رغم بلوغه 86 عاما؛ يصرّ رئيس وزراء إيطاليا السابق سيلفيو برلسكوني على الوصول إلى منصب الرئاسة، مستخدماً "كل الوسائل" لإقناع الناس بأنه "رجل دولة"، وحتى يمحو صورة السياسي المثير للجدل ذي "السجل الحافل" بالمحاكمات القضائية والفضائح.
برلسكوني، الذي أثار الكثير من الضجيج السياسي والقضائي خلال ثلاث فترات من رئاسته للوزراء، حتى 2011، يتطلّع إلى رئاسة الدولة، واضعا الاستقرار السياسي للبلاد أمام المحك.
وستجري الانتخابات الرئاسية في إيطاليا في 24 يناير/كانون الثاني الحالي، وتعتمد على طريقة معقّدة نسبياً، إذ لا يتم الإعلان عن قائمة رسمية بالمرشحين، وإن كان الحديث يدور اليوم حول 12 مرشحاً للمنصب. في المقابل؛ فإن قائمة المصوتين محددة، وهي تضم النواب وأعضاء مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى ممثلي المناطق الإيطالية العشرين، أو ما مجموعه حوالى ألف شخص.
وتستمر العملية على 3 مراحل حتى حصول أحد المرشحين على أغلبية الثلثين لاختيار الرئيس الثالث عشر في تاريخ الجمهورية، خلفا للحالي سيرجيو ماتاريلا. وإذا لم يحسم المنصب في الجولات الثلاث؛ تقام جولة رابعة، تكون فيها الأغلبية البسيطة كافية لفوز المرشح بالرئاسة.
ويجري التصويت بالاقتراع السري، وقد أدى هذا الأمر مراراً في الماضي إلى مفاجآت؛ لأن بعض النواب لا يلتزمون تعليمات أحزابهم.
ورغم أن المنصب رمزي؛ فإنه يعتبر مرموقا في إيطاليا، إلى حد يثير شهية التنافس عليه بين رئيس الوزراء الحالي ماريو دراغي وبرلسكوني، المصرّ على تغيير صورته في ذاكرة الإيطاليين. فهو إلى جانب كونه قطبا تلفزيونيا ومقاول بناء؛ مدان بالاحتيال الضريبي، وما تزال الفضائح تلاحقه.
وللوصول إلى القصر الرئاسي، نشط برلسكوني خلال الفترة الأخيرة مدعوماً من حزبه "فورزا إيطاليا"، لاستعادة بعض بريق "المكر السياسي"، بكثير من الضجيج في الإعلام.
ضجيج برلسكوني في الأيام الأخيرة استهدف التأثير على المعنيين بالانتخابات الرئاسية، وفي الوقت نفسه محاولة الظهور بمظهر "الخبير" أكثر من الليبرالي دراغي، الذي استطاع الحكم من خلال حكومة ائتلافية بعد انهيار التحالف اليميني المتشدد في روما.
وسائل الإعلام الإيطالية، التي يملك برلكسوني علاقة طويلة معها، ركّزت أخيراً على "عجوز روما" وكأنه يخوض سباقاً انتخابياً كما كان يفعل في أيام بريقه. بعض الصحف اعتبرت أن برلسكوني يلعب لعبة استدعاء السياسيين من الأقاليم والبرلمان لإقناعهم بالتصويت له.
صحيفة "كورييري ديلا سيرا" وصفت حملة الرجل بـ"عملية السنجاب"، باعتباره يتجول سريعاً لجمع ما أمكنه من "مكسرات" لمصلحته يوم الانتخابات.
الخشية على الاستقرار السياسي
وفي أحدث تكتيكاته، لحشد الدعم لترشحه؛ هدد برلسكوني بسحب حزبه "فورزا إيطاليا" من الائتلاف الحاكم إذا ما انتخب دراغي.
وفي التهديد مشكلة لروما، التي عانت تاريخياً من عدم استقرار الحكم منذ 1946، وتعاقبت عليها عشرات الحكومات، ومنذ نحو عامين وهي تعيش شبه استقرار. وانسحاب "فورزا إيطاليا" يعني أيضاً أن حزب اليمين المتشدد "ليغا"، بزعامة وزير الداخلية السابق ماتيو سالفيني، سينسحب أملاً في انتخابات مبكرة لتحقيق نتائج أفضل.
تكتيك برلسكوني بدفع البلاد إلى انتخابات قبل موعدها يؤرق أيضاً البرلمانيين الذين يخشون خسارة مقاعدهم، وبالتالي قد يدفع ذلك بعضهم للتصويت لمصلحته، هذا عدا عن أن غياب الاستقرار الحكومي ليس في مصلحة روما، في خضم معركة الخروج من آثار كورونا، على مستوى البناء الاقتصادي والاجتماعي.
وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الحالي ماريو دراغي، الذي يطلق عليه محلياً لقب "سوبر ماريو"، حافظ على الاستقرار وحقق نجاحات، مستثمراً علاقاته الجيدة بالاتحاد الأوروبي؛ فإن إصراره هو الآخر على الوصول إلى الرئاسة يساهم في إمكانية تفكك الائتلاف الحاكم، بدل السير بثبات نحو انتخابات عام 2023، الأمر الذي قد يدفع البعض لتحميله مسؤولية تفكك الائتلاف.
حظوظ ومعارضة
قد يكون برلسكوني صاحب شعبية لدى طبقات معينة من الإيطاليين؛ لكنه أيضاً يجد معارضة في الشارع الذي يرفض أن يقود الدولة رجل مدان وصاحب تاريخ مثير للجدل في 30 دعوى قضائية، ومن بينها ما عُرف بحفلات "البونغا بونغا" الصاخبة بمشاركة شابات متعريات وعاملات في الجنس وهو في منصبه في آخر فتراته في رئاسة الوزراء بين 2008 و2011.
وتظاهر يوم 10 يناير/ كانون الثاني الحالي نحو 100 شخص في روما حاملين يافطة كتب عليها "القصر الرئاسي ليس بونغا بونغا".
وفي الأسبوع الأخير، أظهر استطلاع رأي أن أكثر من نصف الإيطاليين يعتبرون دراغي الأفضل للرئاسة، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الإيطالية "أنسا".
ورغم ذلك؛ ثمة مرشحون آخرون يمثلون حلاً وسطاً بين العجوز برلسكوني ودراغي، ومن بينهم وزيرة العدل مارتا كارتابيا، ومفوض الاتحاد الأوروبي ورئيس الوزراء الأسبق باولو جينتيلوني، والمتحدثة باسم مجلس الشيوخ إليزابيتا كاسيلاتي، وأسماء أخرى كثيرة تعدّ وازنة على الساحة السياسية الإيطالية.
ومن المثير أيضاً أن برلسكوني ما يزال مطلوباً للقضاء، ورفض المثول أمام محكمة في روما في سبتمبر/أيلول الماضي، بحجة أنه "مريض جداً"، بينما أظهرت محاولاته الدؤوبة للوصول إلى الرئاسة أنه في حالة صحية جيدة، رغم عمره المتقدم.
ولتأكيد أنه ما يزال يتمتع بصحة جيدة؛ ذهب العجوز برلسكوني إلى واحدة من مناكفاته التي تسببت له بمتاعب كثيرة، فقد نشر متعمداً على حسابه على "فيسبوك" صورة له مع صديقته مارتا فاسينا، البالغة من العمر 32 عاماً.