تبدو إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن هذه الأيام كمن يمشي مكانه، أو على العكاز، عالقة بشبكة عنكبوتية من التحديات والمعضلات الداخلية والخارجية، العصية والمتزامنة، وغير قادرة على الإفلات من خرومها.
معظم هذه المشكلات، بل أخطرها، ليس من صنع رئاسة بايدن، بل من الصنف الخارج عن السيطرة والمجهولة مآلاته، مثل فيروس كورونا وحرب أوكرانيا.
مع ذلك، تداعياتها محسوبة عليه كرئيس مسؤول عن تخفيف أكلافها وضريبتها التي بلغت حد اختفاء الحليب المجفف للأطفال من السوق. لكنه لم يقوَ حتى الآن على النهوض بهذه المهمة، ولو بالحد الأدنى، فكانت النتيجة المزيد من انكشاف رئاسته التي صارت تبدو عاجزة ومضعضعة أكثر فأكثر.
تبدّى ذلك في تعاطي إدارته مع وحش التضخم المستعصي، ومع ثنائي العنف العنصري والسلاح، الذي كانت مجزرة مدينة بافالو، الأحد، التي سقط فيها عشرة أبرياء، آخر جولاته، كما مع وباء كورونا الذي تجاوزت وفياته المليون، وعاد إلى التمدد والتهديد بموجة جديدة واسعة قد تصل إصاباتها في الخريف والشتاء القادمين إلى مائة مليون أميركي لو تعثر استباقها بالتدابير الطبية اللازمة.
ومع أن محاولات الإدارة للتصدي لهذه التحديات الخطيرة اصطدمت بمشاكسة الكونغرس، إلا أنه جرى تحميل الرئيس بايدن بعض مسؤولية الفشل في تسوية العلاقة مع مجلس الشيوخ، وبالذات مع بعض عناصر حزبه الديمقراطي الذين خربوا عليه الكثير من برامجه ومحاولاته لمعالجة الأمور.
يضاف إلى ذلك تخبط إدارته في التعامل مع موجة كورونا في الخريف الماضي، كما يؤخذ عليه استعجاله في حزمة التحفيز بقيمة 2 تريليون دولار تقريباً، التي مرّرها في بداية عهده، والتي تبيّن أنها ساهمت وربما تسببت في فورة التضخم، كل ذلك أدى إلى تراكم صورة القصور وكأن سيد البيت الأبيض غير موجود في مقصورة القيادة، أو هكذا ساد الانطباع.
فاقم آثار هذه المعضلات أنها ترافقت مع تحديات خارجية كبيرة وخطيرة تعاملت معها الإدارة الأميركية إما بالإفراط في التدخل فيها وما ينطوي عليه ذلك من مجازفات، وإما بالتراخي في التعامل معها.
العزو الروسي لأوكرانيا تحركت واشنطن بخصوصه "بأكثر من اللازم"، حسب قراءات كثير من المتخوفين من عواقب "مدى الاندفاع" فيه وإلى الحد الذي بات معه العزو يبدو وكأنه لأميركا أكثر من أنه لأوكرانيا. حتى في الكونغرس بدأ التأفف يتعالى من هذا التمادي ومخاطره وكلفته، وبالتحديد من جانب فريق من الجمهوريين المشتبكين مع قيادتهم بشأن حجم الدعم ومداه.
وثمة من يأخذ على البيت الأبيض أنه منخرط في الحرب الأوكرانية من دون خطة، ومن دون مساندة على وقع مجرياتها الميدانية، بحيث بدا بايدن، كما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لجهة غموض مقاصده منها، فهل هو يراهن عليها بهدف هزيمة موسكو أم تحرير كل شرق وجنوب أوكرانيا؟ أو لإجبار بوتين على الجلوس إلى الطاولة؟ أسئلة لا أجوبة لها.
رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، والمقربة من بايدن، قالت خلال زيارتها أخيراً إلى كييف، إن الولايات المتحدة مع كييف "حتى النصر"، من دون تحديد صيغته.
انعكس هذا الجو في تزايد نبض الدعوة في واشنطن إلى قبول طلب فنلندا والسويد عندما تتقدمان به قريباً للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، على الرغم من التحفظات والتحذيرات، وإن قليلة، من عواقب مثل هذا التوجه الذي كان في الأصل الذريعة لحرب أوكرانيا.
وزاد من ترسّخ صورة "الرخاوة" و"اليد القصيرة" (بحسب التعبير الشعبي) أن إدارة بايدن حسمت على ما يبدو لصالح عدم مغادرة طاولة مفاوضات فيينا النووية مهما طال غياب طهران عنها.
واكب ذلك كلام عن أن واشنطن أبدت استعدادها لتقديم تنازلات إضافية، مثل "إعفاء البنك المركزي الإيراني وشركة النفط الوطنية" من العقوبات، إلى جانب رفع "الحرس الثوري الإيراني"، ما عدا "فيلق القدس"، المتروك لوقت لاحق، من قائمة الإرهاب.
ويذكر أن إدارة بايدن في المدة الأخيرة توقفت عن التلويح "بالبدائل لو أقفلت نافذة الوقت المتاح"، التي يقول رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السناتور بوب ماننديز، إن نافذة المفاوضات "انغلقت منذ فبراير/شباط الماضي" لكن الإدارة ماضية عملياً في التمديد.
هذا التراخي يضعه المراقبون في إطار سياسة الاستعجال للخروج من الشرق الأوسط بعد وضع النووي الإيراني في الصندوق بأي ثمن ممكن، والتي ترجمتها الإدارة بالانسحاب غير المدروس من أفغانستان، والذي "لم تقوَ حتى الآن على التخلص من لطخته المهينة"، بحسب ديفيد اكسلرود، المستشار السابق للرئيس السابق باراك أوباما.
كما لم تتراجع الإدارة الأميركية عن مقاربتها المغلوطة التي أدت إلى التشدد مع الصين في وقت كان ينبغي عليها بناء علاقة سالكة معها حتى لا تجد نفسها في مواجهة مع بكين وموسكو في آن واحد، كما قال وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر قبل أيام، وأعاد التذكير بأهمية هذا التوجه الذي اعتمده في 1972.
هذا الكوكتيل من المقاربات غير المحسوبة والسياسات المحلية الرمادية عزّز النظرة الهابطة إلى الإدارة الأميركية الحالية، يُعزى ذلك إلى غياب النهج و"فقر البيت الأبيض في التواصل".
ولا يقل عن ذلك تعثر بايدن في "ترتيب أولوياته المحلية"، والتخلص من بنودها غير القابلة للتسويق في الظرف الراهن، بحسب دافيد غيرغن، مستشار سابق لأربع رؤساء، بغية وقف التدهور في وضع حزبه في انتخابات الكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، واستطراداً في انتخابات الرئاسة في 2024 المحفوفة بمخاطر حقيقية، خاصة لو قرر الرئيس السابق دونالد ترامب خوض المعركة، والذي يتحرك حالياً لتوجيه الحزب الجمهوري في انتخابات الكونغرس، ولو أن نفوذه لدى القاعدة تآكل بعض الشيء، كما تكشفت عنه التصفيات الحزبية الأخيرة للمرشحين.
بيت القصيد أن إدارة بايدن تواجه أزمات غير اعتيادية مفتوحة على المجهول، ببوصلة غير قادرة على استشراف المعالجات المطلوبة التي غالباً ما تبقى مفقودة.