خاض برلمانيون تونسيون في الولايات المتحدة الأميركية، أخيراً، حراكاً سياسياً وحقوقياً للضغط من أجل استعادة الديمقراطية في بلادهم، عقب إجراءات قيس سعيّد "الاستثنائية".
وفي 25 يوليو/تموز الماضي، فرض الرئيس التونسي قيس سعيّد إجراءات "استثنائية"، منها: تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة، وهي إجراءات وصفتها أحزاب وجهات حقوقية بأنّها "انقلاب".
وقال مساعد رئيس مجلس الشعب التونسي المكلّف بالإعلام والمتحدث باسم مكتب البرلمان ماهر المذيوب، في حديث مع "العربي الجديد" اليوم الجمعة، إنّ زيارة مجموعة نواب من كتل مختلفة إلى الولايات المتحدة الأميركية "كانت بدعوة رسمية من الاتحاد البرلماني الدولي، لحضور الاجتماع السنوي بين الاتحاد والأمم المتحدة، في نيويورك".
ولفت إلى أنّ "المشاركة بوفد يمثل مجلس نواب تونس تعني أنه لا يزال يحظى بالاعتراف والتقدير في جميع المحافل البرلمانية العربية والإقليمية والدولية".
وأجرى وفد نيابي، من ضمنه مساعد رئيس مجلس الشعب التونسي المكلف بالإعلام، زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأميركية، استمرت منذ 21 فبراير/شباط الماضي لغاية 3 مارس/آذار.
وشارك برلمانيون تونسيون في أشغال الاتحاد البرلماني الدولي، كما عقدوا لقاءات مناصرة مع شخصيات مؤثرة في الولايات المتحدة الأميركية.
وعن الزيارة، لفت المذيوب إلى أنه "كان لنا على هامشها لقاءات مباشرة مع السيناتور الأميركي توم مالينوفسكي، وزميله ديفيد برايس الذي يعد من أبرز النواب المخضرمين المهتمين بالمسألة الديمقراطية، ويرأس منظمة برلمانية أميركية تجمع نواباً من الديمقراطيين والجمهوريين للدفاع عن الديمقراطية".
وتابع "كما عقدنا لقاءات عن بعد مع مساعدي السيناتور كريس ميرفي، نظراً لأنّ الكونغرس كان في عطلة طيلة الأسبوع الأول من زيارتنا".
وأشار إلى أنّ "الزيارة تزامنت مع مسيرة حاشدة للجالية التونسية في الولايات المتحدة الأميركية أمام البيت الأبيض، ثم إلى سفارة تونس في واشنطن، للتعبير عن غضبها من الإجراءات الاستثنائية واللادستورية لقيس سعيّد".
وأضاف المذيوب لـ"العربي الجديد" "استقبلنا أيضاً نهاد عوض رئيس مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)، أكبر مؤسسة في أميركا للدفاع عن الحقوق المدنية وحريات المسلمين، تتميز بالصدقية والانتشار الواسع ولها 35 فرعاً في الولايات المتحدة الأميركية".
وبحسب المذيوب، فقد أصدرت منظمة "كير" بياناً عشية خطاب "الاتحاد" للرئيس جو بايدن، أبرزت فيه بوضوح رفضها وتنديدها بكافة أشكال القمع في تونس، كما نادت بعودة الديمقراطية.
وأضاف أنّ الوفد البرلماني "عقد لقاءات مع مجموعة من الباحثين والمختصين الأكاديميين والإعلاميين المختصين في الشأن التونسي".
وقال المذيوب إنّ "الإدارة الأميركية وأغلب أصحاب القرار في الولايات المتحدة تفطنوا منذ الأيام الأولى للخديعة والمناورة الخبيثة للانقلاب على الديمقراطية في تونس".
وتابع "اليوم يمكن أن نقول بكل ثقة إنّ أصحاب القرار في الإدارة الأميركية والمشرعين في الكونغرس والرأي العام ممثلاً في المنظمات المدنية والإعلام والجامعات، يعتقدون بأنّ تونس تعيش وضعاً استثنائياً يتميز بانقلاب كامل على الديمقراطية مع رئيس معزول تماماً عن الناس، وسط انعدام الحوار في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة".
