بيونغ يانغ ودعم موسكو: يأسٌ من واشنطن

13 يونيو 2023
بوتين وكيم، فلاديفوستوك الروسية، إبريل 2019 (الأناضول)
+ الخط -

لم تخرج كوريا الشمالية عن المألوف، أمس الإثنين، حين أبدى زعيمها كيم جونغ أون، الدعم الكامل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وروسيا في حربها على أوكرانيا، متعهداً بـ"وضع يده بيد" بوتين، وداعياً إلى توثيق العلاقات مع موسكو، من دون الحديث صراحة أو الإقرار بشكل واضح بأي دعم عسكري قد تكون بيونغ يانغ تقدمه لروسيا في حربها، بحسب الاتهامات الأميركية.

رسالة ودّ ودعم من كيم لبوتين

وفيما لا تخرج رسالة كيم إلى بوتين بمناسبة اليوم الوطني لروسيا عن سياق العلاقات التاريخية بين البلدين، لا سيما خلال العهد السوفييتي، إلا أن الكثير من المتغيرات التي طرأت ومنها زيادة الدعم الأميركي لكوريا الجنوبية، وانهيار المحادثات بين بيونغ يانغ وواشنطن، فضلاً عن مساعي الكرملين لتعزيز العلاقات شرقاً، تجعل من رسالة كيم إما تكريساً للقطيعة مع أميركا، أو محاولة جديدة للضغط عليها.

وفي رسالة تأتي استكمالاً للتبادلات التي تحمل طابعاً ودّياً بين البلدين، أعرب كيم جونغ أون، أمس، عن "دعم بلاده الكامل وتضامنها" مع موسكو في معرض تهنئتها باليوم الوطني. ولم يذكر كيم في رسالته التي نشرتها وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية، بشكل مباشر، غزو روسيا لأوكرانيا، لكنه أشاد بـ"قرار بوتين الصحيح وتوجيهاته لإحباط التهديدات المتصاعدة للقوات المعادية".

يزور مسؤول أميركي رفيع سيول هذا الأسبوع لمناقشة الردع

وأضافت الرسالة أن الشعب الكوري الشمالي يقدّم "الدعم والتضامن الكاملين مع الشعب الروسي في كفاحه الشامل من أجل تحقيق قضيته المقدسة للحفاظ على الحقوق السيادية والتنمية ومصالح بلده ضد ممارسات الإمبرياليين الاستبدادية والتعسفية". كما تعهد كيم بـ"وضع يده بيد" بوتين، الذي كان التقاه (للمرة الأولى) في 2019 في موسكو، "والدفع بالتعاون الاستراتيجي لتحقيق الهدف المشترك ببناء بلدين قويين". وأكد كيم في رسالته أن "العدالة ستنتصر حتماً، والشعب الروسي سيواصل زيادة المجد على تاريخه بالانتصار".

وهذه أحدث رسالة دعم من بيونغ يانغ إلى موسكو منذ بداية حرب أوكرانيا. ووصفت كوريا الشمالية الصراع بأنه حرب أميركية "بالوكالة" لتدمير روسيا، منددة بالمساعدات العسكرية الغربية لكييف.

وسعت موسكو، لا سيما منذ فشل المحادثات بين إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وكيم، للتقرب أكثر من كوريا الشمالية، وفي أغسطس/آب الماضي، أكد بوتين في رسالة إلى كيم بمناسبة "عيد التحرير" الكوري، أن البلدين "سيوسعان علاقاتهما الشاملة والبناءة"، وذلك بعد شهر من احتفال بيونغ يانغ بمرور 22 عاماً على الإعلان المشترك بين البلدين بشأن التعاون الثنائي. وفي تلك المناسبة، قالت بيونغ يانغ إن "التعاون الاستراتيجي والتكتيكي بين البلدين يزداد قوة في رحلة الرفض القاطع للاستبداد والتعسف وأعمال الهيمنة لأميركا والقوات التابعة لها". وفي الشهر ذاته، أعلنت كوريا الشمالية اعترافها رسمياً بـ"استقلال" دونيتسك ولوغانسك شرق أوكرانيا، واللتان ضمّتهما روسيا بالقوة.

