استمع إلى الملخص
- الحكم يعتبر سابقة قضائية في فرنسا ضد سورية، معتمداً على شهادات الشهود ومشاركة مؤسسات حقوق الإنسان، ويسلط الضوء على الجهود الدولية لمحاسبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية.
- القضية تبرز أهمية الملاحقة القضائية الدولية لمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وتمثل خطوة مهمة نحو العدالة للضحايا، مؤكدة على استمرار الانتهاكات من قبل الحكومة السورية.
أصدرت محكمة الجنايات في العاصمة الفرنسية باريس حكماً بالسجن المؤبد الغيابي بحق ثلاثة مسؤولين أمنيين كبار في النظام السوري، وذلك "لضلوعهم في أعمال جنائية خطيرة، وجرائم ضد الإنسانية"، وقضى الحكم بالإبقاء على مذكرات التوقيف الدولية التي صدرت بحق المدانين الثلاثة منذ عام 2023. ويشمل الحكم كل من اللواء علي مملوك، الرئيس السابق لمكتب الأمن القومي والمستشار الأمني لبشار الأسد، واللواء جميل الحسن الرئيس السابق للمخابرات الجوية، والعميد عبد السلام محمود الرئيس السابق لفرع التحقيق في فرع المخابرات الجوية.
وجاء الحكم بسبب "اعتقال وإخفاء قسري وتعذيب وقتل" لمواطنين فرنسيين من أصل سوري، هما مازن الدباغ وابنه باتريك اللذان اعتقلا في سورية عام 2013، في مركز احتجاز يتبع لشعبة المخابرات الجوية، إضافة إلى مصادرة ممتلكاتهما في دمشق والاستيلاء عليها. وصدر القرار بعد أربعة أيام من المحاكمة غيابياً، استمعت فيها المحكمة للعديد من الشهود وجهة الإدعاء الشخصي المتمثلة بالسيدة حنان الدباغ وزوجها عبيدة، فيما شاركت مؤسسات حقوقية سورية وناشطون في دعم المحاكمة إضافة للفيدرالية الدولية.
وقال المحامي المعتصم الكيلاني المقيم في باريس لـ"العربي الجديد" إن الحكم الذي صدر يعد "بكل تأكيد تاريخياً وسابقة قضائية في فرنسا في ما يخص سورية، وهو يشمل ثلاثة من أهم القيادات الأمنية المؤثرة في سورية".
وأضاف الكيلاني أنه بالرغم من "أن الحكم غيابي والمحكومين فارون من العدالة ويقيمون في سورية، إلا أن هنالك مذكرات توقيف دولية صدرت بحقهم عممت على الإنتربول، وبالتالي سيكونون محاصرين داخل سورية"، وأضاف أن "النقطة الثانية تتمثل في التأكيد على نقطة التعذيب الممنهج الذي تمارسه أجهزة الأمن السورية". وحول سرعة صدور الحكم بعد أربعة أيام من بدء المحاكمة، أوضح الكيلاني أن ذلك يعود لأن المحاكمة غيابية، وفي هذه الحالة تكون الجلسات سريعة، بسبب عدم حضور المتهمين أو من ينوب عنهم في جلسات المحكمة.
وقالت محامية الإدعاء كليمانس بيكتارت، خلال جلسة المحاكمة أمس، إن هذه المحاكمة "لا تتعلق فقط بجرائم الماضي، بل تتابع الانتهاكات المستمرة حتى اليوم، حيث لا تزال الحكومة السورية تعذب وتسجن وتقتل"، ولفتت إلى أن اثنين من المتهمين لا يزالان جزءاً من النظام السوري "ما يعني أن قرار المحكمة قد يشمل رسمياً وصف النظام بأنه يتكون من مجرمين ضد الإنسانية" معتبرة أن هذه المحاكمة "معركة من أجل الحقيقة وضد القمع المنظم من أعلى مستويات الدولة".
ورحبت الشبكة السورية لحقوق الانسان بهذا الحكم وقالت في بيان، اليوم السبت، إنها واكبت جلسات المحاكمة الأخيرة ممثلة بحضور مديرها التنفيذي فضل عبد الغني، كما جرى الاستناد إلى البيانات والتقارير التي أصدرتها الشبكة في العديد من المداخلات التي قدمتها المحامية العامة في باريس والشهود والخبراء.
وأوضحت الشبكة أن وحدة جرائم الحرب في باريس بدأت تحقيقاً جنائياً في القضية منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2016، قبل أن يفتح المدعي العام في باريس تحقيقاً قضائياً حولها استناداً إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية، وأصدر قضاة التحقيق في القضية، في 8 أكتوبر تشرين الأول 2018، أوامر بتوقيف الضباط الثلاثة.
وكان باتريك (عبد القادر)، وهو من مواليد عام 1993، طالباً في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق، بينما كان والده مازن (مواليد 1956) مستشاراً تربوياً رئيسياً في المدرسة الفرنسية في دمشق، وقد اعتُقلا في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 على يد عناصر قالوا إنهم من جهاز المخابرات الجوية السورية التابعة للنظام.
والضحيتان هما من أبناء مدينة دمشق ويحملان الجنسية الفرنسية، واعتقلا إثـر مداهمة منزلهما في حي المزة في مدينة دمشق، وجرى اقتيادهما إلى فرع التحقيق التابع للمخابرات الجوية في مطار المزة العسكري، ومنذ ذلك الوقت وهما في عداد المختفين قسرياً، نظراً لإنكار النظام السوري احتجازهما أو السماح لأحد بزيارتهما. وعلمت العائلة بخبر وفاتهما في 15 أغسطس/آب 2018، حيث تبين أنهما مسجلان متوفَّين في دائرة السجل المدني بدمشق منذ تاريخ 21 يناير/كانون الثاني 2018.