مع عودة آخر جندي من القوات المسلحة الألمانية العاملة منذ نحو عشرين عاماً ضمن مهمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في أفغانستان، أمس الأربعاء، يسود نقاش مفتوح حول جدوى المخاطرة بعناصر "البوندسفير"، في ظل دعوات بعدم تكرار أخطاء الماضي.
وينتشر الجيش الألماني في مهمات خارجية بكل من غرب إفريقيا والشرق الأوسط وشرقي أوروبا، وأعلنت وزيرة الدفاع، انغريت كرامب كارنباور، أخيراً أن الجيش أتم مهمته في أفغانستان، وبأن الفرصة سنحت لجيل كامل أن يكبر في ظل ظروف أفضل. ومقابل ذلك، برزت دعوات بأهمية استخلاص العبر، والعمل على تحديد الأهداف السياسية الواقعية من منطلق أن المهمات الخارجية أضحت أكثر خطورة وإثارة للجدل، وبأغلبيتها لم تحقق الكثير.
ورغم اعتراف وزيرة الدفاع أنه قد كان هناك انطباع خاطئ بإمكانية أن تتحول أفغانستان، وبسرعة إلى دولة على غرار النموذج الأوروبي، وبضرورة عدم تكرار الخطأ في مهمات البعثات الدولية، ذهبت مفوضة القوات المسلحة، إيفا هوغل، إلى أبعد من ذلك، معتبرة في تصريح لها أنه مع انتهاء ما يقرب عقدين من الزمن على التواجد العسكري الألماني بأفغانستان، فقد بات من المهم تعلم الدروس من أخطر انتشار لـ"البوندسفير".
ودعت إلى أن تكون عمليات الانتشار المستقبلية أكثر دقة ووضوحاً، بحيث يستطيع أن يعرف كل جندي سبب وجوده في المهمات، ودوره، وما تريد بلاده تحقيقه، من دون أن تغفل الإشارة في حديثها مع شبكة "ايه ار دي"، إلى أن الهدف كان ألا ينطلق الإرهاب الدولي من أفغانستان، وتعزيز الديمقراطية وسيادة القانون لكل الناس، وفقاً لفكرة ألمانيا عن الحرية والسلام. وشددت بالقول إن "هذا الهدف بالتأكيد لم يتحقق".
وفي الإطار نفسه، أكد عضو حزب "الخضر" فينفريد ناختفاي هذا الواقع، موضحاً بأن هذه الأهداف بالتحديد لم يتم صياغتها بوضوح، ولم يجر التحقق من إنجازها أبداً خلال مهمة جيش بلاده بأفغانستان. وأوضح في تصريح له أن "مصطلح الحرب لم يخطر ببال الحكومة الاتحادية حتى ربيع 2010 رغم أن الجنود كانوا يشاركون في القتال كل يوم تقريباً".
وبحسب ناختفاي فإن المسؤولين عن بناء قوات الشرطة استطاعوا في العام 2003 تكوين 12 ضابطاً أفغانياً فقط، وفي العام 2006 وصل عددهم إلى 40، وهذه النتيجة ضعيفة، حسب اعتقاده. وأبرز ناختفاي، العضو السابق في البرلمان، والذي يعرف كابول جيداً، أن المجتمع الدولي فشل فشلا ذريعا في الهدف الاستراتيجي المتمثل في ضمان الأمن في البلاد، بالنظر الى تقدم حركة "طالبان" من ناحية، وتسلح أمراء الحرب القدامى من ناحية أخرى. وحذر من أن الدلائل تشير الآن إلى حرب أهلية وشيكة بأفغانستان، معتبراً أن الانتكاسات تهدد بنسف ما تم تحقيقه من نجاحات.
وكانت وزيرة الدفاع قد تعهدت بتقديم المزيد من الدعم والوقوف إلى جانب الحكومة الأفغانية، حتى بعد انسحاب القوات الدولية، كمواصلة تقديم الدعم المدني، إضافة إلى تعهدها بنقل حوالي 350 من الموظفين المحليين مع عائلاتهم إلى برلين، الذين كانوا يساعدون الجيش الألماني منذ العام 2013.
وما يزال 1895 جندياً ألمانياً يشاركون في مهمات خارجية في 11 بعثة بمناطق مختلفة بالعالم، بينهم 996 جندياً ضمن بعثة "مينوسما" التابعة للأمم المتحدة، التي تدعم عملية السلام في الدول الواقعة في غرب أفريقيا، حيث تنشط الجماعات الإرهابية منذ سنوات، كما وفي مهمة التدريب الأوروبية هناك. ويشارك الجيش الألماني في سورية والعراق بوحدة مؤلفة من 233 جندياً، وتوكل إليهم مهام المراقبة الجوية والتدريب الإداري، وهي جزء من المساهمة الألمانية في محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي ضمن التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
وفي البحر المتوسط يشارك الجيش الألماني في عملية "ايريني" لمراقبة حظر الأسلحة وتهريب النفط الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا، من ضمن أهداف القوة الألمانية المكونة من 455 جندياً.
وفي لبنان يتواجد 128 جندياً ضمن مهمة "يونيفيل" لتأمين الحماية للمياه الإقليمية اللبنانية، ومنع التهريب والمساهمة في استقرار المنطقة. علاوة على ذلك، يساهم "البوندسفير" بقوة مؤلفة من 64 جندياً في كوسوفو، كجزء من قوة "كفور" الدولية بقيادة حلف شمال الأطلسي. ويتواجد عناصر في منطقة القرن الأفريقي في مهمة مشاة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي "أتلانتا" التي تهدف لوقف القرصنة وحماية قوافل برنامج الغذاء العالمي المتجهة إلى الصومال.
وفي جنوب السودان يشارك الجيش في مهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة "أونميس" وعددهم 13 جندياً. وفي الصحراء يشارك الجيش منذ العام 2013 في البعثة الأممية "مينورسو" لمراقبة وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة "البوليساريو" الانفصالية، وعددهم ثلاثة مراقبين. أما في اليمن، فيشارك منذ العام 2019 جندي واحد ضمن بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، والمكلفة بمراقبة وقف إطلاق النار بين الحكومة وجماعة الحوثيين المدعومة من إيران.