بدء التصويت بالانتخابات البرلمانية في الدنمارك: عين على حكومة وسطية

01 نوفمبر 2022
اهتمامات الناخبين لعبت دورا حاسما في تعديل أغلبية الأحزاب القائمة برامجها (العربي الجديد)
+ الخط -

انطلقت في الدنمارك، صباح اليوم الثلاثاء، الانتخابات البرلمانية المبكرة لانتخاب 179 مشرعاً من بين مرشحي 14 حزباً سياسياً، بعضها سيصمد ويجتاز عتبة الحسم (2%). 

وخلال شهر الحملات الانتخابية، رست اهتمامات الناخبين على القضايا التقليدية الداخلية، بالإضافة إلى الأمن والدفاع وأزمتي الطاقة والمناخ. ويعتبر ذلك ضربة موجعة لأحد أهم الأحزاب الشعبوية الذي راهن على حصد شعبيته بطرح مواقف متشددة من سياسات البلد حيال اللاجئين والمهاجرين.

وبحسب التوقعات المحلية والاستطلاعات يبدو أنّ "حزب الشعب الدنماركي" (تأسس في 1995) متجه نحو كارثة انتخابية يفقد فيها كل أدواره السابقة في تأمين حكومات يمين الوسط، ولا سيما أنه يتأرجح عند عتبة الحسم بـ2%، بعد أن توالت انهياراته منذ انتخابات 2019، ودفعت بعض أقطابه إلى الترشح على قوائم حزب "ديمقراطيو الدنمارك" المؤسس حديثاً بزعامة وزيرة الهجرة الأسبق إنغر ستويبرغ.

واضطرت في 25 سبتمبر/ أيلول الماضي رئيسة الحكومة ميتا فريدركسن (يسار وسط) الذهاب إلى انتخابات مبكرة بعد خلافات مع أحد أحزاب معسكرها في البرلمان، "راديكال فينسترا"، الذي على ما يبدو أيضاً سيدفع ثمناً لمواقفه التي أدت إلى انهيار الحكومة بتراجعه في الاستطلاعات بشكل غير مسبوق.

ويبدو أنّ اهتمامات الناخبين لعبت دوراً حاسماً في تعديل أغلبية الأحزاب القائمة لبرامجها وخطاباتها لتتناسب أحياناً مع ما يثيره مواطنو البلد (5.6 ملايين نسمة) من قضايا تمس يومياتهم، بما فيها تحسين النظام الصحي والتربوي والتخفيضات الضريبية والمناخ والحالة الاقتصادية، بالإضافة إلى المواجهة الغربية مع روسيا ودعم أوكرانيا. 

وأدى تأرجح الشارع الدنماركي إلى نتائج تبدو غير سارة لأقطاب يمين الوسط، ولا سيما حزبي "المحافظين" و"فينسترا" الليبرالي، متراجعين إلى نحو نصف ما كانت تمنحه الاستطلاعات في سبتمبر/ أيلول الماضي. فقد راهن المحافظون على تصاعد شعبية زعيمهم سوران بابي بولسن، لكن تهاويه من نحو 14% في الاستطلاعات الأولى إلى نحو 6% سيطيح أحلام تشكيل معسكره الحكومة المقبلة.

من جانبه، فإنّ زعيم المعارضة الليبرالية (فينسترا الليبرالي) ومرشح رئاسة الحكومة عنه، ياكوب إلمان ينسن، لا تبدو حظوظه جيدة بعد أن تراجع برلمانيوه بـ19 عضواً. حتى في صفوف معسكر يسار الوسط لا تبدو الأمور وردية لحزب "راديكال فينسترا"، متراجعاً في الاستطلاعات إلى حد خسارته نصف مقاعده (من 16 إلى 8 مقاعد) بحسب آخر استطلاعات.

"حكومة بلا تكتلات"

ويبدو أنّ الرابح الأكبر، بطرحه "حكومة بلا تكتلات" هو رئيس الحكومة السابق، لارس لوكا راسموسن، بحزبه الجديد (تشكل صيف العام الحالي) "المعتدلون". يعود الرجل بقوة (بعد أن خرج من حزبه السابق فينسترا) ليطرح سياسة ليبرالية وسطية تبتعد عن الأجنحة، وتعطيه الاستطلاعات قفزة إلى نحو 10%، ليكون بالتالي أشبه بـ"بيضة قبان" تسمية الحكومة المقبلة، بل يطلقون عليه محلياً "صانع الملوك". 

