على الرغم من أن الرفض الغربي والروسي والإيراني للعملية العسكرية التي كانت أنقرة تهدد بشنّها في شمال شرقي سورية قد أدى إلى تجميدها، إلا أن إصرار تركيا على دحر المجموعات الكردية عن حدودها بحوالي 30 كيلومتراً، على طول الحدود، يدفع للبحث عن بدائل.
وكان يعوّل على الحوار الكردي - الكردي بين أحزاب الوحدة الوطنية الكردية التي يقودها "حزب الاتحاد الديمقراطي"، المتهم بكونه الذراع السورية لـ"حزب العمال الكردستاني" (تصنفه أنقرة إرهابياً) من جهة، والأحزاب المنضوية تحت راية "المجلس الوطني الكردي" المقرب من تركيا من جهة أخرى. وتركزت الآمال على أنه من الممكن أن يجد "توليفة" قد ترضي أنقرة، وذلك بالعودة إلى بعض الاتفاقات الموقعة بين الطرفين الكرديين، في أعوام سابقة، لا سيما "هولير1" (2012)، و"هولير 2" (2013)، ودهوك (2014). غير أن هذا الحوار الذي رعته واشنطن على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، أصيب بالتعثر.
وارتفع أخيراً منسوب التصعيد التركي في شمال شرقي سورية ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي يشكل الأكراد القوام الرئيسي لقياداتها. وقالت مصادر كردية مقربة من "الإدارة الذاتية" الكردية لشمال وشرق سورية، لـ"العربي الجديد"، إن التصعيد التركي ضد "قسد" يعود سببه إلى الفشل في التوصل إلى صيغة توافقية بين الطرفين الكرديين، لا سيما مع تعنّت "قسد" و"الاتحاد الديمقراطي" في فرض رؤيتهما للتوافق، من دون تقديم أي تنازل تفاوضي.
قوات "بشمركة روج آفا - سورية" بديلٌ ممكن
ولفتت المصادر إلى أن بعض القوى الكردية الموالية لـ"الاتحاد الديمقراطي"، وحتى إلى تيار داخل الحزب، باتت تؤيد إكمال الحوار، بما يفضي إلى إدارة تشاركية بصيغة مرضية لدول الجوار بدعم من واشنطن و"التحالف الدولي" بطبيعة الحال، وحكومة إقليم كردستان العراق، على أن يتضمن ذلك فتح خطوط شراكة سياسية واقتصادية مع مناطق سيطرة المعارضة السورية في شمال غربي سورية.
فشل الحوار الكردي، ومعه إيجاد "توليفة" لإرضاء تركيا
ورأت المصادر أن أحد السيناريوهات الأقرب للواقع، يذهب باتجاه انسحاب "قسد" من الشريط الحدودي مع تركيا، وإحلال قوات "بشمركة روج آفا - سورية" وأذرعها المدنية مكانها، مضيفة أن هذا السيناريو ربما تقبله تركيا على مضض حالياً، علماً أنه كان مقبولاً من أنقرة في أوقات سابقة.
و"بشمركة روج آفا - سورية"، هي الذراع العسكرية للمجلس الوطني الكردي، وتتخذ من إقليم كردستان العراق قاعدة لها، وشاركت البشمركة العراقية في المعارك ضد تنظيم "داعش" في العراق ضمن قوة مكافحة الإرهاب الكردية العراقية، المعروفة باسم "زيرفاني"، وحالياً تنتظم "بشمركة - روج آفا" ضمن هيكلها وتنظيمها.
لكن محمد موسى، سكرتير حزب "اليسار"، أحد أحزاب "الإدارة الذاتية"، يرى أنه "لا يوجد بديل ديمقراطي للإدارة الذاتية، ولا يوجد بديل للوضع القائم عموماً على المستوى السوري". ويؤكد موسى، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنهم في حزب "اليسار" يرون أن "الخيار الوحيد أمامهم في غرب كردستان (في إشارة إلى شمال شرقي سورية) هو تعزيز الجبهة الداخلية، من خلال مستويين، سياسي وشعبي أو جماهيري". ويشرح أنه "على المستوى السياسي، فإننا نعمل على تحقيق التفاهمات المطلوبة بين القوى السياسية عموماً".
ويلفت موسى إلى أن الحوار الكردي "لم يستطع الوصول إلى اتفاق أو إلى الحل المنشود شعبياً وسياسياً، ونحن نطالب باتفاق القوى الكردية، وبين كافة مكونات المجتمع السوري على مستوى شمال وشرق سورية، لمواجهة كافة المخاطر التي تحيط بهذه المنطقة".
