انطلاق انتخابات البرلمان الهولندي: حزب روته الليبرالي الأوفر حظاً

15 مارس 2021
يتنافس نحو 37 حزباً على 150 مقعداً (عبدالله عسيران/الأناضول)
+ الخط -

انطلقت صباح اليوم الاثنين، الانتخابات البرلمانية الهولندية التي تجرى على مدى ثلاثة أيام (حتى مساء الأربعاء 17 مارس/آذار الحالي)، ويتنافس فيها نحو 37 حزباً، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، للفوز بمقاعد البرلمان الهولندي المكوّن من 150 نائباً.

ورغم الظروف الاستثنائية، بسبب جائحة كورونا، اتخذت لجنة الانتخابات الهولندية خطوة سمحت من خلالها بالتصويت عبر البريد، لهؤلاء الذين لا يرغبون بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، ومدتها ثلاثة أيام متتالية، على أمل مشاركة واسعة من الشعب الهولندي، رغم صدور أصوات يمينية متشددة تشكك، على طريقة أنصار دونالد ترامب، بالانتخابات البريدية.

وعلى الرغم من أن ديسمبر/كانون الأول الماضي شهد ما يُسمّى بـ"فضيحة المساعدة المالية للأسر"، والتي كشف فيها عن تلقي نحو 10 آلاف أسرة دعماً مالياً بين 2012 و2017 من دون أن تستحقه، بسبب خلل فني، والتي أدت إلى استقالة حكومة رئيس الوزراء الليبرالي مارك روته، والدعوة إلى الانتخابات الحالية في منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، إلا أن الاستطلاعات لم تغير كثيراً من حظوظ روته، رغم المنافسة الشديدة التي استغلّت كورونا في السياسة لجذب الناخبين.

ويحافظ روته على تقدمه في هذه الانتخابات، إذ ومنذ بداية 2020، يستمرّ حزبه "حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية" (33 نائباً اليوم) في تحقيق شعبية تتراوح بين 20 و25 في المائة من أصوات ناخبي البلد. وبعد نحو عقد من حكم الرجل، استمرّ في اكتساب تعاطف شعبه بسبب تواضعه ومشاهدته بين الناس على دراجة هوائية، وانتهاج سياسات وسطية حققت له دعماً من يسار ويمين الوسط في البرلمان. ويمثل روته سياسة الوسط الليبرالي الهولندي، في مقابل اليمين القومي المتشدد بزعامة السياسي المثير للجدل، غيرت فيلدرز.

وينافس حزب فيلدرز، "الحرية"، المصنَّف بأنه يميني شعبوي وصاحب المواقف المناهضة للإسلام ومسلمي البلد، للاحتفاظ بموقعه الثاني في الخريطة الحزبية في البلاد. وكان "الحرية" حقق سابقة في 2010 بفوزه بنحو 15 في المائة من الأصوات، ليتراجع بعد ذلك إلى 10 في المائة في 2012، فيما حقق 13 في المائة في انتخابات 2017، أي ما يعادل 20 نائباً من أصل 150.

وتفيد آخر الاستطلاعات المتزامنة مع الانتخابات الحالية بأنه ربما يحافظ على نسبته السابقة، فيما استطلاعات أخرى تتوقع تراجعه عن الـ13 في المائة.

وعلى الرغم من أن حزب "الحرية" يحتل مكانة متقدمة على خريطة الأحزاب السياسية، إلا أن المشرعين الهولنديين رفضوا خلال 10 سنوات ماضية التعاون مع الحزب، لما يحمله من مواقف متشددة حيال المسلمين، وهو يتبنى شعارات حركات متطرفة أوروبية تتحدث عن "منع أسلمة أوروبا"، ويبشر فيلدرز بنفسه بأنه "يجب مقاومة ذلك بكل السبل"، ما عدّه السياسيون تحريضاً لا يليق بحزب برلماني. وعلى الرغم من ذلك، يحظى الحزب الشعبوي بتأييد بين صفوف كبار السن بسبب خطابه عن رعايتهم وتقديم كل ما أمكن لمساعدتهم بعد تقاعدهم، وبشعبية بين الأرياف لتبشيره بسياسات أمنية وعقابية صارمة وبمنع استقبال البلاد مهاجرين ولاجئين، علماً أن هولندا تضم مواطنين من أصول غير أوروبية حضروا منذ عقود طويلة من مستعمرات البلد السابقة في العالم الثالث.

