باسيرو ديوماي فاي... من السجن إلى رئاسة السنغال

02 ابريل 2024
يتسلم فاي الرئاسة اليوم من ماكي سال (رويترز)
+ الخط -
اظهر الملخص
- باسيرو ديوماي فاي فاز برئاسة السنغال بنسبة 54.28%، متفوقاً على 17 مرشحاً في انتخابات عكست الرغبة في الحفاظ على التقاليد الديمقراطية والتسليم السلمي للسلطة، رغم إفراجه من السجن قبل 10 أيام من الانتخابات.
- فاي، الذي لا تربطه علاقات مباشرة بفرنسا ولم يتلق تعليمه في جامعاتها، يعد بتغيير السياسة الخارجية للسنغال بمراجعة اتفاقيات الدفاع وتنويع العلاقات الأمنية والسياسية، وإنهاء سيطرة الفرنك الأفريقي الفرنسي.
- يواجه تحديات داخلية تتمثل في الوفاء بوعوده الانتخابية لمكافحة الفساد وتحسين الوضع الاقتصادي، مع التركيز على البطالة بين الشباب والاعتماد على الاستيراد في القطاع الزراعي، ويُتوقع أن يلعب عثمان سونكو دوراً مهماً في الحكومة الجديدة.

مفاجأتان عرفتهما السنغال في الـ25 من الشهر الماضي. الأولى هي فوز مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي بالرئاسة، والثانية هي حسم السباق من الجولة الأولى بنسبة مريحة جداً، مع حصوله على 54.28 بالمائة، بين 17 مرشحاً، من دون اضطرابات في البلد.

ويؤدي فاي اليوم الثلاثاء اليمين الدستورية، ليتسلم السلطة من سلفه ماكي سال في القصر الرئاسي في دكار، لتبدأ مرحلة جديدة من الحياة السياسية في السنغال، ستكون فيها الكثير من الوعود التي أطلقت خلال الحملة الانتخابية محل اختبار، إلى جانب ترقّب الدور الذي سيؤديه المعارض المعروف عثمان سونكو، الذي يلقب بـ"أبو الفوز"، ومسار العلاقات بين السنغال وفرنسا.

لا أحد رشح باسيرو ديوماي فاي للفوز بالرئاسة

ولم يكن أحد من المراقبين يرشح باسيرو ديوماي فاي (44 سنة) للفوز بالانتخابات الرئاسية. وكانت التقديرات تذهب نحو مرشح حزب التحالف من أجل الجمهورية الحاكم أمادو با، الذي جاء في المرتبة الثانية، وحاز 35.79 في المائة من الأصوات.

فوز فاي بكرسي الرئاسة سببه أخطاء سال في إدارة الأزمة السياسية

وكان فاي، مرشح المعارضة يقبع في سجن "كاب مانوال" في دكار، قبل أن يخرج قبل 10 أيام من الانتخابات، بعفو رئاسي أصدره سال، في سياق محاولة تهدئة المشهد السياسي، بالتزامن مع انتهاء ولايته. وكان مضى من الحملة الانتخابية ستة أيام، وليس أمامه سوى عشرة أيام، كي يقدم نفسه إلى الناخبين. وكان حكم على فاي، الذي اعتُقل في إبريل/نيسان 2023، بالسجن لمدة 11 شهراً، بتهمة انتقاده، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لعدد من القضاة.

وجرى تنظيم الانتخابات على عجل، رغم أنها تأجلت عن موعدها الرسمي قرابة شهر، بعد أن اقترح الرئيس المنتهية ولايته التأجيل لمدة عام، وهو ما رفضته المعارضة، فيما وافق المجلس الدستوري على تنظيمها نهاية العام الحالي. إلا أنه وبعد حصول اضطرابات واسعة من قبل أنصار المعارضة، وخوفاً من تطور الموقف إلى فوضى تهدد استقرار البلد، تم سحب قرار التأجيل، واقتصر الأمر على نحو شهر فقط.

وعلى غير المتوقع، حصلت الانتخابات وسط هدوء كبير، رغم التوتر الذي ساد قبلها. وتم فرز الأصوات بسرعة، وإعلان النتائج والقبول بها من قبل كافة الأطراف، خاصة الحزب الحاكم، الذي أبدى حرصاً على التهدئة، وانتقال السلطة بلا توتر أو خلافات.

