على حين غرة، وفي توقيت مفاجئ ومناورة سياسية نسجها حزبا "الليكود" و"الصهيونية الدينية"، فَقَد رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، نفتالي بينت، أمس الأربعاء، الصوت الحادي والستين في الكنيست الذي كان يمنح حكومته الأغلبية البرلمانية.
فقد أعلنت رئيسة الائتلاف الحاكم، عيديت سيلمان، وهي من نفس حزب رئيس الحكومة (يمينا)، قرارها بالانسحاب من الائتلاف الحكومي، والانتقال إلى صفوف المعارضة، على خلفية دينية، ظاهرياً، وهي خلافها مع وزير الصحة نيستان هوروفيتس، بعد إصرار الأخير على السماح بإدخال المخبوزات والطعام "غير الحلال" إلى المشافي الحكومية في عيد الفصح اليهودي الذي يحل في الخامس عشر من الشهر الحالي.
صفقة مع "الليكود"
وادعت سيلمان، وهي يهودية متدينة من التيار الصهيوني، أن موقف وزير الصحة وتعميمه رسالة بهذا السياق، يمس بالهوية اليهودية (ببُعدها الديني) لدولة إسرائيل، خصوصاً في العيد الذي يعتبره اليهود عيد الخروج من مصر، والذي أكثر ما ميّزه هو اضطرارهم لأخذ خبزهم معهم في رحلة الخروج من مصر قبل أن يختمر.
حصلت سيلمان على تعهد من "الليكود" بإدراجها، في حال إسقاط الحكومة، على لائحة الحزب
ومع أن سيلمان حاولت التمسك بهذه الورقة كمبرر للانشقاق عن الحكومة والاتجاه للمعارضة، إلا أنه سرعان ما تبيّن خلال ساعات معدودة من إعلانها المفاجئ صباح أمس، أن خطوتها تمت بتنسيق مسبق بين زوجها، وبين رئيس كتلة المعارضة من "الليكود" يريف ليفين، وزعيم حزب "الصهيونية الدينية" المنشق أصلاً عن "يمينا"، عضو الكنيست بتسليئيل سموطريتش.
مقابل ذلك، حصلت سيلمان على تعهد من "الليكود" بإدراجها، في حال إسقاط الحكومة والذهاب إلى انتخابات جديدة، في موقع مضمون على لائحة "الليكود".
بثت استقالة سيلمان من الائتلاف الحكومي ومنصبها الرسمي رئيسة له، الروح في الحياة الحزبية الإسرائيلية، مثيرة جملة من الردود المرحبة بالخطوة من قبل "الليكود" وزعيمه بنيامين نتنياهو. وسارع الأخير في ساعات الصباح أمس، إلى تسجيل فيديو للترحيب بالخطوة، واصفاً إياها بأنها عودة سيلمان إلى حضن اليمين وبيت المعسكر القومي.
ثم أطلق دعوة لأعضاء آخرين داخل حزب "يمينا" الذي يقوده بينت، للانضمام لخطوة سيلمان، مع تكثيف الضغوط على عضو الكنيست نير أورباخ من الحزب نفسه، لضمان شق "يمينا" بشكل دستوري وتشكيل كتلة مستقلة. وفي حال انضم أورباخ للخطوة، يصبح الائتلاف الحالي مع أغلبية 59 صوتاً، وبالتالي تُشل قدرة الحكومة الحالية على تمرير قوانين أو خطط حكومية وازنة ومؤثرة.
إضعاف حكومة بينت
ومع أن الإعلام الإسرائيلي أطلق تكهنات وسيناريوهات مختلفة للوضع المستقبلي في إسرائيل، إلا أن موازين القوى الحالية في الكنيست حتى بعد خطوة سيلمان، مع بقاء 60 نائباً في الائتلاف الحاكم، مقابل ارتفاع عدد أعضاء معسكر نتنياهو إلى 54 نائباً، لا تمنح نتنياهو أي فرصة لتشكيل حكومة بديلة، أو فرض الذهاب لانتخابات جديدة، بدون موافقة وتصويت القائمة المشتركة للأحزاب العربية الثلاثة في المعارضة (التجمع الوطني، الجبهة الديمقراطية، والحركة العربية للتغيير) إلى جانب أي تحركات يقوم بها نتنياهو.
وأعلن رئيس الكتلة البرلمانية للقائمة المشتركة، عضو الكنيست سامي أبو شحادة، في حديث مع إذاعة محلية في الجليل أمس، أن القائمة المشتركة لن تقدّم شبكة أمان لحكومة بينت، لكنها أيضاً لن تنضم إلى مساعي عودة نتنياهو للحكم، وأن الخيار الأفضل هو الذهاب لانتخابات جديدة.
القائمة المشتركة لن تقدّم شبكة أمان لحكومة بينت، ولن تنضم إلى مساعي عودة نتنياهو للحكم
ومع أنه في ظل موازين القوى الحالية، التي تبيّن عدم قدرة "الليكود" بقيادة نتنياهو على تشكيل حكومة بديلة أو الإطاحة بالحكومة الحالية، فإن الأثر الأساسي لاستقالة سيلمان والأزمة الحالية هو إضعاف بينت، وشل عمل الائتلاف الحكومي الحالي أكثر مما هو عليه الآن. لكنه لن يسقط الحكومة قبل موعد إقرار الميزانية العامة للعام 2023، وهو أيضاً الموعد المتفق عليه لتنفيذ اتفاقية التناوب على رئاسة الحكومة بين نفتالي بينت ويئير لبيد، إذ قد تساهم عندها فقط استقالة سيلمان في عدم تمرير الميزانية وإسقاط الحكومة إذا صوّتت القائمة المشتركة ضد قانون الميزانية العامة.