تشهد العلاقات بين كوريا الجنوبية وواشنطن مزيداً من التطور في عهد الرئيسين يون سوك يول وجو بايدن

وبغضّ النظر عن العلاقات التاريخية، فقد جاءت رسالة كيم أمس، إلى بوتين، في إطار من الاصطفاف الطبيعي والمتوقع بين هذه القوى، ربطاً بالحرب الروسية على أوكرانيا، لكنها تؤكد أن بيونغ يانغ أصبحت مدركة لمدى تراجع فرصها في التوصل إلى صفقة مع واشنطن.

وجاءت الرسالة، في وقت شهدت فيه العلاقات بين كوريا الجنوبية وواشنطن مزيداً من التطور في عهد الرئيسين يون سوك يول وجو بايدن، حيث يتم التركيز حالياً على تعزيز الردع بمواجهة "تهديدات" كوريا الشمالية، بمشاركة اليابان التي تعمل على تحسين علاقاتها مع سيول.

ووصل ذلك إلى حدّ إعلان واشنطن تعزيز التزامها بـ"الردع النووي" لمساعدة سيول بحال حصول هجوم من الشمال. وذكرت وكالة الأنباء الوطنية "يونهاب" أمس، أن سيول ستستقبل هذا الأسبوع وكيل وزارة الدفاع الأميركية للسياسات كولن كال "لمناقشة الردع وسط توترات تصاعدت بسبب خطاب بيونغ يانغ المتشدد وأعمالها الاستفزازية، بما في ذلك الإطلاق الفاشل لصاروخ فضائي" أخيراً.

لكن التقارب الروسي الكوري الشمالي المتزايد لا يرتبط فقط بما ترى فيه بيونغ يانغ تصعيداً أميركياً في شبه الجزيرة الكورية، إذ تسعى موسكو إلى رفع مستوى علاقاتها شرقاً، وإبراز عدم عزلتها، والدفع لتشكيل محور مناوئ للغرب تستمد منه قوتها. ولم تحمل رسالة كيم أي إشارة من بيونغ يانغ إلى أن دعم موسكو هو عسكري بحسب الاتهامات الأميركية، التي كانت كوريا الشمالية قد شدّدت على أنها محاولة لـ"تشويه صورتها".

وبدأت تلك الاتهامات حين أكدت واشنطن في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن بيونغ يانغ سلّمت مجموعة "فاغنر" للمرتزقة الروس شحنة أسلحة "دفعت فاغنر ثمنها"، وذلك بعد شهر من إرسال كوريا الشمالية صواريخ وقذائف لقوات المشاة لروسيا كي تستخدمها "فاغنر" (تقاتل في أوكرانيا) بحسب الاتهام الأميركي.

وفي مارس/آذار الماضي، قالت واشنطن إن لديها دليلاً على أن موسكو كانت تتطلع إلى أن تزودها بيونغ يانغ بأسلحة لهجومها في أوكرانيا، مقابل مساعدات غذائية لكوريا الشمالية، وقالت إن موسكو أرسلت وفداً إلى بيونغ يانغ لتقديم العرض، في خرق للعقوبات على بيونغ يانغ. كما أن هناك اتهامات بطلب موسكو عمّالاً كورييين شماليين للعمل في الأراضي التي احتلتها في أوكرانيا. وفي مارس أيضاً، فرضت واشنطن عقوبات على السلوفاكي أشوت ماكريتشيف بتهمة محاولته تدبير صفقة أسلحة بين موسكو وبيونغ يانغ.

وعلى الرغم من نفي بيونغ يانغ تلك الاتهامات، إلا أن ذلك يعزّز الحديث عن تنامي العلاقات الاقتصادية خصوصاً بين روسيا وكوريا الشمالية، وهو حديث ظلّ في الواجهة الخلفية مقارنة بالروابط السياسية والدبلوماسية، ومحاولة روسيا العضو الدائم في مجلس الأمن حماية كوريا الشمالية في المحفل الدولي.

(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس)