بريطانيا: رغبة متصاعدة لدى "المحافظين" بتنحي تراس عن رئاسة الحكومة

18 أكتوبر 2022
استطلاع للرأي: 70 بالمائة من البريطانيين غير موافقين على أداء الحكومة الحالية (Getty)
+ الخط -

"في المنصب وليس في السلطة"، "رئيسة الحكومة الشبح"، "هانت يمزّق خطط تراس في تحوّل مذهل في الضرائب"، "مستقبل تراس على حافة السكّين بعد أن مزّق هانت استراتيجيتها الاقتصادية"، "وفاة الخطة الاقتصادية لتراس"، "هانت يتولّى مهام رئيس الحكومة"، "ليز تراس مهانة"، هذه عناوين كبريات الصحف البريطانية لهذا الصباح، بعد يوم حافل عاشته رئيسة الحكومة ليز تراس أمس الإثنين.

وكان متوقّعاً لبداية الأسبوع هذه أن تكون الأصعب بالنسبة لتراس منذ وصولها "الإشكالي" إلى "داونينغ ستريت"، لكن ما لم يكن متوقّعاً هو ظهورها في ختام اليوم على محطة "بي بي سي"، لتعتذر من البريطانيين عما ارتكبت من أخطاء.

وسبق لرئيس الحكومة السابق بوريس جونسون أن اعتذر أيضاً بداية العام الجاري عما ارتكبه من أخطاء، وتلك الاعتذارات المتكرّرة التي أطلقها في إحدى جلسات المساءلة الشهيرة في مجلس العموم، انتشلته لبعض الوقت من المآزق التي يعيشها، وأنقذته في التصويت على حجب الثقة. إلا أن التوقّعات تشير إلى أن الاعتذار الذي نطقت به تراس أخيراً، لن يكون وقعه مماثلاً، هي المتّهمة بالتحوّل الجذري في استراتيجيتها الاقتصادية، وفي مصداقيتها وفي سلطتها الفعلية.

وأظهر استطلاع للرأي نشرته شركة "يوغوف" أن 70 بالمائة من البريطانيين غير موافقين على أداء الحكومة الحالية مقابل 13 بالمائة فقط. بينما كانت تشير الأرقام في شهر مارس/ آذار من العام الجاري أي عندما كان جونسون في منصبه، وكان متّهماً بالتحايل والكذب وخرق القانون، إلى أن 57 بالمائة من البريطانيين لم يكونوا مؤيّدين للحكومة مقابل 23 بالمائة من المؤيدين.

أما استطلاع الرأي الذي نشرته صحيفة "ذا تليغراف" هذا الصباح فيشير إلى أن 60 بالمائة من أعضاء "حزب المحافظين" سيصوّتون لوزير المالية السابق ريشي سوناك، والذي خسر السباق إلى الزعامة في سبتمبر/ أيلول الماضي، لو أجريت المنافسة اليوم، مقابل 40 بالمائة من الأصوات لتراس. وتم إجراء هذا الاستطلاع بحسب الصحيفة عقب إقالة تراس للمستشار السابق كواسي كوارتنغ، وبعد أن ألغت خفض ضريبة الشركات يوم الجمعة.

 يُذكر أن تراس فازت في الخامس من سبتمبر/ أيلول على منافسها بفارق لا يعتبر كبيراً، إذ حصلت على 57 بالمائة من الأصوات مقابل 42 بالمائة حصل عليها سوناك. كما وجد الاستطلاع أن 16 بالمائة فقط من أعضاء الحزب وجدوا أن أداء تراس كان جيداً في منصبها كرئيسة للحكومة.

لقاء تراس على "بي بي سي" الذي استغرق ربع ساعة لم يحمل جديداً سوى الاعتذار والتمسّك بالسياسات الخاطئة

وكان مذيع الـ"بي بي سي" كريس ماسون، قد سأل تراس عن منافسها وزميلها في الحزب ريشي سوناك وعن خططه الاقتصادية التي رفضتها بشكل حاسم خلال الحملة الانتخابية، إلا أن الأمر انتهى بها إلى التحوّل في الاستراتيجية وإعادة تبنّي تلك الخطط ذاتها التي عارضتها ذلك الحين.

