بعد الخسارة التاريخية لانتخابات "البوندستاغ".. التشرذم والاتهامات تعصف بحزب ميركل

10 أكتوبر 2021
الحزب المسيحي الديمقراطي يعيش وضعاً متأزماً (Getty)
+ الخط -

مع انطلاق المحادثات التمهيدية بين أحزاب الاشتراكي الديمقراطي والخضر والليبرالي الحر في ألمانيا لتشكيل ائتلاف "إشارات المرور" الحكومي، يبدو أن تداعيات النتائج الانتخابية الكارثية على حزب المستشارة أنجيلا ميركل، المسيحي الديمقراطي، تتوالى، مع بروز المطالبات باستقالة كاملة لهيئة الرئاسة في الحزب وإظهار الشجاعة للمغامرة بوجوه جديدة لإعادة تنظيمه. 

وما زالت قيادة المسيحي الديمقراطي تمني النفس بفشل المباحثات بين الأطراف الثلاثة، التي حسنت أرقامها خلال انتخابات "البوندستاغ" (البرلمان الألماني) التي انعقدت في 26 سبتمبر/أيلول الماضي، وعودة الخضر والليبرالي الحر للتفاوض معها على تشكيل تحالف "جامايكا" الحكومي بقيادة مرشح الاتحاد المسيحي المحتمل لمنصب المستشار أرمين لاشيت، والذي يحافظ على انفتاحه على أي تفاوض مع الحزبين الصغيرين الليبرالي والخضر.

وأمام ما تقدم، فإن الوضع المتأزم والنكسة التي ألمت بحزب ميركل، سيلعبان دوراً سلبيا مع توالي الاتهامات والتصريحات ضد زعيمه لاشيت، وتحميله مسؤولية الفشل الذي لحق بالحزب رغم اعتداله وسياسته الواضحة، لأن نشاطه وأدائه كانا خلال الحملة ضعيفين، وتُرجما بتراجع أرقام حزبه في الانتخابات على مساحة البلاد، وحل ثانيا خلف الاشتراكي بنسبة لم تتجاوز 25% من الأصوات، أي بخسارة أكثر من خمس نقاط عن انتخابات 2017، مقابل تعزيز باقي الأحزاب حضورها على حسابه.

ومن اللافت أيضاً، الطعنة وخيبة الأمل التي تعرض لها لاشيت أخيراً من زعيم الحزب الشقيق الاجتماعي المسيحي في بافاريا ماركوس زودر، الذي قال إن قرار الليبرالي الحر والخضر بإجراء محادثات ثلاثية مع الاشتراكي هي رفض فعلي لتحالف "جامايكا"، وقرار أولي لتحالف "إشارات المرور"، حتى إنه طالب بتقصير المدة المتبقية لرئيس المسيحي الديمقراطي لاشيت.

 ووصفت بعض الأوساط  زودر بمخرب "جامايكا"، وعرضته لجملة من الانتقادات ومن أنه لم يعد لديه اهتمام بمساندة لاشيت للوصول إلى المستشارية، مع العلم أن الهوة ما زالت كبيرة، والتحالف ما زال نظريا بين الأحزاب الثلاثة التي ستعود وتلتقي غداً الاثنين في جولة ثانية من المشاورات الاستكشافية، والأهم أن التباعد فيما بينهم كبير في الملف المالي والضريبي، وهو ركيزة أساسية لأي تحالف حكومي مقبل في بلد يعتبر قاطرة اقتصادية لأوروبا.

تصريحات زودر استدعت رداً قاسياً من السياسي المخضرم عن المسيحي الديمقراطي فريدريش ميرز، الذي يبدو أنه يتحضر لخوض معركة المنافسة على خلافة لاشيت في زعامة الحزب عند تنحيه، وكتب أن "العام 2021 يمثل نقطة منخفضة في تعاوننا بعضنا مع بعض .. ولا يتعين علينا أن نكون جميعا مقتنعين تماما بكل قرار في جميع الأوقات، تماما كما حصل قبل أسابيع من الانتخابات". 

