كشف مسؤول عراقي، أمس الإثنين، عن حراك جديد لحسم ملف آلاف العراقيين الموجودين في مخيم الهول السوري، بدفع وتشجيع من الولايات المتحدة الأميركية، يقضي بنقلهم إلى داخل العراق وتوزيعهم على مخيمات ضخمة بعيدة عن المدن، وتأسيس لجنة قضائية خاصة تتعلق بالمتورطين منهم في أعمال إرهابية، والعمل على تأهيل الأطفال والنساء من عائلات مسلحي التنظيم الذين قضوا خلال المعارك أو تم اعتقالهم داخل العراق أو في الجانب السوري.
يأتي ذلك بعد أيام قليلة من تصريحات لمستشار الأمن الوطني العراقي، قاسم الأعرجي، عقب لقائه السفير الأميركي في بغداد ماثيو تولر، حذر فيها من الأوضاع في مخيم الهول السوري، متحدثاً عن وجود 20 ألف طفل عراقي داخل هذا المخيم، معتبراً أن هؤلاء "سيصبحون دواعش ويشكلون خطراً على العراق والمنطقة، إن لم يتكاتف الجميع من أجل حلّ هذه المشكلة التي تهدد أمن العراق والمنطقة". ويشهد المخيم جرائم قتل متكررة، كثير من ضحاياها عراقيون، ويُعتقد أن خلايا متطرفة داخل المخيم تتبع لتنظيم "داعش" تقف وراء تلك الجرائم.
توجه لإعادة العراقيين من المخيم بعد تجهيز مخيمات خاصة لهم في صحراء الأنبار وبادية نينوى
وتعقيباً على هذه التصريحات، قال مسؤول عراقي في مستشارية الأمن الوطني، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن هناك حراكاً جدياً من أجل حسم مصير العراقيين الموجودين في مخيم الهول، والسيناريو الحالي هو إعادتهم إلى العراق بعد تجهيز مخيمات خاصة لهم في صحراء الأنبار وبادية نينوى، وقد يتم اختيار مناطق أخرى أيضاً، إذ لن يتم تجميعهم في مكان واحد بسبب عددهم الكبير. وأضاف أن هناك ضغوطاً من الأمم المتحدة والجانب الأميركي من أجل أن يستعيد العراق مواطنيه على غرار ما فعلته دول أخرى، كون العراقيين في مخيم الهول الأكبر عدداً وهناك عبء يقع على إدارة المخيم. كما أن بقاء المخيم على هذه الحالة يفاقم مشكلة التطرف والتكفير ليتحول الأطفال إلى مشكلة أخرى كبيرة.
وكشف المسؤول عن زيارة غير معلنة أجراها مسؤولون عراقيون أمنيون إلى مخيم الهول السوري قبل أيام من أجل الاطلاع عن قرب على الأوضاع هناك وعلى عدد العراقيين الموجودين في المخيم من نساء ورجال وأطفال وفَهم الملف كاملاً لرسم تصور رسمي عن كيفية التعامل معهم، خصوصاً أن هناك مطلوبين للقضاء وسيعادون للعراق لتتم محاكمتهم، في الوقت الذي سيُنقل فيه أسر مسلحي التنظيم إلى مخيمات، مضيفاً "كما أن هناك أسراً أخرى لا علاقة لها بداعش لكن انتقلت إلى سورية خلال فترة استباحة الحدود، ومنها من كان يقصد اللجوء إلى تركيا في ما بعد، وأخرى انتقلت هرباً من المعارك، كما تفيد التحقيقات معها".
وتابع المسؤول أن إيقاف بناء مخيم العملة في نينوى العام الماضي، والذي كان مقرراً أن يكون مكان استقبال لسكان مخيم الهول، حصل لأسباب أمنية ولقربه من المناطق السكنية في بلدة زمار، والتوجه حالياً هو لبناء مخيمات بعيدة عن المدن، مؤكداً أن "لا مفر من قبول العراق استقبال العراقيين الموجودين هناك في كل الأحوال".
