- باتيلي سعى لدفع العملية السياسية نحو الانتخابات، معلنًا عن مبادرة لتشكيل "لجنة رفيعة المستوى" لوضع قاعدة دستورية، لكن المبادرة تعثرت بسبب تعنت الأطراف المشاركة وعدم قبول لجنة صياغة قوانين انتخابية.
- استقالة باتيلي تعكس التحديات المستمرة التي تواجه الجهود الدولية لتحقيق الاستقرار في ليبيا، محذرًا من خسارة سيادة البلاد بسبب الجمود السياسي والتدخلات الأجنبية، وتشير إلى الحاجة لإرادة سياسية حقيقية ومشاركة فعالة لتجاوز الأزمة.
انضم الدبلوماسي السنغالي عبد الله باتيلي إلى قائمة المبعوثين الأمميين إلى ليبيا الذين استقالوا، بعد سلسلة من المبعوثين السابقين، مثل اللبناني غسان سلامة، والسلوفاكي يان كوبتيش. ولم يحقق باتيلي أو من سبقه نتائج أو اختراقات مهمة خلال ترؤسهم البعثة التي تأسست لتقديم الدعم السياسي للبلد في عام 2011.
ومنذ عام 2011، أُرسلت بعثة للدعم السياسي من قبل الأمم المتحدة، وكان أول مبعوث هو الأردني عبد الإله الخطيب، ثم جرى تعيين سلسلة من المبعوثين الآخرين، بينهم الإنكليزي أيان مارتن، واللبناني طارق متري، والإسباني برناردينو ليون، والألماني مارتن كوبلر، والذي سلم منصبه لسلامة، قبل أن يستقيل ويحل محله يان كوبتيش، الذي استقال بدوره وسلم مهامه للأميركية ستيفاني وليامز، التي شغلت فترة شغور البعثة بصفتها مستشارة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة، قبل أن يُعين باتيلي.
وخلال السنوات الأولى، لم تحقق البعثة أي تقدم يُذكر في مهمتها، لكنها أصبحت لاحقاً قائدة لعملية حوار سياسي في عهد ليون نهاية عام 2014، الذي انتهى بتوقيع اتفاق الصخيرات في ديسمبر/كانون الأول 2015. ومع ذلك، فإن هذا الاتفاق لم ينفذ رغم محاولات خلفه كوبلر تعديل البنود، وذلك بسبب تصاعد القتال وتدخل مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، واستمرار توتر الوضع السياسي والأمني في البلاد.
هذه العقبات التي واجهها المبعوثون السابقون صعّبت مهمة سلامة أيضاً الذي بذل جهوداً انطلقت من اجتماع برلين في يناير/ كانون الثاني 2020، في ثلاثة مسارات، سياسية وعسكرية واقتصادية، وشارف خلالها على الاقتراب من عقد المؤتمر الجامع في غدامس بين جميع الأطراف الليبية، قبل أن يقوضه هجوم حفتر على طرابلس في إبريل/نيسان 2019.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قد أعلن تعيين عبد الله باتيلي مبعوثاً جديداً للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2022، بعد فترة شغور استمرت تسعة أشهر بعد استقالة كوبيتش. وجاء هذا بسبب عدم توافق الدول الأعضاء في مجلس الأمن على مرشح محدد، وقد تولت الدبلوماسية الأميركية ستيفاني وليامز قيادة المهام خلال تلك الفترة. آنذاك، تمكنت وليامز من تمرير مشروع يهدف إلى توحيد السلطة التنفيذية في ليبيا، وذلك من خلال ملتقى سياسي جمع 75 شخصية ليبية، وقد اختار هذا الملتقى المجلس الرئاسي الحالي بقيادة محمد المنفي وحكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة.
وعندما تولى باتيلي مهامه، نسبت خلافات سياسية بين الدبيبة ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، حيث أعلن صالح إقالة الدبيبة وحكومته، وشكّل حكومة بديلة منحها الثقة، إلا أنها ظلت تتخذ من بنغازي، شرق البلاد، مقراً لها حكومة موازية، بعد فشلها في إزاحة الدبيبة، فيما جعل باتيلي عنوان مرحلته الدفع بالعملية السياسية نحو إجراء الانتخابات وتذليل الصعوبات التي تعترض طريقها.
وبعد ستة أشهر من توليه مهامه، أعلن عبد الله باتيلي في مارس/آذار 2023 نيته إطلاق مبادرة لتشكيل "لجنة رفيعة المستوى" تضم مختلف الأطياف الليبية، بالإضافة إلى مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، لوضع قاعدة دستورية للانتخابات. ولكن هذه المبادرة تعثرت بسبب تعنت جميع الأطراف المشاركة، خاصة مجلسي النواب والدولة، اللذين وافقا في الشهر ذاته على تشكيل لجنة مشتركة لصياغة قوانين انتخابية، المعروفة بـ"لجنة 6+6".
