انقلاب السودان والفشل الأمني

19 يوليو 2022
انكبّ الانقلابيون على التصدي للاحتجاجات الشعبية (فرانس برس)
+ الخط -

بقليل من الذكاء أو التذاكي، تجتهد كل الأنظمة الانقلابية في العالم، في فرض الأمن والطمأنينة في بلدانها، لتقايض به الشعوب، مقابل مصادرة حرياتها العامة، وسرقة مواردها، وإفساد حياتها ومماتها.

الانقلاب العسكري الأخير في السودان لم يفطن لتلك المقايضة ومعادلاتها، لذا لم يضع أدنى اعتبار للملفات الأمنية ولا المهددات الاجتماعية بعمقها الأمني.

وجل ما فعله هو انكبابه واهتمامه بالتصدي اليومي للاحتجاجات الشعبية المناوئة له، وذلك بحشد القوات وإغلاق الجسور والطرقات وتوفير عبوات الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والهراوات. وجميع هذه الأساليب أثبتت فشلها في إخماد ثورة المقاومة، رغم تعدد أدوات العنف في تلك المدة الطويلة. لذا لم يهنأ الانقلاب والانقلابيون بسلطة حقيقية منذ أول يوم من انقلابهم إلى اللحظة الحالية.

الانقلاب خلال نحو 9 أشهر من وقوعه، في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أثبت، بما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل، أنه فاشل بدرجة امتياز في توفير الحد الأدنى من متطلبات الأمن الداخلي.

وقد تضاعفت عمليات النهب والسرقات في العاصمة، وانفجرت المهددات الأمنية أكثر من مرة، وقتل المئات في نزاعات قبلية عبثية. آخرها، الأسبوع الماضي، حيث العنف القبلي والقتل على الهوية الذي شهده إقليم النيل الأزرق، جنوب شرق البلاد، وفيه قُتل ما لا يقل عن 64 شخصاً وعشرات المصابين، وحرق مئات المنازل، ونزوح السكان من الإقليم المعروف بإنتاجه الوفير للغلال والمحاصيل الزراعية، التي يعتمد السودانيون عليها في غذائهم، وتبدأ زراعتها هذه الأيام، وخروجهم من دائرة الإنتاج يعني زيادة الفجوة الغذائية في البلاد.

في ملف النزاعات القبلية، على وجه التحديد، يبدو غباء الانقلابيين أكثر وضوحاً. فقد تحولوا بأفعالهم وأقوالهم إلى مورد مهم لتغذية الانتماءات القبلية والإثنية والجهوية. وهذا ليس مجرد اتهام وتجنٍ على "السادة العسكر"، إنما تقرير لما هو مثبت. فخطاب الانقلابيين وسلوكهم يعج بالعنصرية والجهوية. والمغالط يُراجع آخر خطاب لقائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان في شمال السودان. أما خطاب نائبه محمد حمدان دقلو، فينبع من عقلية مغلقة تماماً على القبلية.

ليس ذلك كله، فالقوات الأمنية تتباطأ في الاستجابة لنداءات التدخل السريع مع بداية الانفجارات القبلية، ولا تستمع السلطات السياسية لأجراس الإنذارات المبكرة، ويضاعفون المأساة بالقرارات الارتجالية، وحملات الاستقطاب وسط القبائل. ويمنح هذا الأمر الانتماء للكيان القبلي ميزة تفضيلية، تجعله جزءا من صياغة المشهد السياسي، وتضعه على موائد قسمة "كعكة السلطة والثروة".

وفي هذا المناخ، من الطبيعي أن تنهض الروح القبلية بحثاً عن الذات وعن مكاسب متنوعة. والنتيجة التي لم يتحسّب لها الانقلاب أن تلك النيران إذا لم يسارع الجميع إلى إخمادها ستلتهم الجميع، بمن فيهم الانقلابيون.

المساهمون