يصل رئيس المجلس الرئاسي الجديد محمد المنفي، إلى العاصمة طرابلس، اليوم الثلاثاء، في وقت لا يزال رئيس الحكومة الجديد عبد الحميد دبيبة، يسعى لتكوين تشكيلة وزارية متوازنة من خلال اتصالاته بمجلس النواب بمختلف دوائره الانتخابية في البلاد.
وإثر وصوله إلى طرابلس، ينتظر أن يعقد المنفي أول اجتماعاته المباشرة مع رئيس الحكومة الجديد، الذي أعلن مكتبه الإعلامي بدء مداولاته من أجل إعداد تشكيلته الوزارية لتقديمها إلى مجلس النواب، من أجل منحها الثقة ومباشرة السلطة الجديدة أعمالها.
وكشف المكتب الإعلامي لدبيبة، في تصريح خصّ به "العربي الجديد"، اليوم الثلاثاء، أنّ دبيبة سيقدم تشكيلته الوزارية "فور تلقي دعوة من مجلس النواب لتقديمها، في جلسة مكتملة النصاب القانوني"، لافتاً إلى أنّ دبيبة أعرب عن أمله في أن "يغلّب أعضاء مجلس النواب ورئاسته المصلحة الوطنية، وإنجاز المهام المنوطة بهم في المدد الزمنية المحددة والمتفق عليها في خريطة الطريق".
وأكد المكتب الإعلامي أنّ دبيبة سيكون داعماً للمجلس الرئاسي في مهامه، ومنها إطلاق "مسار المصالحة الوطنية، وسنسعى لتنفيذ التزاماتنا مثل معالجة آثار الحروب، والتعاون الإيجابي مع المؤسسات القضائية وصون حقوق الإنسان".
وفي الأثناء، عبّر مراقبون للشأن في ليبيا عن مخاوفهم من أن يترك رئيس المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق" فائز السراج، فراغاً سياسياً إثر سفره خارج البلاد، بعد أن كلّف نائبه أحمد معيتيق بتسيير أعمال المجلس إلى أجل غير محدّد.
وفيما قالت وسائل إعلام ايطالية إنّ السراج موجود في روما حيث أجرى عملية حراجية، أمس الاثنين، إلا أنّ أوساطاً مقربة من المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق" أكدت أنّ تكليف السراج لنائبه بتسيير أعمال المجلس، يوم السبت الماضي، سبقه سفر أسرته إلى البحرين، حيث تقيم ابنته وزوجها منذ سنوات.
وفيما يرجح الباحث السياسي الليبي ياسين العريبي، أنّ عدم عودة السراج إلى طرابلس، يرى أنّ مغادرته المشهد تأتي في إطار التمهيد لتسلّم السلطة الجديدة لمهامها، لافتاً إلى أن البعثة الأممية التي أشرفت على انتخاب السلطة الجديدة أكدت أن سلطة السراج تحوّلت إلى جهة لتسيير الأعمال فقط، في إشارة إلى حديث رئيسة البعثة الأممية السابقة بالإنابة إلى ليبيا ستيفاني وليامز، في مؤتمرها الصحافي في ختام أعمال ملتقى الحوار السياسي، الذي أكدت فيه أن مهام المجلس الرئاسي وحكومته "تسيير الأعمال إلى حين تسلم السلطة التنفيذية الجديدة الموحدة مهامها".
بل ويرى العريبي، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ قرار السراج الحالي جاء معدلاً عن قراره السابق الذي عبّر فيه عن رغبته في التنحي، خلال سبتمبر/ أيلول الماضي، وخطوة في طريق الانتقال السلس للسلطة، خصوصاً أنه كلّف نائبه معيتيق بتسيير أعمال المجلس الرئاسي.
بدأ دبيبة مداولاته من أجل إعداد تشكيلته الوزارية لتقديمها لمجلس النواب لمنحها الثقة ومباشرة السلطة الجديدة أعمالها
وكان السراج قد عبّر عن رغبته في التنحي عن منصبه، في سبتمبر/ أيلول الماضي، قبل أن تطالبه العديد من الجهات الدولية والبعثة الأممية بالعدول عن رغبته، والتراجع عن قراره قبل نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لمنع دخول البلاد في حالة فراغ سياسي.
وفي أولى مهامه، اتفق معيتيق مع المبعوث الأممي الجديد يان كوبيتش، خلال اتصال هاتفي، يوم الجمعة الماضي، على ضرورة "التنسيق بين المسارات الثلاثة للحوار الليبي"، وفق المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي.
وأشار المكتب إلى أن كوبيتش ثمّن جهود معيتيق في كلّ المسارات "لما قام به من مبادرات في الخصوص"، وهو "ملمح يجب أن نتوقف عنده"، بحسب العريبي، معتبراً أنّ الإشارة للمبادرات التي قادم بها معيتيق، يقصد بها اتفاقه مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر على إعادة استئناف النفط، في سبتمبر/ أيلول الماضي، وما حدث بينهما من تقارب.
