سيجتمع اليوم الثلاثاء زعيم حزب العمال البريطاني المعارض، كير ستارمر، برؤساء المجالس الجدد وعددهم 22 إلى جانب كبار أعضاء حكومة الظلّ، لمناقشة كيفية تحويل الانتصار "التاريخي"، الذي عاشه الحزب قبل أيام في الانتخابات المحلية، إلى "خطط مستقبلية" تؤهله للفوز في الانتخابات العامة المقبلة بعد عام ونصف العام على أبعد تقدير.
وكان حزب العمال انتزع في الرابع من مايو/أيار الجاري ستة مجالس جديدة من خصمه حزب المحافظين الحاكم، متغلباً عليه للمرة الأولى منذ انتخابات العام 1998، كما استعاد في مناطق "مفتاحية" أخرى سيطرته الكاملة، حيث حصل على 528 مقعداً ليصبح أكبر حزب في الحكومة المحلية منذ العام 2002، بينما خسر حزب المحافظين أكثر من 1000 مقعد.
ولما كانت أزمة غلاء المعيشة وانهيار القطاع الصحي وارتفاع أسعار الطاقة وعجز الحكومة عن تحقيق أي تقدم في هذه الملفات، هي الأسباب الأبرز لفقدان الحزب الحاكم شعبيته في مناطق نفوذه التقليدية، تعهّد رؤساء المجالس الجدد في حكومة الظل بتقديم خطط طارئة متعلقة بأزمة غلاء المعيشة في غضون 100 يوم من تولّيهم مناصبهم و"فرض ضرائب غير متوقعة" على عمالقة النفط والغاز بالإضافة إلى مراجعة سياسات الإسكان والتنمية المحلية.
ويأتي ذلك بعد أيام قليلة من التصريحات التي أطلقها ستارمر داعياً أعضاء حزبه للاستعداد لـ"دخول داونينغ ستريت"، معتبراً أن "الجزء الأصعب من هذا الانتصار التاريخي، مازال في انتظارنا".
من جهته، سيجتمع رئيس الحكومة البريطانية، ريشي سوناك، بأعضاء حكومته، اليوم الثلاثاء، للمرة الأولى بعد الخسارة الموجعة التي مُني بها الحزب الحاكم، وبعد أربعة أيام من الاحتفالات المرافقة لمراسم تتويج الملك تشارلز، حيث عاشت الحكومة "انفصالاً" عن الواقع لتعود اليوم لمواجهة إخفاقاتها وتردّي شعبية حزبها.
وعلى الرغم من النتائج الكارثية، أصرّ سوناك على "الاستمرار في تقديم المساعدة للبلد" مكرّراً الوعود التي أطلقها مع وصوله إلى الزعامة والمتعلقة بـ"خفض التضخم إلى النصف وتنمية الاقتصاد وتخفيض الديون ومعالجة قوائم الانتظار في القطاع الصحي وإيقاف عبور القوارب الصغيرة"، مع العلم أن كافة استطلاعات الرأي خلال السنة الفائتة تشير إلى أن قضية "القوارب والهجرة" لم تعد أولوية بالنسبة إلى الناخبين الغارقين في همومهم الاقتصادية.
أما زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، إد ديفي، والذي حصل حزبه على أكثر من 400 مقعد، فلوّح بتصويت على حجب الثقة عن حكومة المحافظين عندما يعود للبرلمان في وقت لاحق، مشيراً إلى أن "الناخبين فقدوا ثقتهم بسوناك وبحزبه" وأن نتائج الانتخابات المحلية تؤكّد ضرورة "إجراء انتخابات عامة الآن فوراً".
واتّهم ديفي زعيم المحافظين بالخوف من الخسارة، مما يجعله "متوجّساً من صناديق الاقتراع" ومن تقريب موعد الانتخابات العامة، وعلى الرغم من أن الحزب الليبرالي الديمقراطي غير قادر وحده على فرض "التصويت على حجب الثقة"، إلا أن الاقتراح بحدّ ذاته يحمل أبعاداً رمزية ويشكّل مزيداً من الضغوط على الحزب الحاكم والمنقسم أكثر من أي وقت مضى.
يبقى أن الفوز في الانتخابات العامة المقبلة ليس محسوماً بالنسبة إلى حزب العمال المعارض، خاصة وأن انتصارهم قبل أيام لم يكن مبنياً على إنجازاتهم وسياساتهم وخططهم البديلة، بل على إخفاقات الحزب الحاكم وفقدانه لشعبيته.
وتشير بيانات الانتخابات المحلية إلى أن حصة المحافظين انخفضت 19 نقطة عن الانتخابات العامة عام 2019 بينما حصيلة حزب العمال لم تتغير، أي أن الأمر الوحيد الذي تغيّر في المعادلة هو تراجع شعبية الحزب الحاكم، منذ 13 عاماً، واضمحلال مناطق نفوذه وانخفاض شعبيته، والبيانات نفسها تشير أيضاً إلى أن الدعم الذي يحظى به المحافظون انخفض منذ الانتخابات المحلية، العام الماضي، بمقدار أربع نقاط في حين أن مقدار الدعم لم يتغير بشكل ملحوظ بالنسبة لحكومة الظل.
ويبقى أيضاً أن نتائج الانتخابات، تنذر بالمزيد من الخطر على حكومة المحافظين وتصعّب مهمة الوصول إلى الانتخابات العامة المقبلة وسط الأزمة الاقتصادية الأسوأ منذ عقود. كما أن المسؤوليات التي يواجهها سوناك اليوم تبدو أكثر استحالة من السابق، فهو إضافة إلى العداء الذي واجهه به متشدّدو الحزب مع قدومه إلى "داونينغ ستريت"، يواجه اليوم "تمرّد" ملايين الناخبين عليه وعلى سياسات حكومته.
واعتبر موقع "بيت المحافظين" أن الوعود الخمسة التي أطلقها سوناك عند فوزه في الانتخابات الصيف الماضي "لم تعد كافية"، إذ أثبتت نتائج الانتخابات أن تلك التعهدات لم تحدث أي تأثير سياسي بمفردها وأن المطلوب اليوم هو "العودة إلى التقاليد المحافظة" وخفض الضرائب ومعالجة ملف الإسكان وتخفيض الديون ومواجهة البطالة ودعم القطاع الخاص والاستثمار في القطاع الصحي الذي يواجه انهياراً خطيراً.