون بعد عام 2005، وقبل انتخابه رئيساً عام 2016، إذ كان من أكثر المطالبين بانتخابات مبكرة وبقانون انتخابي جديد لتوسيع تكتله النيابي في مناطق خارج نطاق شعبيته بشكل خاص، في حين اعتبرت أشد دعوة شعبية للمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة في انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 2019، لكنها قوبلت برفض أكثرية القوى السياسية، التي تزعزعت كثيراً قواعدها الشعبية، وعانت من شحّ مالي لإدارة حملاتها الانتخابية.