بين السلطوية والتحرير

26 فبراير 2023
طفلة أمام جدارية لرموز فلسطينية منها العلم (سعيد قاق/Getty)
+ الخط -
تمر القضية الفلسطينية بمرحلةٍ جديدةٍ نوعيةٍ، على ضوء عودة نشاط المقاومة الشعبية السلمية والعنيفة، ونتيجة تمادي الاحتلال الصهيوني في سياسات التطهير العرقي والفصل العنصري بحق شعب وأرض فلسطين، وعلى وقع الاستراتيجية الدولية أو الأميركية - الصهيونية القائمة على مقايضة حقوق الفلسطينيين الإنسانية البسيطة؛ التنقل والحركة والعمل والإقامة، بمكاسب صهيونية سياسية وميدانية، مثل توسع البناء الاستيطاني وتمدده، والاستمرار في سياسات العقاب الجماعي بحق المجتمع الفلسطيني.
يمكن اعتبار المرحلة الجديدة من نتائج ثبوت عدم واقعية حل الدولتين، بحكم رفضه صهيونيًا ودوليًا، بعيدًا عن الخطابات السياسية المنمقة المتمسكة به، إذ كشف الواقع الميداني زيف كل تلك الخطابات، على وقع الدعم المستمر المقدم لآلة الإجرام الصهيوني، رغم جميع جرائم التطهير العرقي والفصل العنصري التي ارتكبتها بحق شعب وأرض فلسطين، والتي قضت على حل الدولتين كليًا، وفق خلاصاتٍ دوليةٍ وإقليميةٍ وفلسطينيةٍ عديدةٍ.

يتطلب من المجتمع الفلسطيني التحرر من وهم السلطة والمشروع السلطوي، ومن الفصائل والحركات المعنية بالمشروع التحرري التخلص من الأعباء السلطوية في كل من الضفة وغزة 

 
ساهم اتفاق أوسلو في تعميم وهم حل الدولتين لفترةٍ زمنيةٍ طويلةٍ نسبيًا، على اعتباره اتفاقًا مبدئيًا انتقاليًا لمدة خمسة أعوام، يتبعه اتفاق نهائي يسفر عن إقامة دولة فلسطين المستقلة، وأدى التعطش لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة إلى إغفال ثنايا المشروع المزعوم، التي تتجسد في غايات الاحتلال من الاتفاق وأبعادها أولًا، وتضحيته بغالبية الحقوق الفلسطينية المشروعة والتاريخية ثانيًا، وفي دوره في تثبيت نظام التطهير العرقي والفصل العنصري الصهيوني ثالثًا، الأمر الذي يقوض إمكانية الحل ويثبت عدم واقعيته.
على صعيدٍ متصلٍ؛ أدى اتفاق أوسلو إلى تكوين سلطتين وهميتين، الأولى نتاج مباشر له، في حين سعت الثانية إلى حماية المقاومة، بعد نجاح الاحتلال في فرض ترتيباتٍ أمنيةٍ ولوجستيةٍ وميدانيةٍ جديدةٍ في الضفة الغربية بعد انتهاء الانتفاضة الثانية. فرضت كلا السلطتين منطقها السلطوي على قواها؛ فتح وحماس، وعلى المستفيدين منها، مخضعةً إياهم لحساباتٍ مصلحيةٍ أحيانًا، وخدميةٍ في أحيان أخرى، الأمر الذي استغله الاحتلال وداعموه؛ أميركا تحديدًا، لتطبيق استراتيجية المقايضة الإنسانية - السياسية، أو الخدمية - الميدانية، التي دفعت كلا السلطتين؛ بدرجاتٍ متفاوتةٍ، إلى تقديم تنازلاتٍ مؤلمةٍ مقابل تسهيلاتٍ خدميةٍ بسيطةٍ محدودة الأثر والزمن.
ملحق فلسطين
التحديثات الحية
بناءً عليه؛ لا تُمكن المزاوجة بين المشروعين التحرري والسلطوي، حتى لو أرادت السلطة ذلك، فمتطلبات كلا المشروعين مختلفة، والموائمة بينهما شبه مستحيلة، لا سيما في نموذج السلطة الوهمية القائم في فلسطين، التي لا تملك قرارها الاقتصادي والأمني والعسكري والسيادي، الأمر الذي يتطلب من المجتمع الفلسطيني التحرر من وهم السلطة والمشروع السلطوي، ومن الفصائل والحركات المعنية بالمشروع التحرري التخلص من الأعباء السلطوية في كل من الضفة وغزة، عبر تحويلها إلى إدارةٍ مجتمعيةٍ خدميةٍ تنظيميةٍ وأمنيةٍ بسيطةٍ؛ قوات الشرطة تخضع لمراقبة ومحاسبة المجتمع. خصوصًا بعد نجاح المجتمع الفلسطيني في كسر ترتيبات الاحتلال الأمنية، التي كانت تعيق تشكيل مقاومةٍ شعبيةٍ فرديةٍ وجماعيةٍ دوريةٍ وربما دائمةٍ.