كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات صحافية نشرت اليوم الخميس، عن إمكانية تحمل بلاده ولعبها دورا أكبر في أفغانستان عبر مزيد من المسؤوليات تحت مظلة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بعد الانسحاب الأميركي المتوقع اكتماله الشهر المقبل، وصولا إلى مغادرة القوات الأجنبية بحلول أيلول/سبتمبر المقبل.
وأضاف أردوغان أن "تركيا أكثر دولة عملت على تأسيس الاستقرار والسلام في أفغانستان، ويمكن أن تواصل القوات التركية مهامها تحت مظلة (الناتو). أؤمن بأن تركيا بالتعاون مع الأطراف الأفغانية ودول المنطقة، يمكن أن تلعب دورا إيجابيا لترسيخ السلام، وتركيا لن تسمح أن يتعرض الأفغان مجددا لأي مشاكل".
ويأتي كلام أردوغان بعدما كشفت أنقرة عن نيتها الاستمرار في تأمين مطار كابول الدولي، في ظل رفض من قبل حركة "طالبان"، وجهود تركية لإقناع أميركا وحلف (الناتو)، عبر توفير التمويل وتأمين القوات في المطار، ما يدفع للتساؤل عن الأسباب الكامنة وراء الرغبة التركية في البقاء في أفغانستان.
والوجود التركي العسكري في أفغانستان وجود غير قتالي، ولم تشارك تركيا هناك في أي أعمال قتالية حربية خلال السنوات السابقة، واقتصر دورها على عمليات تدريب وتأهيل القوات المحلية، وحماية المطار، وتقديم الإغاثة عبر مؤسساتها والخدمات المختلفة.
ولدى تركيا أكبر البعثات الدبلوماسية في كابول، وتعمل على استغلال "القوة الناعمة" لها لاستمالة الشعب الأفغاني ولعب دور أكبر في البلاد والمنطقة.
وفي وقت سابق، عرضت تركيا حراسة وإدارة مطار كابول بعد انسحاب الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي الأخرى من أفغانستان، لكن مسؤولين أميركيين قالوا إن أنقرة تفرض شروطا تحتاج إلى حل، حيث قدمت أنقرة الاقتراح في اجتماع لـ"الناتو"، الشهر الماضي، عندما اتفقت الولايات المتحدة وشركاؤها على خطة لسحب القوات بحلول 11 سبتمبر/أيلول المقبل.
وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قد قال، في وقت سابق، إن "عرض أنقرة مرهون بدعم الحلفاء.. نعتزم البقاء في أفغانستان حسب الظروف، والشروط هي الدعم السياسي والمالي واللوجستي، وإذا تم الوفاء بهذه الشروط، يمكننا البقاء في مطار حامد كرزاي الدولي".
ويأتي الاهتمام التركي بأفغانستان في وقت متزامن مع اهتمامها بأذربيجان، ومن هنا تظهر بعض المصالح التركية المرتبطة بوسط آسيا، ولإعادة تنظيم التوازنات في المنطقة والإقليم، على صعيد العلاقات مع روسيا وإيران، اللتين تهتمان بالمنطقة أيضا.
وتعمل تركيا على استغلال قوتها الناعمة من أجل مدّ نفوذها لهذه المنطقة، تماما كما حصل في أذربيجان، ولكن يبدو أن الأمر لن يكون سهلا هذه المرة في أفغانستان، نظرا لمشاكل عديدة ولمواقف دول الجوار والقوى العالمية التي تحاول ملء الفراغ في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي.
ولعل أبرز المشاكل التي تعترض تركيا في أفغانستان هو موقف حركة "طالبان" الرافض للوجود الأجنبي، وبالتالي التركي في البلاد، ولهذا تدفع تركيا باتجاه تعاون باكستان معها ومحاولة إدراجها أمام الحلفاء في "الناتو" في محاولة منها لإقناع حركة "طالبان"، وهذا أيضا يصطدم من جهة بموقف الحكومة الأفغانية الرافض للدور الباكستاني، حيث تتهم كابول إسلام آباد بـ"دعم الإرهابيين".
تعمل تركيا على استغلال قوتها الناعمة من أجل مدّ نفوذها لهذه المنطقة، تماما كما حصل في أذربيجان، ولكن يبدو أن الأمر لن يكون سهلاً هذه المرة في أفغانستان، نظراً لمشاكل عديدة ولمواقف دول الجوار والقوى العالمية التي تحاول ملء الفراغ في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي
ولأجل كل ذلك، يتوقع خبراء أن تسيطر حركة "طالبان" مستقبلا على البلاد، نظرا لنفوذها، وهو ما يستدعي حوارا تركيا مع "طالبان" مستقبلا، وهذا ربما هو سبب محاولات تركيا استضافة محادثات السلام الأفغانية في مدينة إسطنبول، والتي تأجلت بسبب موقف الحركة، ومحاولات ضم باكستان لمرحلة الحوار.