ويرفض راسموسن خطاب التشدد اليمني، ولا سيما فيما يتعلق بالمواطنين من أصول مهاجرة، ووجه خطاباً سياسياً يقول فيه بوضوح إنّ سياسة "التهميش والاستثناء تدفع فئات كبيرة من المسلمين للتصويت لأحزاب التشدد اليساري، رغم أنها تتفق معنا قيمياً"، ورشح على قوائمه بعض الشباب المسلمين.

يرفض راسموسن خطاب التشدد اليمني، ولا سيما فيما يتعلق بالمواطنين من أصول مهاجرة

ويأمل حزبه إزاحة تأثير وزيرته السابقة للهجرة إنغر ستويبرغ، التي بنت حزبها الجديد "ديمقراطيو الدنمارك" على خطاب متشدد للهجرة ببلدها. صحيح أنّ ستويبرغ وشريكتها في التشدد من حزب "البرجوازية الجديدة" بيرنيلا فيرموند ستحققان على التوالي فقط نحو 7% و4% (متراجعتين عن استطلاعات سابقة بحصولهما على 10% لكل حزب)، إلا أنّ نصيب الأسد من الأصوات يبدو في مصلحة القيادة الشابة في حزب "التحالف الليبرالي" الذي قفز إلى نحو 8%.

في كل الأحوال، ورغم التفاصيل الكثيرة التي حملتها الحملات الانتخابية، فإنه من المتوقع أن تتقارب نتائج الكتلتين التقليديتين "الزرقاء" اليمنية (43%) و"الحمراء"(48%) بقيادة حزب فريدريكسن الاشتراكي الديمقراطي دون احتساب راسموسن على أي منهما. 

وعلى ما يبدو فإنّ المزاج العام، بما أنّ الفارق بين المعسكرين ليس كبيراً، حيث ستتوزع الـ179 مقعداً بينهما، يتجه نحو قبول حكومة وسط تجمع بين يسار ويمين وسط. وبدأت بالفعل رئيسة حكومة يسار الوسط، فريدركسن، تغازل راسموسن من أجل تلك الغاية.

اليسار الدنماركي رغم تحقيق أحد أحزابه، "حزب الشعب الاشتراكي"، مقعدين إضافيين لا يبدو معارضاً لتشكيل حكومة وسطية، وإن بشروط تتعلق بعدد من القضايا المهمة، وعلى رأسها تخفيف سياسات الهجرة المتشددة ومنع إقامة مراكز استقبال لاجئين في رواندا، وغيرها من القضايا ذات الأولوية.

إجمالاً، تلعب فريدركسن ورقة تحقيق "الاجتماعي الديمقراطي" أكثر المقاعد، (44 نائباً)، للتفاوض على شكل حكومة ما بعد النتائج النهائية، وعلى أساس استمرارها في السلطة. وإذا ما ذهبت كوبنهاغن بالفعل نحو حكومة عابرة للأحزاب فلن تكون السابقة الأولى. إذ سبق أن تشكلت حكومات من يسار ويمين الوسط في الستينيات والثمانينيات، بل وفي عام 1953 تحالف عن الأول الاجتماعي الديمقراطي وراديكال، وعن الثاني المحافظون في حكومة موحدة شملت حصولهم على 89% من الأصوات.

قضايا الهجرة لا تحتل أولوية

وعلى عكس السابق يبدو لافتاً أنّ قضايا الهجرة والمهاجرين، والتي شكلت ما يشبه حملات لجذب الأصوات، لم تحتل هذه المرة أولوية كبيرة في الشارع وعند الأحزاب.

انتقادات كثيرة وجهت إلى النظام الانتخابي الدنماركي في الأيام الأخيرة، بسبب استثناء نحو 10% من السكان من التصويت في البرلمان. وهؤلاء هم من المقيمين بصفة دائمة، ومنذ عقود، دون أن يكونوا دنماركيين بالجنسية، ولهم الحق في الانتخابات البلدية ولكن ليس البرلمانية.

وتعالت بعض الأصوات في الأحزاب اليسارية للمطالبة بتعديل القوانين مستقبلاً "ليشارك السكان جميعاً في العملية الديمقراطية"، ولا سيما في مناطق سكنية تشهد كثافة هؤلاء من أصول مهاجرة (في بعضها 25% من القاطنين) دون مشاركة على مستوى السياسة البرلمانية.

المساهمون