استمع إلى الملخص
- بعد مناظرة هاريس وترامب الأخيرة، تزايدت مؤشرات تأييد هاريس، مما أدى إلى زيادة التبرعات لحملتها وتدفق دعم قيادات جمهورية سابقة.
- مع اقتراب موعد الانتخابات، تشير التوقعات إلى احتمالية فوز هاريس بالرئاسة، رغم أن المنافسة لا تزال شبه متكافئة، حيث تبقى لغة الأرقام هي الحاسمة.
عمليا، بدأ التصويت في الانتخابات الرئاسية الأميركية بين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس عبر البريد أو الاقتراع الشخصي المبكر. افتتحته ولاية ألاباما وستتبعها الولايات الأخرى، كل واحدة منها حسب النماذج والمواعيد التي حدّدتها بعد أن تكون قد أرسلت قسيمة الاقتراع إلى الناخبين الراغبين في ممارسة حقهم الانتخابي بهذه الصورة. في انتخابات 2020، اقترع حوالي 100 مليون ناخب بهذه الطريقة التي أثارت اعتراضات ترامب المعروفة آنذاك والتي قد تتسبب في مشكلة أخرى هذه المرة.
مع هذه البداية التي يبدأ معها الحسم في خيارات الناخبين، تلاحقت مؤشرات في الأيام الأخيرة عن تحرّك إبرة البوصلة باتجاه حملة مرشحة الحزب الديمقراطي هاريس. حصل ذلك في أعقاب مناظرتها مع ترامب الثلاثاء الفائت، والتي أحدثت في صفوف الجمهوريين خيبة وبلبلة مماثلة إلى حد ما لما أحدثته مناظرة 27 يونيو/حزيران الفائت بين ترامب والرئيس الأميركي الحالي جو بايدن في صفوف الديمقراطيين. الفارق أن الأداء الكارثي لهذا الأخير كلّفه الانسحاب الاضطراري من المعركة، فيما أداء ترامب "الكارثي" هذه المرة، كما وصفه القيادي الجمهوري كارل روف، قد يجعل من المتعذر عليه أن يسترجع زمام المبادرة ولو بأقل مما كان ينعم به من أرجحية مع بايدن.
ووفق الاستطلاعات التي جرت في أعقاب المناظرة خلال اليومين الماضيين، حققت هاريس قفزة تراوحت بين ثلاث نقاط، 50 مقابل 47 (وفقا لاستطلاعات جهات محسوبة على الجمهوريين مثل نيويورك بوست – لاجر ) وخمس نقاط، في أخرى مستقلة مثل مورننغ كونسلت (50% مقابل 45%) أو استطلاع "رويترز – إبسوس (47% لها مقابل 42% له). والجدير بالذكر أن هاريس كانت عشية المناظرة وراء ترامب بنقطة واحدة حسب استبيان صحيفة نيويورك تايمز.
ثمة من الخبراء من لا يرى في قفزة هاريس أكثر من رد فعل على أدائها البارع في المناظرة قياسا بأداء ترامب الذي خيب آمال الجمهوريين من كارل روف إلى السناتور لاندسي غراهام المقرب من ترامب وأحد كبار المروجين لحملته، والذي لم يخف غيظه من هذا الأخير لأنه "فوّت فرصة" مؤاتية، كما قال. وحسب هؤلاء، فإنه كما تبخر الزخم الذي كسبته هاريس من مؤتمر حزبها (19 أغسطس/آب الفائت) والذي كان بمقدار ثلاث نقاط تقريباً، سوف تتبخر قوة الدفع التي حققتها من المناظرة.
لكن المعطيات تغيرت، والمدة الفاصلة صارت ضاغطة، والمتبقي 54 يوما فقط. والناخبون عموماً حسموا أمرهم أو على الأقل تموضعوا باتجاه الحسم. ثم ازداد تدفق التبرعات على صندوق حملة هاريس حيث بلغ 47 مليون دولار في يوم واحد. وما لا يقل أهمية أن نزوح قيادات ومسؤولين سابقين في صفوف الجمهوريين ما زال يتواصل باتجاه هاريس والإعلان عن تأييدها والعزم على التصويت لها.
آخر الذين انضموا إلى القافلة ألبرتو كونزولاس، وزير العدل السابق في إدارة جورج بوش الابن، والذي يرى أن انتخاب ترامب يشكل "خطراً على القانون" في أميركا. وهناك كلام عن نية دان كويل، نائب الرئيس بوش الأب، ليس فقط عدم التصويت لترامب بل تأييد هاريس أيضاً. وكان سبقهما في هذا التوجه صف طويل من رموز الجمهوريين يتقدمهم نائب الرئيس الأسبق ريتشارد تشايني. هذه الأسماء لها تأثير معنوي. وقد تحدث استجابة لدى قسم من المترددين والمحسوبين على الخط الجمهوري التقليدي غير الترامبي. يضاف إلى ذلك أن إعلان ترامب، الخميس، عن عدم رغبته في المشاركة في مناظرة أخرى مع هاريس، بعد أن كانت بعض قيادات الجمهوريين في الكونغرس (مثل السناتور غراهام) قد حثت ترامب على السعي لمناظرة أخرى تتيح له الفرصة لتعويض قصوره في الأولى. وبذلك بدا وكأنه تهرّب من مواجهة ثانية يخشى تبعاتها. وزاد موقفه هذا من البلبلة في صفوف الجمهوريين وبما قد يؤدي إلى استمرار نزوح المزيد من قدامى الجمهوريين باتجاه دعم هاريس.
على قاعدة هذه المعطيات وعند هذه المحطة من السباق، بدأت تطل التوقعات والترجيحات ولو أنه من المبكر الدخول في هذه اللعبة، خاصة أن المنافسة شبه متكافئة كما تعكس الأرقام. لكن بعض المشهود لهم بدقة حساباتهم الانتخابية كشفوا عن تقديراتهم.
أستاذ التاريخ في الجامعة الأميركية بواشنطن ألن ليكتمن، الذي اعتاد على إعلان ترجيحه في مثل هذا الوقت والذي لم يخطئ سوى مرة من عشرة، يقول إن هاريس تتجه نحو الفوز بالرئاسة. خبير آخر متمرس، وهو نات سيلفر، انتهى إلى ترجيح فوز ترامب بأصوات المجمع الانتخابي بنسبة 63% مقابل 37% لهاريس، في حين جاء في تقدير مركز"538" أن هاريس باتت في وضع يضمن لها 279 من أصوات المجمع البالغة 538 صوتاً. لغة الأرقام هذه ستتطغى على متابعة الانتخابات وحتى يوم الاستحقاق والتي تصح في معظم الحالات. لكن مهما كانت حساباتها دقيقة، يبقى الجواب القاطع في بطن الصندوق.