وعلى الرغم من مشاركته في مباحثات اللجنة المشتركة، اعترض باتيلي في وقت لاحق على نتائج اللجنة التي أعلنت في يونيو/تموز 2023، وطالب بضرورة إنهاء الانقسام الحكومي قبل اعتماد القوانين الانتخابية. كما أكد ضرورة وجود مشاركة أوسع من الفئات السياسية والمجتمعية في معالجة القضايا الخلافية بين مجلسي النواب والدولة، بهدف تجاوز تأثيرهما على مصير الانتخابات وقوانينها.
وبعد أن أصدر مجلس النواب نسخة معدلة من القوانين الانتخابية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبينما اعترض مجلس الدولة وأطراف أخرى على هذه النسخة، أعلن باتيلي مبادرته الثانية في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وتتضمن المبادرة دعوة القادة الأساسيين، وهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، بالإضافة إلى قائد مليشيات شرق ليبيا خليفة حفتر، للتوصل إلى تسوية سياسية بشأن القضايا ذات الخلاف السياسي المرتبطة بتنفيذ العملية الانتخابية.
رغم ترحيب القادة الخمس بالمبادرة، فإنها واجهت شروطاً صعبة، كما وصف باتيلي خلال إحاطته لمجلس الأمن في ديسمبر/كانون الأول الماضي. فقد أصر عقيلة صالح على ضرورة عدم مشاركة الدبيبة في اللقاء نظراً لكونه مقالاً من مجلس النواب، لكنه لاحقاً تراجع عن هذا الشرط وطلب مشاركة رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، أسامة حماد، جنباً إلى جنب مع الدبيبة. واقترح حفتر الأمر ذاته أيضاً. في المقابل، طالب الدبيبة وتكالة بأن تكون معالجة القوانين الانتخابية من بين بنود طاولة الحوار الأساسية، ولكن صالح رفض هذا الطلب وأصر على أن يكون التركيز الأساسي على تشكيل حكومة بديلة لحكومتي الدبيبة وحماد.
باتيلي عبر في العديد من إحاطاته أمام مجلس الأمن عن إحباطه إزاء استعصاء مواقف القادة الخمس، مطالباً في الوقت ذاته المجتمع الدولي بمزيد من الضغط على الأطراف الليبية، لتنفيذ مبادرته الخماسية. وعلى الرغم من ذلك، لم يلق سوى دعم محدود من مندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن بعد كل إحاطة يقدمها.
وتشبه الظروف التي أعلن فيها باتيلي عن استقالته ظروف استقالة سلامة وكوبتيش. فجميعهم أعلنوا فشلهم في تجاوز العقبات السياسية المتتالية التي تعترض مسار السلام في ليبيا. ومع ذلك، يبدو الشبه أكبر مع استقالة كوبتيش، حيث تولت الأميركية وليامز مهامه وقادت بصرامة عملية سياسية أنهت الانقسام السياسي الذي نشأ في ظروف مشابهة لظروف الانقسام الحالي.
في آخر اجتماع له مع مسؤولين ليبيين، الذي عُقد، ليلة أمس الاثنين، برفقة المندوب الليبي لدى الأمم المتحدة الطاهر السني، ونائبته الجديدة ستيفاني خوري، ظهر باتيلي لأول مرة منذ تعيينها في منصبها مطلع مارس/آذار الماضي. وفي هذا السياق، برز النشاط الدبلوماسي الأميركي في المشهد الليبي مجدداً، مع تداول حديث عن خطة أميركية لتنظيم المجموعات المسلحة في غرب البلاد، وإنشاء حكومة تصريف أعمال موحدة منزوعة الصلاحيات لإنهاء الانقسام السياسي.
وأعلن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، اليوم الثلاثاء، رسمياً استقالته من منصبه، مشيراً إلى أنه قدم رسالة الاستقالة ليلة أمس إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس. وجاء إعلان الاستقالة خلال مؤتمر صحافي عقده في نيويورك، بعد تقديمه إحاطته الشهرية لمجلس الأمن الدولي حول الملف الليبي.
وفي تصريحاته، حذر باتيلي من أن "ليبيا على وشك أن تخسر سيادتها"، مشيراً إلى التدهور الذي تشهده البلاد في الأشهر الأخيرة، وأرجع ذلك إلى افتقار الأطراف الليبية الرئيسية إلى "الإرادة السياسية والانخراط بمباحثات بحسن نية". وقال إن تلك القيادات الليبية "تشعر بالارتياح تجاه الجمود الحالي الذي تشهده ليبيا منذ عام 2011. والعامل الثاني لتدهور الأوضاع هو الآليات الدولية والإقليمية الناشئة، والتي تستخدم ليبيا ساحة معركة، ومواجهات عسكرية بين أطراف أجنبية مختلفة".