بين ديمقراطية اسكتلندا ولبنان

31 مارس 2023
وصول حمزة يوسف إلى رئاسة الحكومة أمر طبيعي في نظام ديمقراطي (جيف ميتشيل/Getty)
+ الخط -

أن يصل ابن مهاجرين باكستانيين في اسكتلندا، حمزة يوسف، إلى منصب رئيس الحكومة، مثلما وصل في بريطانيا ريشي سوناك (من أصل هندي)، هو بالأمر العادي تحت مظلة الأحزاب السياسية في الديمقراطيات الليبرالية. أما عند من يعيشون في أحضان ثقافة سياسية ظلامية في التطرف القومي والديني، سواء في الغرب أو في بعض عالمنا العربي، يُعبّر الانتخاب ذاك عن "خطأ جسيم".

لندع القوى الغربية المتطرفة جانباً. فمقابل وصول أبناء مهاجرين، بل ولاجئين جدد، في أكثر من مكان أوروبي وغربي، إلى مستويات متقدمة في أحزابهم السياسية، فإن حالات أخرى في بلاد المنشأ، ومنها عربية، تفرض وقفة تأمل مع قتامة المشهد. هناك، يولد الآلاف ممن هم في عمر يوسف (37 سنة)، على هامش حالة سياسية وراثية تحدد من المهد إلى اللحد أسقف الطموح والأحلام في المشاركة في حكم بلادهم. لبنان مجرد مثل، ويمكن بتنّوع الأسباب استبداله بأي بلد آخر، عند التوجه الأوسع مشرقياً.

كل شيء خاضع للمساومة، أو الإخضاع القهري، بما في ذلك تحديد مصير أصغر موظف، حتى ساكن قصر بعبدا (القصر الجمهوري في لبنان). تعتكف المارونية السياسية والسنّية السياسية والشيعية السياسية والدرزية السياسية، وبقية المكونات، إذا لم يصل إلى جداولها ما يوسع تلك الحدود الطائفية، بما يمس حتى ملايين المغتربين.

على مستوى الأحزاب السياسية في لبنان، باستثناء فترة الحرب الأهلية بعد 1975، حيث بقيت الأحزاب تستخدم أسماء براقة، من اشتراكية إلى قومية وإسلاموية، وممانعة ومقاومة، فإنها عادت منذ 1990 إلى جوهرها وأصلها، لتدوير الناس في إرث دوائرها المفرغة لشد العصب الطائفي، ليس فقط للصراع على الحكم، بل على مواقيت الصيف والشتاء، مانعة تحلل الناس من اللبوس الطائفي.

في المعنى الآخر لـ"الديمقراطية الطائفية"، وُلد في لبنان عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين ممن هم في سن حمزة يوسف الاسكتلندي - الباكستاني، وبعضهم لأمهات لبنانيات، فأي مصير كان؟ هذا إذا لم نتحدث عن المعاملة التي يتلقاها اللاجئون السوريون. نعم، صارت الحجج الطائفية تلفظهم مع إخوتهم اللبنانيين إلى حدود الموت غرقاً، وما زال "الزعيم" يبتسم بين أنصاره، رافعاً إصبعه بوجه اللبناني الآخر، وشارة الانتصار عليه.

في نهاية المطاف، فإن التأمل في مشاهد العراق وسورية ولبنان، وغيرها من أوطان، يكشف أن طهرانية "الإرث العظيم" تبقى جالبة للكوارث، حتى لو ادعى أصحابها أنهم على وشك "الانتصار" على "الغرب المهزوم"... المستقبل للباحثين عن حياة.