بدون حزب سياسي فاعل.. كيف تسلّم مصطفى الكاظمي أبرز منصبين في الدولة العراقية؟

23 أكتوبر 2022
يبقى السؤال حول تاريخ الكاظمي والمسار السياسي الذي اتخذه شائكاً إلى هذه اللحظة (Getty)
+ الخط -

رغم أن فترة حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي انتهت وتراجع سقف صلاحياتها مع تكليف القوى السياسية ضمن تحالف "الإطار التنسيقي" مرشحها محمد شياع السوداني لتشكيل الحكومة، إلا أن التساؤلات لم تنته عن سر وصول الكاظمي إلى مواقع مهمة في ظروف وتوقيتات صعبة، لا سيما أنه ترأس جهاز المخابرات العراقي عام 2016، خلال ذروة المعارك ضد تنظيم "داعش"، ثم رئيساً للحكومة في ظروف أصعب، وقتما اشتدت الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في معظم مدن وسط وجنوب العراق في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019.

إلا أنّ السؤال الأبرز الذي يطفو على السطح في الفترة الحالية، هو كيف وصل الكاظمي إلى هذين المنصبين من دون أن ينتمي إلى حزب سياسي فاعل كما جرت العادة في العراق؟

بالتزامن مع ترقب جلسة منح الثقة لحكومة السوداني وطي صفحة حكومة الكاظمي، يتصدر الجدل السياسي في العراق سؤال حول كسر الكاظمي (55 عاماً ويحمل شهادة بكالوريوس في القانون) قاعدة العمل السياسي في العراق حيال منصب رئيس الوزراء تحديداً، إذ جرت العادة على أن يتولى المنصب قيادات الصف الأول من الأحزاب السياسية الشيعية تحديداً، إلى جانب تسلمه منصب رئيس جهاز المخابرات، أهم جهاز أمني في العراق، قادماً من مهنة (صحافي وكاتب) بمواقع أجنبية مختلفة. 

وتعرض الرجل الذي تثار الأسئلة حوله لرفض كبير قبيل تكليفه بتشكيل الحكومة العراقية في إبريل/ نيسان 2020، من قبل الفصائل المسلحة والمليشيات الموالية لإيران التي كانت تتهمه باشتراكه بعملية اغتيال (قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس) بالغارة الأميركية على مطار بغداد الدولي، لكن سرعان ما ذاب هذا الاتهام وجرى تكليفه بحضور غير مسبوق من قادة الكتل السياسية، أبرزهم زعيم "تيار الحكمة" عمار الحكيم، وزعيم تحالف "الفتح" هادي العامري، وزعيم تحالف "عطاء" فالح الفياض، وزعيم تحالف "النصر" حيدر العبادي، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي ورئيس مجلس القضاء فائق زيدان.

ولا ينتمي مصطفى الكاظمي إلى أي حزب أو تيار سياسي في البلاد، بالرغم من حديثٍ يجرى بين فترة وأخرى عن دخوله بين صفوف حزب "الدعوة الإسلامية" مطلع تسعينيات القرن الماضي، وكان حينها في بريطانيا، لكن ذلك ما تنفيه مصادر قريبة منه، التي قالت، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الكاظمي تمكن من إنشاء علاقات جيدة مع جميع القوى والأحزاب الإسلامية المعارضة للنظام السابق (صدام حسين)، في المنافي، وإنه كان قريباً من بعضها بدرجة كبيرة، وكان أحد الصحافيين الذين يمارسون أدواراً متفرقة في دعم الحراك لإطاحة النظام السابق".

وبين أنّ "وصوله إلى مواقع مهمة في جهاز المخابرات، وتحديداً إدارة قسم (قيادة العمليات) ثم رئاسة الجهاز بالكامل، كان بدعمٍ من رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي، الذي تربطه بالكاظمي علاقة عائلية".

وأكملت المصادر، وهي تعمل مع الكاظمي قبل تسلمه منصب رئيس الحكومة، أنّ "اختيار الكاظمي رئيساً للحكومة في المرحلة الماضية، كان بدعمٍ من رئيس الجمهورية السابق برهم صالح، حتى إن سقوط منافسيه، مثل محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي، اعتبر أنها بدفع من برهم صالح لتكليف الكاظمي في النهاية"، مؤكدةً أن "اختيار الكاظمي لرئاسة الحكومة، كان لضرورة فرضتها الاحتجاجات العراقية، وقد قبلت به الأحزاب على مضض، وقد اتضح ذلك من خلال تخلي الأحزاب الداعمة له بعد شهرين تقريباً من تكليفه، وإلى هذه اللحظة هناك خلافات كبيرة معه". 