وكشف مدير ناحية زمار التابعة إلى محافظة نينوى، أحمد جعفر، في تصريحات صحافية لوسائل إعلام محلية عراقية في وقت سابق، أن "الحكومة العراقية قررت وقف خطط بناء مخيم في بلدة زمار شمال غرب الموصل، لنقل عائلات عراقية من مخيم الهول السوري إليه، بسبب اعتراضات من أهالي المنطقة". وهو ما يفسر التوجه العراقي الحالي في التوجه إلى تهيئة مخيمات بعيدة عن المدن مثل صحراء الأنبار وبادية نينوى.
وشهد العامان الماضيان مباحثات برعاية الأمم المتحدة بشأن مصير عائلات "داعش" وضرورة إعادتها إلى العراق، وتم الاتفاق على بناء مخيم لاستقبالها، وبدء برنامج بدعم دولي وأممي لإعادة تأهيل الأطفال والنساء، وخصوصاً المتأثرين منهم بالأفكار المتطرفة. لكن على مدار الأشهر الماضية شنّت أطراف سياسية وفصائل مسلّحة حملة ضغط على الحكومة لوقف المخطط، ما أدى إلى وقف أعمال إنشاء المخيم قرب بلدة زمار، وذلك بالتوازي مع اعتراضات الأهالي.
في السياق ذاته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي عباس سروط، لـ"العربي الجديد"، إن حكومة مصطفى الكاظمي "بدأت فعلاً إجراءات تجاه ملف عراقيي مخيم الهول، لكن لغاية الآن لم يتم حسم مكان نقل هؤلاء، أما الإرهابيون منهم فسيتم نقلهم إلى السجون بشكل مباشر من أجل محاكمتهم". وأضاف سروط أن هناك خطة أمنية لتأمين المخيمات التي سيتم نقل عراقيي الهول إليه، لمنع أي تسلل أو فرار منها، أو حتى حدوث عمليات قتل داخلها كما يجري الآن في مخيم الهول بين حين وآخر. وأضاف أن "العراق يعمل على هذا الأمر بالتعاون مع الأمم المتحدة، كما تم وضع خطط لإعادة تأهيل أطفال وصبيان عوائل تنظيم داعش من أجل محو الفكر الإرهابي من عقولهم وحتى لا يكون هؤلاء إرهابيين جاهزين عند كبرهم، لكن هذا الأمر يتطلب وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً، ولهذا هناك تعاون أممي ودولي في هذا المجال مع الحكومة العراقية".
نائب عن "دولة القانون": نقل هؤلاء إلى العراق فيه خطورة حقيقية وهم عبارة عن قنبلة موقوتة
مقابل ذلك، قال عضو "ائتلاف دولة القانون"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، النائب كاطع الركابي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن لديهم "مخاوف حقيقية من تصرف الحكومة تجاه ملف مخيم الهول، لأن نقلهم إلى العراق ستكون فيه خطورة حقيقية وهم فعلاً عبارة عن قنبلة موقوتة". واعتبر الركابي أن "على الحكومة العراقية أن تتعامل بشكل دقيق مع هذا الملف الخطير بعيداً عن أي ضغوط خارجية، فهذا الأمر يتعلق بأمن العراق واستقراره، كما يجب وضع مخيمات مؤمنة بشكل كبير وتكون بعيدة جداً عن المدن إذا أقدمت بغداد على نقل العراقيين في مخيم الهول إلى الأراضي العراقية".
وحول ذلك، كشف الخبير في الشأن الأمني العراقي، فاضل أبو رغيف، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، عن وجود "حوار وحراك حول العراقيين الموجودين في مخيم الهول السوري بهدف حسم هذا الملف"، موضحاً أن المخيم "يعتبر معضلة كبيرة تواجهها الحكومة العراقية، كما هناك معضلة أخطر وهي سجن قسد الذي يضم قيادات وشخصيات بارزة في تنظيم داعش، وتسلّم العراق في وقت سابق قسماً منهم". ورأى أبو رغيف أن "العراق لديه قدرة على إعادتهم إلى العراق وتشييد مخيمات لهم، لكن ليس على دفعة واحدة، بل من خلال عدة دفعات، سواء أسر مسلحي داعش، أو الإرهابيين في سجون قسد"، متحدثاً عن وجود التزام عراقي بتسلم مواطنيه الموجودين في سورية وإعادتهم، وبالتالي الاستعداد موجود والنوايا الجادة موجودة لعمل كهذا خلال الفترة المقبلة.