دخلت حرب أوكرانيا أسبوعها الرابع. حتى الآن، عجز الرئيس الأميركي جو بايدن والأوروبيون عن الردع، كما عجز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الحسم. معادلة تعكس حدود القوة عند الأقوياء.
والحرب حسب مختلف التقديرات الأميركية، باقية في هذه الحالة إلى حين غير قريب، والأخطر أن مراوحتها عند هذه الحدود قد تضغط في لحظة ما على الطرفين، أو على أحدهما، لتجاوز هذه الوضعية، بهدف تقليل الخسائر، أو توريط الآخر، وبما قد يؤدي إلى تبديل قواعد المواجهة وعلى نحو غير مسبوق في عواقبه. مجازفة تتهيّبها إدارة بايدن، ومعها جهات أميركية متخوفة من الانزلاق إلى هاوية المجهول، فيما يدفع فريق من الصقور في الاتجاه المعاكس، سواء من باب المزايدة السياسية، أو من زاوية الاعتقاد بأن بوتين لا ينفع معه غير التشدد الذي تأخرت أو قصّرت الإدارة في ممارسته من البداية.
الإدارة تسير على حبل مشدود لتحقيق التوازن بين الاثنين. لكن تطورات الحرب، مع تزايد المخاطر والضغوط، تهدد امكانية الاستمرار في تأمين مثل هذا التوازن. مقابل رفضه للتدخل المباشر في أوكرانيا ولتأمين الحظر الجوي لها، يكتفي بايدن بتوفير الدعم المتنوع، العسكري، والمالي، والمساعدات الإنسانية، وغيرها. لكن هذا الدعم اشتكى الرئيس الأوكراني من عدم كفايته.
أمس الأول، في مخاطبته بالفيديو لمجلسي الكونغرس، قال كلاماً لا يخلو من العتب على واشنطن، وانطوى على مرارة وخيبة ضمنية. بعد ساعات، أعلن الرئيس بايدن عن تزويد أوكرانيا بأسلحة متنوعة بقيمة 800 مليون دولار. خصومه الجمهوريون، سارع عدد كبير منهم إلى مطالبته بتقديم المزيد من الأسلحة النوعية، مع تسجيل المآخذ على "تراخيه" مع موسكو، في حين صوّت الأسبوع الماضي 31 سناتوراً منهم، أي الجمهوريين، ضد مشروع تمويل حكومي تضمن مخصصات كبيرة لأوكرانيا. فالرئيس لديه مشكلة في هذا الموضوع مع الكونغرس. هذا الأخير يرحب بحفاوة بالرئيس الأوكراني، لكنه في شقه الجمهوري، لا يقف صفاً متراصاً وراء بايدن كما جرت العادة في أزمات أميركا الدولية، خصوصاً مع روسيا. الحسابات الانتخابية وانقساماتها ما زالت حاضرة بقوة في هذه الأزمة.
كذلك، هو يواجه على ما يبدو تباينات، إن لم تكن خلافات، داخل جبهة الحلفاء الأوروبيين. تبدّى ذلك أخيراً في موضوع طائرات "الميغ" الموجودة لدى بولندا، التي رفضت تسليمها مباشرة إلى أوكرانيا، وأحالت المهمة إلى واشنطن التي رفضت أيضاً. والآن يجري حديث عن شبكة دفاع جوي من طراز "إس – 300" الروسية المتوفرة لدى سلوفينيا، وكيفية تمريرها إلى كييف. كما طرحت فكرة "إقامة منطقة محايدة" في غرب أوكرانيا، لأغراض اللاجئين والمساعدات الانسانية. كل هذه الأمور تحتاج إلى توافق ومعالجات اقتضت مشاركة الرئيس بايدن شخصياً في اجتماع حلف "الناتو" الأسبوع المقبل في 24 مارس/آذار الحالي في بروكسل.
يضاف إلى ذلك موضوع تمرير المساعدات العسكرية المتزايدة إلى أوكرانيا، في ضوء التهديد الروسي بملاحقة طرق ومصادر مرور هذه المساعدات، وبما يهدد بفتح اشتباك مع "الناتو" كما توعّد بايدن. ومن هنا، تحذير جهات أميركية من خطر التمادي في الجانب العسكري، لئلا يؤدي ذلك إلى استدراج للوقوع في مواجهة تمكّن بوتين من توظيفها للخروج بصفقة مربحة له، أو قد يتوسلها لدفع الصدام إلى حدود يمكن أن تفلت من تحت السيطرة، كما يتوجس البعض.
لاستباق هذه الاحتمالات التي لم تعد مستبعدة في ضوء التصعيد الميداني المتزايد، ما زالت الإدارة تراهن على الورقة الصينية، رغم أن لقاء روما السبت الماضي بين مستشار الرئيس جيك سوليفان ونظيره الصيني، انتهى إلى لا جدوى. مع ذلك، عززت الاشارات الصينية الأخيرة الاعتقاد بأن بكين في نهاية المطاف، تبقى أولويتها لحسابات النمو الذي يتطلب عدم قطع الشعرة مع أهم شريكين تجاريين: واشنطن والأوروبيين. ولأن الصين لها ثقلها مع موسكو، كان لا بدّ من الاستعانة بهذا الثقل، من خلال الاتصال الذي أعدت له الإدارة اليوم الجمعة، بين الرئيسين بايدن وشي جين بينغ.
الإدارة ما زالت تحبذ "السبيل الدبلوماسي" على حدّ ما تقول، للخروج من الأزمة. الوزير بلينكن حرص في لقائه الصحافي الخميس، على التنويه بأهمية هذا الخيار "ودعم محادثات أوكرانيا مع الروس"، تاركاً للأوكرانيين حرية "ما يرونه مناسباً" لنجاح المفاوضات. وفي ذلك، هو يشير إلى ما تردد عن قبول أوكراني مبدئي بغالبية شروط موسكو التي ذكرها أخيراً الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، والتي قال الوزير سيرغي لافروف إن التفاوض بشأنها "حقق تقدماً ملحوظاً".
لكن خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الأول، والذي حمل فيه على "الخونة" الروس المتحفظين على الحرب، بدّدت لغته المتشددة الأمل بحلحلة محتملة، ولو أن معظم القراءات رأت فيه دليل تخبط ناتج عن عجز وهلوسة صاحبه، "وعدم اتزانه" بعد تكشف "خطأ حساباته... وفشل جيشه وخططه العسكرية " في أوكرانيا. لكن ثمة من العارفين بالأمور من يحذر من "المبالغة والاستهانة" بالرئيس بوتين، وينصح بأن العمل على العثور على مخرج سلمي "يبقى أفضل الخيارات المتاحة"، على اعتبار أن بديله غير متوفر.