استخدم الرئيس الأميركي جو بايدن خطاباً هجومياً ضد الجمهوريين، الذين يعملون على تعديل القوانين الانتخابية في الولايات التي يسيطرون عليها، بهدف فرض الكثير من القيود على توقيت التصويت وطريقته، واضعاً هذا الأمر في إطار "تقويض" حق الاقتراع.
وعادت مسألة إتاحة التصويت، التي هي في صلب الحياة السياسية الأميركية منذ الحركات الواسعة للمطالبة بالحقوق المدنية في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، إلى الواجهة منذ الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. ويستمر الرئيس السابق دونالد ترامب ومؤيدوه بالقول، من دون أي دليل، إن فوز بايدن جاء نتيجة عملية تزوير واسعة.
بايدن: حماية حقوق الاقتراع أهمّ اختبار لديمقراطيتنا منذ حرب الانفصال
واختار بايدن، أمس الثلاثاء، مدينة فيلادلفيا، التي رأى إعلان الاستقلال والدستور الأميركي النور فيها، لإلقاء خطاب اتسم بلهجة حماسية، في غياب إمكان معارضة مساعي الجمهوريين على المستوى الفدرالي. وأتى كلامه الذي كان يترقبه كثيراً المدافعون عن الحقوق المدنية على خلفية إقرار قوانين انتخابية تفرض قيوداً على التصويت، في الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون.
وقال بايدن: "هناك هجمة تشهدها أميركا اليوم، محاولة لكبت وتقويض الحق في التصويت في انتخابات حرة ونزيهة"، مندداً بما وصفه بأنه "هجوم على الديمقراطية، والحرية". واعتبر أن حماية حقوق الاقتراع في الولايات المتحدة أهمّ "اختبار لديمقراطيتنا منذ حرب الانفصال" في القرن التاسع عشر. وتحت شعار "جعل الانتخابات أكثر أمناً"، يسعى الجمهوريون، في الولايات التي يسيطرون عليها، لإقرار قوانين تفرض الكثير من القيود على توقيت التصويت والاقتراع عبر البريد وترتيبات أخرى.
وتستهدف غالبية هذه القيود ترتيبات تسهّل تصويت الأقليات، ولا سيما السود، الذين يصوّتون في العادة للديمقراطيين أكثر من الجمهوريين. ومنذ يناير/ كانون الثاني الماضي تسارعت هذه العملية، فأقرت 17 ولاية 28 تشريعاً انتخابياً يفرض قيوداً على هذا الصعيد، فيما تُدرس عشرات مشاريع القوانين الأخرى، على ما ذكر مركز "برينان سنتر فور جاستس" أخيراً. وفي تكساس أثار مشروع قانون بهذا الصدد أزمة سياسية مفتوحة في الفترة الأخيرة، فقد غادر عشرات من أعضاء مجلس النواب المحلي الديمقراطيين الولاية الاثنين الماضي على عجل، لمنع إقرار قانون تسعى إليه الغالبية الجمهورية. ويحظر مشروع القانون في تكساس، على غرار تشريعات أخرى أقرت في جورجيا وفلوريدا، التصويت بنسق "درايف إن"، حيث يدلي الناخب بصوته من نافذة سيارته، أو يفرض قيوداً كثيرة على مواعيد التصويت، وعلى الاقتراع عبر البريد.
ولم يتردد بايدن في انتقاد ترامب، الذي يواصل القول إنه فاز في الانتخابات. وأكد، في فيلادلفيا، قائلاً: "إنها كذبة كبيرة. ليست سوى كذبة كبيرة. في الولايات المتحدة عندما يهزم المرء يقبل النتيجة ويحترم الدستور، ويحاول ثانية. لكنك لا تصف الحقائق بأنها مزيفة، وتحاول هدم التجربة الأميركية لمجرد أنك غير راضٍ. هذه ليست فطنة سياسية، بل أنانية".
لا تملك إدارة بايدن والديمقراطيين هامش تحرك كبيراً على الصعيد الفدرالي
وفيما تجري المعركة على حق الاقتراع على مستوى الولايات، تدور رحاها أيضاً أمام المحاكم. فقد أيدت المحكمة الأميركية العليا، مطلع يوليو/ تموز الحالي، تعديلات للقانون الانتخابي، تثير جدلاً في أريزونا. وعلى الصعيد الفدرالي، لا تملك إدارة بايدن والديمقراطيين راهناً هامش تحرك كبيراً، وهو ما أجبر الرئيس على دعوة الكونغرس إلى إحياء "الصلاحية الأساسية" لتشريع انبثق من النضال من أجل الحقوق المدنية، يعرف باسم "قانون حقوق الاقتراع"، ويعود إلى عام 1965، التي تراجعت بسبب اجتهادات المحكمة العليا خصوصاً. ويواجه تشريع حقوق التصويت معركة متصاعدة في الكونغرس، حيث عرقل الجمهوريون في مجلس الشيوخ حتى مناقشته. وشبّه بايدن مساعي تقويض حقوق التصويت بقوانين العهد الماضي التي كانت تمنع السود والنساء من التصويت. وقال: "إنهم يريدون تصعيب الأمر بشدة. يأملون ألا يصوت الناس على الإطلاق". وأضاف: "لا بد أن نمرر القانون من أجل الشعب. هذه حتمية وطنية".
(فرانس برس، رويترز)