مواصلة تقليد تسليم السلطة بشكل سلمي

وعكس رد فعل ماكي سال وحزبه تقليداً سياسياً، ظل سائداً خلال ربع قرن. فمنذ خسارة الرئيس عبدو ضيوف أمام منافسه عبد الله واد في عام 2000، وخسارة واد أمام سال، اتسم انتقال السلطة بالإقرار بالخسارة، وتسليمها للفائز بشكل سلمي.

يشار إلى أنه كان هناك خلاف دستوري حول احتساب الفترة الأولى لسال، وهي في عام 2012، أي قبل تعديل الدستور في 2016، وهو ما اعتبرته المعارضة، أخيراً، محاولة من سال للبقاء في السلطة وتأجيل موعد الانتخابات، قبل أن تنتهي الأزمة بإعلان سال أنه لا ينوي البقاء في المنصب، وأنه مستعد لتسليم السلطة.

ورأت أوساط إعلامية سنغالية أن سال، الذي تراجع عن قراره تأجيل الانتخابات أمام ضغط الشارع، التقط رسالة مهمة، مفادها بأن التصلب سوف يقود إلى انقسام البلاد بين أنصار السلطة والمعارضة، ما يؤدي إلى حصول مواجهة بينهما.

وحسب سال، فإن المرونة يمكن أن تساعد مرشحه في كسب الانتخابات، من دون تقدير فعلي للتراكمات التي ترتبت على ولايتيه الرئاسيتين، وخاصة الفساد، وتدهور الوضع الاقتصادي في بلد يمتلك إمكانات اقتصادية جيدة.

وأحد الأمثلة على سوء إدارة الاقتصاد أن السنغال، التي تمتلك أراضي زراعية شاسعة، تستورد قرابة 70 في المائة من حاجاتها في هذا المجال، وتعاني من بطالة في أوساط الشباب.

ورأى خبراء في الشؤون الأفريقية أن السبب الرئيسي في صعود باسيرو ديوماي فاي السريع، وفوزه بكرسي الرئاسة، أخطاء سال في إدارة الأزمة السياسية، التي تفاقمت بسبب سوء الوضع الاقتصادي.

تشابه بين الرئيسين الجديد والسابق

ومن العلامات المهمة التي تستدعي التوقف أمامها هي وجود تشابه بين الرئيسين الجديد والسابق، لأنهما عندما وصلا إلى السلطة كانا جديدين على الساحة السياسية، ما يعني أن على فاي أن يبدأ من نقطة الصفر، ويشق طريقه في ظل رهانات داخلية وترقب إقليمي ودولي، خاصة من قبل فرنسا، التي لا تزال تمتلك حضوراً مهماً في البلد.

يشار إلى أن فاي لم يكن مرشح حزب "الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة"، المعروف اختصاراً "باستيف"، للانتخابات الرئاسية، بل كان مرشحه الرسمي هو عثمان سونكو الذي كان يقبع في السجن أيضاً. وبعد قرار المجلس الدستوري إبعاده عن قائمة المرشحين لوجود حكم قضائي بحقه، قام الحزب باختيار ديوماي فاي، الذي كان بدوره في السجن.

وفجأة انتقل الرجل، الذي لا يملك خبرة سابقة في خوض الاستحقاقات السياسية، إلى رئيس واحدة من أبرز الديمقراطيات في أفريقيا، وذلك بفضل ترشيح سونكو له، والذي سبق له أن خاض انتخابات عام 2019 منافساً لسال، وحل في المركز الثالث.

يعد فاي الرئيس السنغالي الأول الذي لا تربطه علاقة مع فرنسا ولم يدرس في جامعاتها

وينسب مراقبون إلى سونكو إدارة المعركة مع الحكومة بحنكة سياسية لافتة، وكان حاضراً بقوة في جميع الفعاليات من أجل نجاح باسيرو ديوماي فاي، ووجّه تصويت مناصريه لصالحه، مستفيداً من أخطاء ماكي سال على المستوى السياسي، ومصاعب الاقتصاد.

طريق الرئيس الجديد غير واضحة

لا تبدو طريق الرئيس الجديد واضحة، وليس هناك معالم سياسية مرسومة سلفاً، لما يمكن أن يسلكه، وليس هناك سوى النقاط التي طرحها في برنامجه حول مكافحة الفساد، وقد جعل من "المكنسة" رمزه الانتخابي، في إشارة إلى أنه سوف يكنس الفاسدين. وأخذ على عاتقه تطهير "الطبقة السياسية من خلال إبعاد المفسدين من السلطة واستعادة سيادة السنغال"، وفق تعبيره.