ومع الإمعان في عملية التشرذم والاختلافات داخل الاتحاد المسيحي، ستكون فرص تحالف "جامايكا" في تراجع وبعيدة المنال نسبياً، والليبراليون، الذين أعلنوا خلال الحملة الانتخابية أن توجهاتهم تقوم أولا على تحالف حكومي مع الاتحاد المسيحي، سيفتقدون ربما شريكهم المفضل والمحتمل من خلال العودة للتفاوض معه مع انتشار الفوضى والتجاذبات في صفوفه، وربما سيكون مضطرا لأن يقع في قبضة الاشتراكي والخضر بعدما لم يتبق له سوى تحالف "إشارات المرور".

وفي خضم ذلك، يناقش المجلس التنفيذي للحزب العريق غداً الاثنين كيفية المضي قدما بعد كارثة الانتخابات، وبحسب صحيفة "هاندلسبلات"، فإنه أصبح من الواضح أنه سيكون هناك استبيان أعضاء رسمي وغير ملزم قانونا. وذكرت نائبة رئيس كتلة الحزب البرلمانية للاتحاد المسيحي غيتا كونيمان، للصحيفة ذاتها، أن القيادة من دون قاعدة عريضة محكوم عليها بالفشل، والحزب يستمد قوته من أعضائه، والذين شعر جزء منهم أنهم لم يعودوا يشاركون بشكل كاف في القرارات، وعليه، فإن المطلوب اختيار قيادة الحزب من الأعضاء، وليس من المندوبين.

وفي السياق نفسه، بينت التعليقات أن الاتحاد المسيحي أمام مفترق طرق، ومن غير المعقول تجاهل اقتراح مشاركة الأعضاء في انتخاب قيادة الحزب، والتصويت عبر الإنترنت أو في مكاتب المناطق، وهذا أمر أساسي بعد أن تبين أن هناك أسبابا عديدة للهزيمة الانتخابية التاريخية التي حلت بحزب الشعب، وبات الحزب في الوقت الراهن يحتاج إلى إشارة واضحة لبداية جديدة بمشاركة القاعدة الحزبية.

كل ذلك، بعد أن يتمكن الزعيم المقبل للحزب من المطالبة بالدعم المناسب، وبالتالي إنهاء الصراع على السلطة المستمر منذ العام 2018، أي منذ انسحاب المستشارة أنجيلا ميركل من زعامة الحزب بفعل المحاولات الدائمة مرارا وتكررا لإضعاف الزعيم المنتخب، وهو ما دفع الزعيمة أنغريت كرامب كارمباور، التي تسلمت القيادة بعد ميركل، للاستسلام بعد مرور عام على تسلمها المنصب، ومن المرجح أن أرمين لاشيت سيلقى المصير نفسه.

 ومع تضاؤل فرص تحالف "جامايكا"، يُطرح سؤال عما إذا كان المسيحي الديمقراطي لا تزال بإمكانه إدارة عملية انتقالية منظمة لتحديد الشخصية التي ستتزعمه، حيث يصار إلى تبادل بعض الأسماء التي تحاول تعبيد الطريق لاستكشاف فرصها الحقيقية في زعامة الحزب العريق، من أهمها فريدريش ميرز العائد بقوة إلى الساحة السياسية بعد أن كان خسر أمام لاشيت في انتخابات زعامة الحزب، إلى مسؤول السياسة الخارجية في الحزب نوربرت روتغن ووزير الصحة الاتحادي ينس شبان.

تجدر الإشارة إلى أن كارنبور أعلنت أمس السبت، مع وزير الاقتصاد بيتر ألتماير، التخلي عن نيابتهما الجديدة لصالح أول الخاسرين في دائرتيهما الانتخابيتين، وهما من جيل الشباب في حزبهما.

المساهمون