وقال المذيوب "نحن كنواب شعب نعتقد جازمين بأنّ نضالنا السلمي المدني يقع في تونس لا خارجها، وأنّ الدعم العربي أو الإقليمي والدولي يتم عبر ضخ الاستثمارات وخلق فرص العمل، وأنّ تونس ستخرج من أزمتها من خلال الحوار الوطني لبناتها وأبنائها، وأنّ دعم أصدقائها من العالم الحر مهم ولكنه غير محدد".
في المقابل، قال الرئيس التونسي قيس سعيّد، خلال جلسة مجلس الوزراء أمس الخميس، إنّ "الحريات مضمونة على عكس ما يُتداول وما يُشاع في الخارج"، كما أنّ "القانون يطبّق على الجميع في إطار قضاء عادل".
وتابع: "يرتمون في أحضان عدد من القوى الخارجية، وبعد ذلك يقولون إنّهم يعملون من أجل تحقيق السيادة الوطنية".
ووجهت مجموعة شخصيات وسفراء أميركيون سابقون في تونس ودبلوماسيون وجامعيون رسالة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، لحثه على التحرك والتصدي لسياسات الرئيس سعيّد.
وانتقد أصحاب الرسالة غياب رد فعل أميركي قوي على ما وصفوه بـ"هجوم قيس سعيّد على الديمقراطية"، مطالبين بالعودة السريعة لهيئة تشريعية منتخبة وبإعادة الهيئات المستقلة، بما في ذلك المجلس الأعلى للقضاء والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وحماية التعددية السياسية وحرية التعبير التي أصبحت مهددة، وفق ما جاء في نص الرسالة.
وجاء في الرسالة "لسوء الحظ، نخشى أن يكون غياب رد فعل أميركي قوي على هجوم قيس سعيّد على الديمقراطية قد شجعه على المضي قدماً في طريقه المدمر".
وأضافت "نحث الآن إدارتكم على العمل من أجل استعادة الديمقراطية والضغط على الرئيس سعيّد لاتخاذ خطوات ملموسة لإعادة تونس إلى الحكم الديمقراطي. وكحافز، نوصي بأن تدعم إدارتكم الدعم الاقتصادي الإضافي لتونس فقط عند استكمال تلك الخطوات".
وتضمنت الرسالة أيضاً "يجب أن تشمل العودة السريعة لهيئة تشريعية منتخبة في كنف الحرية وإعادة الهيئات المستقلة، بما في ذلك المجلس الأعلى للقضاء والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وحماية التعددية السياسية وحرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير والإعلام".
وتابعت "يجب أن تنطبق هذه الشروط على جميع أشكال المساعدة الإضافية، بما في ذلك المساعدة الثنائية الجديدة وضمانات القروض، وميثاق مؤسسة تحدي الألفية ودعم القروض من المؤسسات المالية الدولية".
وذكرت أيضاً "نشجع إدارتك على العمل مع الكونغرس لربط المساعدة الأمنية الأميركية بإنهاء الحكومة التونسية محاكمات المدنيين في المحاكم العسكرية وضمان المساءلة الكاملة عن حالات وحشية تعاطي الشرطة".
وخلصت قائلة "يعود إنقاذ الديمقراطية في تونس في النهاية إلى التونسيين، لكن على الولايات المتحدة أن تفعل كل ما في وسعها للمساعدة، لحماية مصالح الولايات المتحدة ودعم القيم الديمقراطية".
وفي سياق متصل، قررت لجنة حقوق الإنسان بالاتحاد البرلماني الدولي، في دورتها الـ167، قبول شكوى عن النائب التونسي المعتقل تعسيفاً نور الدين البحيري، وطلبها مجدداً من السلطات التونسية لزيارة تونس للقيام ببعثة قصد الاستفسار عن وضع النواب وإجراء محادثات.