 واكتفت تراس بالقول بارتباك، إنها ماتزال متمسّكة بخططها السابقة المتعلقة بتخفيض الضرائب، لكنها تعترف أن تلك الخطط لم تنجح في الإحاطة بالأزمة الاقتصادية. واعتذرت رئيسة الوزراء خلال اللقاء ثلاث مرات وذكرت عبارة "الاستقرار الاقتصادي" ست مرات و"الأزمة الاقتصادية العالمية" أربع مرات.

اللقاء الذي استغرق ربع ساعة لم يحمل جديداً سوى الاعتذار والتمسّك بالسياسات الخاطئة، حتى لو أن الواقع أثبت باعتراف رئيسة الحكومة، أنها سياسات خاطئة وغير مجدية ولم تساهم إلا بتفاقم الأزمة.

رغبة متصاعدة في تنحي تراس

 وقالت مصادر قريبة من "حزب المحافظين" لـ"لعربي الجديد"، إن تراس اجتمعت أمس برئيس لجنة 1922 غراهام برادي في لقاء رُتّب له مسبقاً، وإن الأخير أطلعها على رغبة متصاعدة في صفوف الحزب في تنحّيها، وإن رسائل حجب الثقة موجودة فعلاً. وترجّح تلك المصادر، التي فضلت عدم ذكر اسمها، أن يكون اعتذار تراس قد جاء على خلفية ذلك اللقاء واستجابة لرغبة المؤثرين من المحافظين.

وكما غابت تراس عن الأنظار على أعتاب الأيام الأخيرة للسباق إلى "داونينغ ستريت"، اختفت أمس في لحظة مفصلية، كان مجلس العموم يغلي فيها على وقع الجدالات بين الحكومة ومعارضيها. وكانت رئيسة مجلس العموم بيني موردونت قد نابت عن تراس في الجزء الأول من الجلسة في مواجهة زعيم حزب العمال كير ستارمر وآخرين من الأحزاب المعارضة، مكرّرة اعتذارها هي الأخرى عن غياب تراس "لأمر ضروري جداً". ثم حضرت تراس مع وزير المالية الجديد المستشار جيريمي هانت لكنها جلست بصمت مشيحة بنظرها عن الكاميرا التي تحاول التقاط ارتباكها وتخبّطها وخوفها أيضاً. وما كان من هانت إلا أن أعلن عن الميزانية التي كان من المفترض أن يعلن عنها نهاية الشهر الجاري، "ممزّقاً" على حدّ تعبير الصحف والمراقبين الاستراتيجية الاقتصادية التي أعلنت عنها خلال حملتها الانتخابية، ولاتزال متمسّكة بها حتى اللحظة.

ولم يستبعد هانت المزيد من الضرائب غير المتوقعة على شركات الطاقة، وفرض تغييرات على نظام التأمين الثلاثي للمعاشات التقاعدية، إضافة إلى تقليص حزمة الدعم التي أعلنت عنها تراس سابقاً لمساعدة الأسر في تحمّل تكاليف الطاقة المرتفعة.

عُرفت تراس في حياتها المهنية وفي التجارب السياسية والحزبية التي خاضتها بالتراجع السريع والمذهل عن المواقف والآراء وبالتحوّل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. إلا أن التحوّلات السابقة كالموقف من الملكية ومن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لم تكن لها آثار مدوية ولا موجعة ولا مصيرية في مستقبل بلاد ومصير الملايين. اليوم، تبدو هذه التحولات أكثر خطورة في حين أن الاعتذار وحده لا يكفي للحدّ من آثارها السلبية على الاقتصاد وعلى مستقبل الحزب السياسي.

المساهمون