في هذا السياق، يقول عضو البرلمان العراقي باسم خشان إنّ "حكومة الكاظمي كانت حزبية، حتى وإن لم يكن هو متحزباً، فقد تقاسمت الأحزاب جميعها المناصب الوزارية وما دونها، بالتالي فإن الكاظمي تورط في المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية كما تورط الذين سبقوه في هذا المنصب".

وبالنسبة لمجيئه إلى السلطة، فقد بيَّن لـ"العربي الجديد" أن "المتعارف عليه أن رؤساء الوزراء في العراق يكونون من الكتل الشيعية الكبيرة والمعروفة، وبرغم أنه يدعي عدم الانتماء إلى أي منها، لكنه منسجم معها منذ تسلمه رئاسة جهاز المخابرات، ولديه علاقة نافذة مع الأحزاب التي دعمته".

وأضاف خشان أنّ "الأحزاب العراقية كان عليها أن تستكمل السير نحو التغيير في طريقة اختيار المسؤولين في المناصب الهامة، وبرغم فشل الكاظمي في إدارة كل الملفات التي تعهد بها للعراقيين، لكن تجربة اختيار رئيس الوزراء من خارج الدوائر الحزبية هي الفكرة الناجحة والتي يبحث عنها وينشدها العراقيون"، معتبراً أن "المحاصصة الحزبية والعلاقات العائلية والولاء للخارج، جميعها ستؤدي في النهاية إلى مقتل هذا النظام بالكامل".

من جهته، لفت المتحدث باسم حركة "وعي" حامد السيد إلى أن "الظروف التي وصل بها الكاظمي إلى الحكم لا تختلف عما سبقها من ظروف، حيث كان العراق بحالة استعصاء سياسي صاحب تظاهرات (تشرين)، لذلك وصل الكاظمي إلى السلطة بنفس الطريقة التي وصل بها عادل عبد المهدي الذي سبقه، عبر توافقات سياسية أدت في النهاية إلى الاتفاق على (مرشح تسوية)، وكان ذلك المرشح الكاظمي".

وأكد لـ"العربي الجديد" أن "القوى السياسية الشيعية هي التي شكلت ملامح حكومة الكاظمي واتفقت على أن تمضي بثوب الاستقلالية، رغم أنها في الحقيقة شهدت استحواذا كاملا عليها وعلى مقدراتها ومناصبها".

وأكمل السيد أن "حكومة الكاظمي لم تكن تمثل قوى (تشرين) والحراك الاحتجاجي المدني، بل كانت تمثل القوى السياسية النافذة وكانت جزءاً من الاحتيال وتخدير الشعب العراقي الغاضب، وعبر حكومة الكاظمي جرى تشتيت الاحتجاجات". 

واعتبر أن "حكومة الكاظمي فشلت في مكافحة المليشيات ونفوذ المسلحين وكسر إرادة الفاسدين، وفشلت في كشف ملامح قتلة المتظاهرين وتعقب "القناص" المجهول المعلوم للشعب العراقي، ولم تحقق الخدمة الحقيقية للشعب، حتى ملف الانتخابات فشلت فيه لأنها مررت بصفقة سياسية وقانونها جرت صياغته برغبة قوى سياسية نافذة". 

أما المحلل السياسي كتاب الميزان، فقد شرح لـ"العربي الجديد" آلية اختيار الكاظمي لرئاسة المخابرات، بالقول إنها "كانت "نتيجة للعلاقة العائلية بين صباح الكاظمي (شقيق مصطفى الكاظمي) مع رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، أما اختياره لرئاسة الحكومة فقد جاء بعد رفض عدنان الزرفي الذي كان على خلاف مع الفصائل المسلحة، لذلك فقد جرى القبول بالكاظمي على مضض"، لكن الميزان أقر بأن "الكاظمي تمكن من تقوض نفوذ الكتل السياسية والمليشيات نوعاً ما، وليس بشكل كامل، كما أنه نجح في ملف تطوير العراق مع محيطه العربي ودول الجوار والدول الغربية، لكنه لم ينجح في الملفات الداخلية".

مع كل هذه التصريحات، يبقى السؤال حول تاريخ الكاظمي، والمسار السياسي الذي اتخذه ليصل به إلى رئاسة الحكومة بعد مراحل ومناصب مهمة، شائكاً إلى هذه اللحظة. 

المساهمون