وفي معسكر الوسط الهولندي، تبرز الأحزاب الديمقراطية المسيحية، مثل "تسي دي إيه" الذي حقق في الانتخابات السابقة أكثر من 12 في المائة، وهي ذات النسبة المتوقعة له في الاستطلاعات الحالية، و"تسي أو" بنحو 3.39. ويتراجع، الليبرالي الديمقراطي "دي 66" (الديمقراطي 66)، المصنف على يسار الوسط الهولندي، إلى حوالي 10 في المائة عن الانتخابات السابقة التي حقق فيها نحو 12 في المائة. وتتوقع الاستطلاعات تقدم "الاجتماعي الديمقراطي" من 5.7 في المائة في الانتخابات السابقة إلى ما بين 9 إلى 10 في المائة. ويحافظ "الحزب الاشتراكي" اليساري على تقدمه بنحو 9 في المائة وفقاً للاستطلاعات، وهو تقريباً ما حققه في 2017.

أما الحزب الآخر المصنف في اليمين المتطرف، "حزب المنتدى"، فيعاني من انهيارات كبيرة منذ تأسيسه في 2002، بعد الكشف عن رسائل داخلية عنصرية ومعادية لليهود، ما جعله يتراجع من نحو 15 في المائة في 2006 إلى أقل من 2 في المائة، ولا يتوقع له تحقيق الكثير هذه المرة.

ومن الملاحظ أن الجالية التركية الكبيرة، وتقدّر بنحو 400 ألف، تستمر في ترسيخ نفوذها في الانتخابات الحالية من خلال حزب "دينكه"، الذي يملك 3 نواب، وشارك في تأسيسه سياسيون من أصول تركية انسحبوا من "الاجتماعي الديمقراطي" (حزب العمل) في 2015. ويقدم "دينكه" برنامجاً يقوم على محاربة العنصرية والتمييز في المجتمع الهولندي، وعلى أرضية "مجتمع متضامن ومتسامح". وينظر إليه على أنه حزب يمثل مسلمي هولندا، ويثير سجالاً بين المواطنين من أصول مهاجرة بسبب تصنيفه على أنه يجعل المسلمين وكأنهم منعزلون عن بقية الأحزاب.

ويقضي النظام الانتخابي الهولندي بأن تكون الأحزاب المشاركة (37 حزباً) مسجلة لدى "لجنة الانتخابات" قبل 86 يوماً من الموعد. والأحزاب الجديدة، التي ليس لها نواب من الانتخابات الأخيرة، عليها تأمين 30 توقيعاً لدعمها في المشاركة عن كل دائرة انتخابية. ويتوجب على تلك الأحزاب دفع وديعة مالية بنحو 11 ألفاً و250 يورو، تستردها حال حصولها على نسبة نصف في المائة من الأصوات. ولا يشترط النظام الانتخابي الهولندي عتبة تخطٍّ، إذ إن نسبة 0.67 في المائة من الأصوات تمنح الحزب نائباً في البرلمان.

وبانتظار يوم الحسم، مساء الأربعاء، تبقى حظوظ مارك روته بالعودة لترؤس الحكومة، بتحقيقه قاعدة برلمانية بدعم من "الديمقراطي المسيحي" و"الاجتماعي الديمقراطي"، على الرغم مما تسببت به الجائحة من مشاكل على الاقتصاد، وخصوصاً في قطاع العقارات، بارتفاع كبير في الأسعار، واحتجاجات شعبية على الإجراءات الصارمة المرافقة لكورونا.

ويحكم مارك روته في هولندا منذ مايو/أيار 2011، وحقق لحزبه "الشعب" تقدماً وضعه كأكبر الأحزاب الهولندية، مستفيداً من تراجع "الديمقراطي الاجتماعي" ونزيف ناخبي "الديمقراطي المسيحي" لمصلحة أفكاره الليبرالية. وعلى الرغم من شعبيته، داخل حزبه وفي الشارع، لم تستبعد السياسية نيلي كرويس، من نفس حزبه، أن تنافسه على رئاسة الحكومة المقبلة.

المساهمون