يبدو أن فاي سيبقى يحتاج إلى سونكو، الذي تربطه به علاقة وطيدة، بدأت خلال عملهما معاً كمفتشي ضرائب. وهناك من يصف سونكو بالمرشد السياسي للرئيس الجديد، وقد جمعهما الصراع مع ماكي سال، وتأسيس حزب باستيف. ورأى مراقبون أن هذا التحالف سوف يترجم نفسه من خلال تولي سونكو منصباً مهماً، قد يكون رئاسة الوزراء أو نائب الرئيس، فيما هناك تقديرات بأن قرب الرجلين من بعضهما البعض سيؤدي إلى نشوء نزاع حول الحكم.

وهناك شبه إجماع بين المراقبين على اعتبار فاي رجلاً متديناً، ما أدى إلى حصوله على دعم انتخابي صريح من الجماعات الإسلامية، وهذا ما يحسبه على الظاهرة الإسلامية الجديدة في أفريقيا.

وغير بعيد عنه حليفه سونكو، الذي انخرط في العمل النقابي والسياسي، حيث كان فاعلاً في جمعية التلاميذ والطلاب المسلمين في السنغال خلال دراسته الجامعية. وفي حين لا يطرح حزبه شعارات إسلامية، فإنه يميز نفسه عن التشكيلات السياسية التقليدية في السنغال بالتركيز على الشباب والقرب من الفئات المهمشة والضعيفة.

وكانت الاحتجاجات الشعبية والوساطات التي قادها شيوخ الطريقة المريدية واتحاد الدعاة والأئمة في السنغال أدت إلى إخلاء سبيله عام 2022، بعد اتهامه بالاغتصاب. وليس سراً أن سونكو يحتفظ بعلاقات متينة مع الشيخ سرين مباكي، أحد شيوخ الطريقة المرادية، ومع اتحاد الأئمة والدعاة وجماعة عباد الرحمن، وله حضور في المساجد، ويتبنى خطاباً دينياً.

لا علاقة بين فاي وفرنسا

يشترك سونكو وفاي في اعتبار فرنسا تنهب ثروات أفريقيا. ويعد فاي الرئيس السنغالي الأول الذي لا تربطه علاقة مع فرنسا، حيث إنه لم يدرس في جامعاتها، بل هو خريج جامعة "الشيخ آنتا جوب"، كبرى الجامعات السنغالية، التي نال منها شهادة الماجستير في القانون، قبل أن ينجح في امتحان القبول بالمدرسة الوطنية للإدارة، ليتخرج منها مفتشاً في الضرائب.

وفي إشارة صريحة نحو فرنسا، تعهد فاي بمراجعة اتفاقيات الدفاع وتنويع العلاقات الأمنية والسياسية، وإنهاء سيطرة الفرنك الأفريقي الفرنسي، وإصدار عملة سنغالية خاصة، إذا لم تتمكن دول غرب أفريقيا من القيام بذلك بنفسها. وهذا يعني أن السنغال سوف تغير علاقاتها الخارجية، وهذا نهج ينسحب على سونكو الذي تعهد بتعزيز اللغة الإنكليزية. 

يواجه الرئيس المنتخب تحديات عدة داخلياً، إذ سيكون عليه قبل كل شيء رد الجميل لجيل الشباب، الذي كان له الفضل في فوزه. وأول خطوة عليه القيام بها هي مواجهة البطالة، التي تعد من أكثر القضايا إلحاحاً، حيث وصلت لنحو 19.5 في المائة في الربع الثالث من العام الماضي، بحسب أرقام رسمية، وهي تشكل، بالإضافة إلى قلة فرص العمل، الدافع وراء ارتفاع معدلات الهجرة غير النظامية باتجاه أوروبا.

ويمكن هنا الإشارة إلى مسألة مهمة، تتمثل في أن تحالف سونكو ــ فاي، اعتمد على الشباب، وعمل بقوة على هذه الشريحة، وبرز ذلك خلال الحملة الانتخابية، لا سيما في أوروبا. وجال فاي، خلال العام الماضي، في أوروبا، لعقد لقاءات مع الشباب السنغاليين، من أجل تعبئة هذه الشريحة، التي اكتسب شعبية بين صفوفها، وحشد التأييد والدعم السياسي والمالي للحزب، الذي استطاع في فترة وجيزة أن يستحوذ على نصيب الأسد من دعم الجماهير الشبابية في بلاده.

المساهمون