ويرجح العريبي أن المشهد الحكومي المقبل سيتضمن وجود شخصيات على علاقة بمحطات التقارب السابقة بين أطراف الصراع "منهم معيتيق وفتحي باشاغا كشخصيات يرغب بها المجتمع الدولي وعكسها اتصال المبعوث الجديد بمعيتيق، ليؤكد له ضرورة العمل على التنسيق بين المسارات الثلاثة قبل الإشادة بدور معيتيق"، متسائلاً: "ألم يصل المسار السياسي إلى محطته الأخيرة، وأنتج الحكومة ومجلسها الرئاسي؟ فما دور معيتيق إذا كان ضمن السلطة التي ستغادر الحكم وماذا سيضيف للمسار السياسي من جديد؟".
لكن التغيرات التي تجري في الكواليس استعداداً لتسهيل تسلّم السلطة الجديدة لمهامها، يقابلها تشظّ كبير في دور مجلس النواب المنوط به منح الثقة للحكومة المقبلة.
وخلال ساعات مساء وليل البارحة، أعلنت جلستان تشاوريتان للمجلس عن نتائجهما، ففيما قرّرت جلسة طبرق، التي ترأسها عقيلة صالح، "عقد جلسة خاصة بمدينة سرت لمناقشة منح الثقة للحكومة الجديدة"، ودعوة السلطة الجديدة للعمل في سرت بعد منحها الثقة، يستعدّ عدد من النواب المجتمعين في صبراتة، غربي البلاد، لعقد جلسة، اليوم الثلاثاء، لإعادة هيكلة مجلس النواب.
وقال عضو مجلس النواب محمد الرعيض، إنّ الاستعداد لجلسة اليوم اكتمل، مضيفاً أن الجلسة "ستناقش تغيير الرئاسة حتى يتمكن المجلس من توحيد نفسه والعمل على الاستحقاقات المطلوبة منه ومنها منح الثقة للحكومة".
وعن عدد النواب المشاركين في الجلسة المنتظرة، أكد الرعيض لـ"العربي الجديد" أنهم تجاوزوا الثمانين، بالإضافة لعدد آخر سيشارك في الجلسة باستخدام تقنية الفيديو لتحقيق النصاب القانوني الذي يتطلب قرابة 96 عضواً.
ولفت إلى أن الجلسة المقرّر عقدها اليوم، حُدّد جدول أعمالها خلال جلسة تشاورية عقدها النواب، مساء أمس الاثنين، في صبراتة.
ويعلّق العريبي أن منح الثقة للحكومة مدار تنافس بين النواب للحفاظ على مناصبهم، لكنه يرجح استمرار خلافاتهم التي لن تكون عائقاً في الوقت عينه أمام تسلم السلطة الجديدة لمهامها.
ويلفت إلى أن قادة السلطة الجديدة استشعروا عدم قدرة مجلس النواب على الاجتماع، ولذا أكد مكتب دبيبة أنه مستعد لتقديم حكومته إذا طلبها مجلس النواب في جلسة مكتملة النصاب، لكنه في ذات الوقت لا يرى أن خلاف النواب سيشكّل عائقاً أمام الحكومة الجديدة لمزاولة أعمالها.
وتمهل خريطة الطريق التي توافق عليها ملتقى الحوار السياسي، مجلس النواب مدة 21 يوماً للمصادقة على الحكومة الجديدة، وإلا يدعى ملتقى الحوار السياسي للاجتماع مجدداً للمصادقة على الحكومة.
وبحسب العريبي، فإن البعثة الأممية رسمت معالم المشهد الجديد بـ"حنكة، فهي تعرف أنّ مجلس النواب لن يتوحد، وسعت لإحلال جسم جديد وهو ملتقى الحوار السياسي بشكل سلس ومن دون صراع وبشكل يقنع الجميع، خصوصاً وأن سمعة مجلس النواب الحالي لم تعد حسنة في الأوساط الليبية والدولية".
وفي رأي الصحافي الليبي سالم الورفلي، فإن بعض المعطيات قد تقترب من قراءة العريبي، لكن حجم تركة الفترة الماضية من الخلافات والانقسامات لن تتمكن معها البعثة الأممية والسلطة الجديدة من "تجاوزها بسهولة، وأولها احتياج السلطة الجديدة لجهة تشريعية لا تتوفر اختصاصات ملتقى الحوار السياسي عليها"، وفق قوله، مشيراً إلى أن الحكومة تحتاج لمن يصادق على موازنتها المالية للعمل مثلاً.
ويعبّر الورفلي في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن مخاوف من صراع الأجسام السياسية وتعددها، ما يربك عمل السلطة الجديدة ويحوّلها إلى طرف جديد في الساحة.
كما يلفت الورفلي إلى صعوبة أخرى ستواجه السلطة الجديدة، وتتمثل في عدم توافق اللجان الدستورية على إطار قانوني للانتخابات الوطنية المقبلة مع قرب المدة المحددة لها، ما يعني الدخول في فراغ دستوري سيدخل البلاد في فوضى السلطات مجدداً، مشيراً إلى مخاوف العديد من المراقبين من مسألة قدرة البعثة الأممية على فرض شرعية السلطة الجديدة، "خصوصاً وأن أطرافاً إقليمية ودولية تدعم طرفي الصراع المسلّح على الأرض، لا تزال قواتها في الميدان"، يختم الورفلي.