أستاذ العلاقات الدولية المتخصص بالشؤون التركية في مركز ابن خلدون بجامعة قطر علي باكير، تحدث لـ"العربي الجديد"، عن الأهداف والمواقف التركية المتعلقة بأفغانستان، قائلا: "الجانب التركي كان قد اقترح أخيرا بقاء قواته المنخرطة ضمن حلف شمال الأطلسي لحماية المطار في العاصمة كابول، لأن المطار نقطة مهمة بعد خروج القوات الأجنبية من البلاد، وهو ما يجري العمل عليه حاليا. المطار نقطة مهمة، سواء لتأمين الحماية للبعثات الدبلوماسية في البلاد، أو لحماية المؤسسات الرسمية، ومؤسسات الإغاثة، والمساعدة الإنسانية، أو حماية عملية استقبال المواد اللازمة لإعادة إعمار أفغانستان، فالمطار نقطة مهمة وأساسية وحيوية".
وأضاف باكير: "تركيا تقول إنها كدولة مسلمة خدمت قواتها في أفغانستان دون أن تطلق رصاصة واحدة منذ حوالي عقدين من الزمن، بوجود إيجابي بناء ساهم في تدريب وتأهيل الكوادر المتخصصة لحفظ الأمن والاستقرار في البلاد، وكذلك ساهم في المساعدات الإنسانية والثقافية والإغاثية، مع بعثات دائمة لاستجلاب طلاب للتعليم في تركيا، وبالتالي صورة تركيا إيجابية داخل البلاد، ولم تقم أو تشارك في أي عمليات عسكرية ضد المدنيين أو المقاتلين هناك"، لذلك "تقول أنقرة إنه باستطاعتها بما لديها من رصيد لدى الشعب الإفغاني، أن تؤمن حماية المطار بعد خروج القوات الأميركية. ومن خلال هذه الورقة يريد الجانب التركي أن يقول إنه قادر على مدّ نفوذه إلى وسط آسيا بعدما نجح في فعل ذلك بجنوب القوقاز في الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، كما يضمن ذلك الحد من نفوذ دول أخرى، كروسيا والصين وإيران، في ظل الفراغ الذي سيتركه انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان".
وشدد على أن "هذه الورقة التفاوضية تأتي ضمن أجندة أوسع من النقاش والتفاوض مع الجانب الأميركي. الآن الطرح ينظر إليه بجدية تامة من قبل أميركا وحلف شمال الأطلسي، ولهم مصلحة في ذلك، ولكن إلى أي مدى يمكن تنفيذ ذلك وتلبية المطالب، هذا أمر قابل للنقاش في المرحلة المقبلة. المعضلة الأساسية تتعلق بموقف طالبان، وحاليا كل ردود الفعل الصادرة عنها تشير إلى رد فعل سلبي تجاه الطرح التركي، وهذا حقيقة، للأسف، لا يعبر عن نضج سياسي لدى طالبان، وناتج عن عدم تواصل قوي بين تركيا والحركة، إذ يمكن للحركة توظيف هذا الدور التركي لصالحها وخدمة أفغانستان".
من ناحيته، قال الصحافي يوسف سعيد أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن "خروج القوات الأجنبية من أفغانستان سيعيد ترتيب الصراع الدولي والإقليمي مجددا في هذه المنطقة الاستراتيجية، وتركيا تحاول أن تحقق توازنا في المنطقة على صعيد العلاقة مع روسيا وإيران من جهة، وعلى صعيد محاولة استغلال رصيدها الإيجابي نتيجة قوتها الناعمة من جهة ثانية، تماما كالسياسة التي تنفذها في العديد من الدول والمناطق حول العالم".
ولفت سعيد أوغلو إلى أن "هذه المحاولات بالتأكيد سترتبط بمعيقات دولية وإقليمية، وقد يكون حلف شمال الأطلسي متفهما لدورها هذا، ولكن بالتأكيد ستكون هناك أطراف رافضة لهذا الدور، ويمكن لباكستان أن تقود الحوار مع طالبان الرافضة في الوقت الحالي للوجود التركي، وربما سبب الرفض هو الموقف المبدئي من جميع القوات الأجنبية، ومع اكتمال انسحاب القوات الدولية ربما تكون هناك ليونة منها، ولكن الموضوع لن يكون بالتأكيد سهلا في بلد لا يزال يعاني منذ عقود، ولهذا المهمة التركية ستصطدم بكثير من المعيقات لتحقيق الهدف بوجود نفوذ في منطقة تمتد لوسط آسيا، وتضع تركيا في توازن مع إيران وروسيا، وستكشف الأيام المقبلة مدى قوة تركيا وقدرتها على فرض ما ترنو إليه".