أعلن فصيل "صقور الشام" انفكاكه عن "الجبهة الوطنية للتحرير"، أكبر تجمع لفصائل سورية معارضة شمال غربي سورية، في تأكيد لعمق الأزمة التي تمر بها فصائل هذه الجبهة، التي تنشط في منطقة واقعة تحت سيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، التي تحمل مشروعاً سياسياً مغايراً تماماً لتوجه هذه الفصائل.
وعزت القيادة العامة لفصيل "صقور الشام"، الذي يقوده أبو عيسى الشيخ، في بيان، أول من أمس الجمعة، الانفكاك إلى "كثرة التجاوزات في الجبهة الوطنية للتحرير وتفاقمها، مع الاستبداد بالقرارات واحتكارها وتجاهل المكونات ونبذ الآراء، وعدم المشاورة وقبول النصائح، يجعل ضرر بقائنا أكبر من نفعه".
وأعلن الفصيل المتمركز في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي العمل كـ"فصيل مستقل بعد الآن"، مؤكداً "التزامنا بكامل واجباتنا الثورية والجهادية".
انقسام في صفوف فصائل المعارضة
وقال مصدران مقربان من فصيل "صقور الشام" في حديث لـ"العربي الجديد" إن الفصيل "ينوي الانضمام ضمن مكونات هيئة تحرير الشام في الأيام المقبلة".
وأشارا إلى أن "صقور الشام" كان "شبه مُهمش داخل تكتلات الجبهة الوطنية للتحرير، وهو ما دفع قيادته إلى إعلان الانفكاك". ويبدو أن الفصيل يشهد انقساماً داخلياً واسعاً، مع إعلان مجموعات تابعة له في بيانٍ لها ليل الجمعة ـ السبت، تشكيل فصيل جديد تحت اسم "صقور الشام الفرقة 40"، ضمن فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير".
مصدران مقربان من "صقور الشام": ننوي الانضمام إلى هيئة تحرير الشام
وربط القيادي في فصائل المعارضة السورية، شمال غربي سورية، العقيد مصطفى البكور في حديث مع "العربي الجديد" الانفكاك بخلافات داخلية في "الجبهة".
ولفت إلى أن "قيادة الجبهة الوطنية تحاول إجراء عملية دمج لبعض الفصائل مع بعضها لتشكيل تكتلات أكبر، وبالتالي يكون عدد القادة أقل. وهذا الأمر ربما لم يناسب البعض فحصلت خلافات أدت إلى استقالة بعض القادة وخروج أجزاء من الفصائل، مثلما حصل مع "صقور الشام".
من جانبه، رأى الباحث المواكب للمشهد الفصائلي في سورية وائل علوان في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "الوضع الفصائلي في إدلب يشهد حالة من عدم الاستقرار". وأشار إلى فصيل "صقور الشام" يعاني من تفكك لثلاث كتل رئيسية.
وأوضح علون أن هناك كتلة بقيادة أبو عيسى الشيخ، تريد الخروج عن "الجبهة الوطنية للتحرير" وأخرى ترفض وتريد البقاء فيها، وهناك كتلة ثالثة انفصلت عن الفصيل منذ نحو شهر.
ووصف المشكلة التي يمر بها فصيل "صقور الشام" حالياً بـ"المتشعبة"، معتبراً أن هناك تداخلات من عدة أطراف أبرزها "هيئة تحرير الشام"، التي كما يبدو حرّضت لحدوث هذه الخلافات داخل الفصيل من أجل إضعافه.
ويُعدّ "صقور الشام" من أولى فصائل المعارضة التي تشكلت في السنة الأولى من الثورة السورية في ريف إدلب، بعد الانتقال من الطور السلمي إلى العسكري. وخاض الفصيل معارك مع قوات النظام في مختلف أرجاء محافظة إدلب، ولا سيما في منطقة جبل الزاوية، حتى سيطر عليها مع فصائل محلية أخرى في عام 2012.
اندماج وانفكاك الفصائل السورية
وسبق أن أعلنت "ألوية صقور الشام" اندماجها مع "حركة أحرار الشام الإسلامية" في مارس/آذار 2015، بعد فشل اندماج الفصائل ضمن تشكيل "الجبهة الإسلامية"، غير أنها فكت الاندماج بعد نحو عام، وعادت إلى المسمى الأول. وانفك أحد أهم ألوية هذا الفصيل، الذي كان يحمل اسم "داود" عنه، وانضم إلى تنظيم "داعش" في عام 2014 بعد خلافات داخلية.
وائل علوان: الوضع الفصائلي في إدلب يشهد حالة من عدم الاستقرار
وكان فصيل "صقور الشام" رأس الحربة لدى فصائل المعارضة السورية المعتدلة في القتال ضد "هيئة تحرير الشام" في ريف إدلب، خصوصاً في عام 2017. وبعد قتال ومناوشات توصل "صقور الشام" إلى جانب جزء من تكتلات "حركة أحرار الشام الإسلامية" في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2019 إلى اتفاق مع "هيئة تحرير الشام"، ينهي الاقتتال في منطقة ريف إدلب، ويزيل كافة الحواجز والسواتر الترابية، ويتم تبادل الموقوفين من الطرفين، فضلاً عن تسليم المنطقة إدارياً وخدمياً لـ"حكومة الإنقاذ" (الذراع الإدارية لتحرير الشام في منطقة إدلب)، ما يعني الاعتراف بسيطرة "هيئة تحرير الشام" على شمال غربي سورية، والعمل ضمن قوانينها.
وكانت "الجبهة الوطنية للتحرير" في مايو/ أيار 2018 قد تشكّلت من اندماج فصائل عدة، هي: فيلق الشام، وجيش إدلب الحر، صقور الشام، والفرقة الساحلية الأولى، والجيش الثاني، والفرقة الساحلية الثانية، وجيش النخبة، والفرقة الأولى مشاة، وجيش النصر، وشهداء الإسلام (داريا)، ولواء الحرية، والفرقة 23.
وخسرت "الجبهة" أواخر عام 2019 ومطلع عام 2020 معظم مواقعها في ريف حماة الشمالي وريف حلب لصالح قوات النظام، وانكفأت إلى ريف إدلب، حيث يرابط مقاتلوها على الجبهات وخطوط التماس مع قوات النظام.
وفي أكتوبر 2019 أعلنت "الجبهة" الانضمام لـ"الجيش الوطني السوري" المشكّل في ديسمبر/ كانون الأول 2017 لمواجهة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في شمال وشمال شرقي سورية. ولكن هذا الجيش لم يستطع تجاوز الحالة الفصائلية وتعدد الولاءات، وغياب المرجعية العسكرية الواحدة والصلبة.