انقلاب بشعارات شعبوية في غينيا

07 سبتمبر 2021
خرج مواطنون إلى الشوارع بعد الإعلان عن إطاحة كوندي (سيللو بيناني/فرانس برس)
+ الخط -

من دون إراقة دماء للمرة الثانية منذ استقلال غينيا عن فرنسا في عام 1958، يتسلم العسكر الحكم في هذا البلد الواقع في غرب أفريقيا، بانقلاب أطاح هذه المرة الرئيس ألفا كوندي وولايته الرئاسية الثالثة المثيرة للجدل، والتي كانت بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2020. وبينما كانت غينيا قد شهدت في السابق انقلاباً عسكرياً على حكومة لانسانا كونتي، في عام 2008، بعد وفاة الأخير، وتسلم العسكر الحكم لفترة قصيرة، أصبح المعارض السابق والرئيس الغيني منذ عام 2010، أول من أمس الأحد، في قبضة القوات الخاصة في الجيش، في انقلاب "نظيف" دام ساعات عدة فقط، ورفع شعارات شعبية، ما خلّف موجة من الارتياح لدى الغينيين. ويأتي ذلك بعد سنوات من حكم كوندي، الذي أبقى البلاد أسيرة الحكم الديكتاتوري الطويل، على الرغم مما مهّد له انتخابه في المرة الأولى من أمل بالديمقراطية. لكن تاريخ العسكر الدموي في غينيا، خصوصاً في قمع احتجاجات شعبية سابقة (خصوصاً فبراير/شباط 2007)، وصمت المعارضة تجاه الانقلاب حتى عصر أمس الاثنين، بالإضافة إلى أسبابه التي رشحت مما تمّ تسريبه للإعلام حتى الآن، يحمل مؤشرات عدة على أن الشعارات التي رفعها، أول من أمس، قائد الانقلاب اللفتانت كولونيل مامادي دومبويا لا تعدو كونها ستاراً للاستيلاء على السلطة على خلفية خلافات مع كوندي. وعلى غرار سيناريوهات عدة في محيط غينيا في مجموعة دول غرب أفريقيا، يأتي الانقلاب في هذا البلد الغني بالموارد الأولية في توقيت مأزوم بالنسبة للرئيس المخلوع، الذي كان واصل قمع المعارضة وسياسة إفقار الشعب، بعدما مدّد لنفسه 12 عاماً إضافية بالسلطة، باستفتاء وانتخابات برلمانية ثم رئاسية مفصلة على قياسه. كما يأتي كاختبار جديد للاتحاد الأفريقي، ومنظمات أفريقية عدة، تعهدت بالعمل على تعزيز الديمقراطية والشفافية في المنطقة.

لم تعارض "الجبهة الوطنية للدفاع عن الدستور" الانقلاب

وأعلن ضباط من القوات الخاصة الغينية، أول من أمس، اعتقال الرئيس ألفا كوندي والسيطرة على العاصمة كوناكري، وكذلك "حلّ" مؤسسات الدولة، كما فرضوا حظر تجول في كل أنحاء البلاد "حتى إشعار آخر"، واستبدال حكام المناطق بعسكريين. وأعلن قادة الانقلاب إغلاق الحدود البرّية والمجال الجوي، وعقدوا أمس الاثنين اجتماعاً مع وزراء حكومة كوندي ومسؤولين آخرين كبار، بعدما حذّروا كل من يرفض الحضور باعتباره "متمرداً" على المجلس الذي شكلّوه لحكم البلاد. وعلى الرغم من فرض حظر التجول منذ الساعة الثامنة من مساء الأحد، دعا الضباط الموظفين الحكوميين إلى الحضور لأعمالهم أمس، وحضّوا "جميع الوحدات العسكرية في الداخل على التزام الهدوء وتجنب التحركات نحو كوناكري"، التي قالوا إنهم سيطروا عليها بالكامل. كما أكدوا رغبتهم بـ"طمأنة المجتمع الوطني والدولي بأن السلامة الجسدية والمعنوية للرئيس السابق ليست بخطر"، مضيفين "لقد اتخذنا كل التدابير لضمان حصوله على رعاية صحية".

وقال قائد القوات الخاصة مامادي دومبويا في تسجيل مصور: "لقد قررنا بعد القبض على الرئيس، الذي بات حالياً في أيدينا، حلّ الدستور الساري والمؤسسات، وحلّ الحكومة وإغلاق الحدود البرّية والجوية". وبعدما ندّد بـ"سوء الإدارة"، وعد دومبويا، في نداء عبر التلفزيون الوطني، ببدء "مشاورات وطنية لبدء انتقال جامع وهادئ". وأكد دومبويا أن القوات الانقلابية "باتت تسيطر على كل كوناكري، ونحن مع كل قوات الدفاع والأمن، لكي ننهي أخيراً الشرّ الغيني". وأكد زعيم الانقلابيين العزم على "صوغ دستور جديد معاً، هذه المرة، كل غينيا"، معرباً عن أسفه "لسقوط كثير من القتلى من دون جدوى، كثير من الجرحى وكثير من الدموع"، في إشارة خصوصاً إلى القمع الدموي الذي رافق التجديد لكوندي لولاية رئاسية ثالثة.