وحول فرضية إحلال قوات "بشمركة - روج آفا" كبديل عن انتشار "العمال الكردستاني" و"قسد" في شمال شرقي سورية، يعتبر موسى أن هذا الطرح "لا يمكن قبوله بأي شكل"، مضيفاً أنه "إذا كان لحزب العمال دور معين في شمال وشرقي سورية، إلا أن الحراك المجتمعي والسياسي غير مقتصر على القريبين من العمال، بل يشمل كافة المكونات من عرب وكرد وسريان وآخرين". ويجزم بأن "ما تحقق بدماء أبناء وبنات شعبنا من مكاسب، متمسكون به من دون تفريط"، متحدثاً عن "استحالة الانتقال من جانب إلى آخر بمثل هذا الطرح لإرضاء تركيا". ويقول في هذا الشأن: "إن خياراتنا مختلفة وتتمثل في الدفاع، والآخرين عليهم فتح باب الحوار".
حظوظ العملية التركية والتوافقات المطلوبة
وهناك العديد من القوى والتيارات التي تنشط في شمال وشرق سورية، والتي تطرح نفسها كبديل للقوى المسيطرة، منها "جبهة السلام والحرية" التي يقودها الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري المعارض، أحمد الجربة، وتتشكل من خليط قومي متعدد (عربي، كردي، سرياني، تركماني). ويرى عماد برهو، المنسق الإعلامي لـ"جبهة السلام والحرية"، أن الجبهة بمكوناتها المتعددة "خير بديل ديمقراطي معتدل التوجهات ضمن المعارضة السورية، ورؤيتها للحل الشامل في سورية، وهي الممثل الحقيقي لأبناء مناطق شمال وشمال شرقي سورية، وبالتالي في حال حدوث فراغ مفاجئ للقوى المسيطرة حالياً على هذه المناطق، والمتمثلة في قسد، والإدارة الذاتية، فإنها بمثابة البديل الأفضل والأكثر قبولاً من قبل أبناء المنطقة، والدول الإقليمية والدولية".
وبالنسبة لإمكانية قيام تركيا بتنفيذ عملية عسكرية واسعة في مناطق سيطرة "قسد"، فهي بحسب برهو، تأتي ضمن اتفاقياتها الدولية مع روسيا والولايات المتحدة بشأن تشكيل منطقة آمنة على طول حدودها مع سورية على مسافة 30 كيلومتراً، مضيفاً أن "قوات قسد قد وقّعت عليها". ويرى أن "بدء تركيا شن عمليات نوعية داخل الأراضي السورية عبر طائرات مسيّرة، مؤشر واضح بأنها قد تلقت الضوء الأخضر، أو ربما غضّ الطرف عن تدخلها العسكري، وماضية في تنفيذ خطتها لإخراج قسد وكوادر حزب العمال الكردستاني من المنطقة، والتي هي بالتالي ذاهبة إلى فراغ وفوضى".
ويشدّد برهو على ضرورة "إيجاد بديل من القوى المحلية، يكون ذا سياسات معتدلة التوجهات، ولديه قوات عسكرية لم تتلطخ أيديها بدماء الشعب السوري". والبديل السوري الوحيد في هذه المناطق هو "جبهة السلام والحرية"، بحسب قوله.
تطرح قوى عدة نفسها كبديل للقوى المسيطرة في شمال وشرق سورية، منها "جبهة السلام والحرية" التي يقودها أحمد الجربة
بدوره، يرى الأكاديمي والباحث الكردي فريد سعدون، أن سكوت الأميركيين عن التصعيد التركي الحالي، دليل على التزامهم باتفاق أكتوبر 2019، وكذلك الروس الذين وقّعوا على الاتفاق الذي يقضي بانسحاب "قسد" مسافة 32 كيلومتراً عن الحدود التركية. ويشير سعدون، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "قسد" ضربت بالاتفاق عرض الحائط بعدما أعادت القوات الأميركية انتشارها في المنطقة.
وحول البديل لمشروع "الإدارة الذاتية" و"قسد"، ينوه سعدون إلى أن دخول البشمركة كان مطروحاً وكذلك سيطرتها من شرق القامشلي إلى الحدود، على أن تستلم قوات عشائرية المنطقة المتبقية حتى نهر الفرات، مذكراً بأن الأميركيين كان لديهم هذه الفكرة، أي تشكيل إدارة محلية حقيقية وهم يعملون على تحقيقها. أما الأتراك، فموافقون برأيه، "لكون أنقرة ترى في عودة النظام السوري تهديداً أيضاً لأمنها". ويعرب سعدون عن اعتقاده بأن "هذا المخطط سيتم بتوافق روسي أميركي تركي، وبإشراف من حكومة كردستان العراق".
من جهته، يشير الكاتب الكردي شفان إبراهيم، إلى أن إخراج "قسد" و"العمال الكردستاني" من شمال شرقي سورية، وتحديداً من الشريط الحدودي مع تركيا، يعتمد على الإرادة الدولية لتحقيقه، مشدداً على أن البديل "يجب أن يكون بتوافق كل مكونات المنطقة". ويلفت إبراهيم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن قوات البشمركة "تحظى بقبول تركي وأميركي ما يرشحها لكي تكون بديلاً توافقياً، على عكس قوات "الجيش الوطني" (قوات المعارضة السورية) الحليف لتركيا، والذي تتحفظ واشنطن على انتشارها في المنطقة كبديل".