وبعدما كانت وزارة الدفاع قد أعلنت، بداية صباح الأحد، أن الحرس الرئاسي "صدّ المتمردين" لدى محاولتهم اقتحام القصر الرئاسي، في منطقة كالوم بالعاصمة، لزمت السلطات الرسمية منذ ذلك الحين الصمت. وبثّ الانقلابيون فيديو لكوندي مقبوضاً عليه، فيما رفض الأخير الإجابة عن سؤال إن كان قد تعرّض للسوء. من جهتها، اكتفت "الجبهة الوطنية للدفاع عن الدستور"، وهي تحالف حركات سياسية وأخرى من المجتمع المدني كانت قد نظمت الاحتجاج ضد الولاية الثالثة لكوندي، بالتأكيد أنها أخذت علماً "باعتقال الديكتاتور"، وبتصريحات العسكريين حول الدستور.

ولم يتم الإبلاغ عن سقوط أي ضحية خلال العملية الانقلابية، على الرغم من إطلاق النار الكثيف بالأسلحة الرشاشة الذي رصد صباح أول من أمس في العاصمة. وعصر الأحد، نزل المواطنون إلى شوارع العاصمة، قبل إعلان حظر التجول، حيث عبروا عن غضبهم من الشرطة والحرس الرئاسي، معلنين دعمهم للقوات الخاصة الانقلابية، وبدت على معظمهم علامات الارتياح لانتهاء أكثر من 10 سنوات من نظام كوندي، بحسب ما رصدت وكالات الأنباء العالمية.

حفلت الأشهر الأخيرة التي سبقت الانقلاب بالتوترات السياسية

وبغض النظر عن الشعارات الشعبوية التي رفعها الانقلابيون، فإن الأشهر الأخيرة التي سبقت الانقلاب كانت حافلة بالتوترات السياسية، ولكن أيضاً بسياسة تقشف قاسية سعى كوندي إلى فرضها، لتعويض الهدر وإفلاس الخزينة. وقامت حكومة كوندي، الذي فاز بولاية ثالثة إثر استفتاء لتعديل الدستور وانتخابات تشريعية فصّلها على قياسه، في مارس/آذار 2020، بزيادة الضرائب على المواطنين، وأسعار النفط بحدود 20 في المائة. وترافق ذلك مع حملة قمع متواصلة منذ الاعتراض الشعبي، الذي نفذته المعارضة ضد انتخابه رئيساً لولاية ثالثة في 18 أكتوبر الماضي، وحيث قتل على أثرها حوالي 30 مواطناً ممن نزلوا إلى شوارع العاصمة في الأيام التي تلت الانتخابات للاعتراض على نتيجتها. وكانت المعارضة حينها قد طالبت بالعصيان المدني، لكنها تراجعت تحت وطأة القمع، ونتيجة محاولة التدخل الأفريقي لتهدئة الأوضاع. وبدأ كوندي ولايته الثالثة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، على الرغم من الطعون التي رفعها منافسه الرئيسي سيلو دالين ديالو وثلاثة مرشحين آخرين نددوا بـ"حشو صناديق" وتجاوزات من كل الأنواع.

وفي أغسطس/آب الماضي، سجلّت مجموعة الأزمات الدولية اعتقال السلطات قائد المعارضة الأساسية، "اتحاد القوى الديمقراطية"، عبد اللاي باي، لانتهاكه شروط الإفراج عنه، وتشكيكه بسلطة كوندي عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كما اعتقلت الشرطة بوغولا هابا من تحالف المعارضة، وأصدرت السلطات القضائية مذكرة للقبض على سيكو كوندورو، أحد أبرز وجوه الحراك المدني. لكن كل ذلك قد لا يكون جزءاً من الدوافع التي حفّزت القوات الخاصة على تنفيذ انقلابها. وقال دبلوماسي غربي مقيم في كوناكري، لوكالة "فرانس برس"، إن الانقلاب قد يكون بدأ "بعدما أمر كوندي بطرد مسؤول رفيع في القوات الخاصة"، فيما قالت مصادر أخرى لـ"أسوشييتد برس" إن كوندي أمر بتخفيض رواتب العسكريين، ما قد يكون قد حفّز القوات الخاصة على تنفيذ انقلابها.

وتعليقاً على التطورات، ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، "بشدة"، بـ"أي استيلاء على السلطة بقوة السلاح" في غينيا، داعياً إلى "الإفراج الفوري عن" كوندي. بدورها، ندّدت باريس بـ"محاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة" في غينيا، داعية إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط" عن كوندي، مطالبة بالعودة إلى النظام الدستوري. كما دانت الولايات المتحدة أحداث كوناكري، وشدّدت وزارة خارجيتها على أن "العنف وأي إجراءات خارجة عن الدستور لن تؤدي إلا إلى تراجع فرص غينيا في السلام والاستقرار والازدهار"، معتبرة أن الانقلاب "يمكن أن يحد من قدرة الولايات المتحدة وشركاء غينيا الدوليين الآخرين على دعم البلاد". أفريقياً، طالبت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) بعودة النظام الدستوري في غينيا، مهددة بفرض عقوبات. كما ندد الاتحاد الأفريقي بالانقلاب، مطالباً أيضاً بإطلاق سراح كوندي "فوراً". كما دعت إلى اجتماع طارئ للدول الأعضاء في المجموعة.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)

المساهمون