أخلت قوات بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية (أتمس) العاملة في الصومال سبع قواعد عسكرية في وسط البلاد وجنوبها أواخر يونيو/حزيران الماضي.
وعلى الفور، تولت وحدات من الجيش الصومالي مسؤولية المقار العسكرية التي انسحبت منها القوات الأفريقية متعددة الجنسيات، وذلك بناء على قرار أممي بتخفيض عدد القوات الأفريقية تدريجياً لغاية الانسحاب الكامل من البلاد في 31 من ديسمبر/ كانون الأول 2024.
وأعلن رئيس بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال محمد الأمين السويف، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور، الخميس الماضي، في مقر القاعدة الرئيسية للقوات الأفريقية في معسكر حلني (جنوبي مقديشو)، عن نجاح خطة سحب ألفي جندي من القوات الأفريقية من جنوب ووسط الصومال، مشيراً إلى أن الهدف من التخفيض هو تيسير النقل التدريجي للمسؤوليات الأمنية إلى قوات الأمن الصومالية.
وأوضح السويف أن بعثة الاتحاد الأفريقي تواصل العمل عن قرب مع الحكومة الفيدرالية ومكتب الأمم المتحدة في الصومال، بهدف التوصل إلى تقييم فني مشترك والتخطيط للجولة الثانية من الانسحاب في أغسطس/آب المقبل، تمهيداً لسحب 3 آلاف جندي بحلول نهاية سبتمبر/أيلول المقبل.
جوليد: عملية الانسحاب غير مدروسة بمنظور استراتيجي وأمني
ولفت إلى أن البعثة الأفريقية تتطلع إلى تحقيق مزيد من الإنجازات العسكرية على أرض الواقع، وتأمل أن يحقق الجيش الصومالي مكاسب ميدانية وتحرير العديد من المناطق وطرد مسلحي حركة "الشباب" منها.
الجيش الصومالي يتسلم مقار أخلتها القوات الأفريقية
من جهته، قال محمد نور إن الجيش الصومالي استلم جميع المقار العسكرية التي أخلتها القوات الأفريقية، مشيراً إلى أن البعثة الأفريقية ساهمت في استقرار أمن البلاد، وأن الجيش يتمتع بقدرات عسكرية يمكن الوثوق بها في ضبط وحماية أمن البلاد، والاستعدادات جارية حالياً داخل الأجهزة الأمنية لتولي ملف الأمن كاملاً من القوات الأفريقية أواخر العام 2024.
وألمح محمد نور إلى أن ضبط أمن البلاد من قبل أفراد المؤسسة العسكرية، بعد جلاء البعثة الأفريقية من الصومال، يعكس مدى جهوزية الجيش الصومالي لتسلم الملف الأمني، ولهذا ينبغي من المجتمع العمل مع المؤسسات العسكرية لتحقيق الأهداف الأمنية بعد العام 2024.
وفي إبريل/نيسان 2022، وافق مجلس الأمن الدولي على استبدال بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم)، التي أنشئت في 2007، بالبعثة الأفريقية الانتقالية في الصومال (أتميس) بقيادة الاتحاد الأفريقي، ولكن بتفويض معزّز لمحاربة حركة "الشباب"، وذلك حتى نهاية 2024.
وبموجب قرارات مجلس الأمن السابقة، بدأت "أتميس" سحب ألفي جندي في يونيو الماضي، وتستعد لإجلاء 3 آلاف جندي بحلول سبتمبر المقبل، ليبقى 14626 عنصراً، قبل الانسحاب النهائي. وتأتي هذه العملية بعد إجراء فني مشترك بين الصومال والاتحاد الأفريقي لآلية الانسحاب للمرحلتين الأولى والثانية بحلول 15 سبتمبر المقبل، وتقديم خطة وجدول زمني واضحين تمهيداً للانسحاب الكامل أواخر 2024.
مخاوف من تداعيات انسحاب البعثة الأفريقية
وأبدى مراقبون تخوفهم من تداعيات عملية الانسحاب التي تجريها بعثة الاتحاد الأفريقي، وذلك في ظل عدم توفر ميزانية مالية وقدرات عسكرية لوجستية لدى الجيش الصومالي لإجراء تحركات سريعة بين المناطق التي يسيطر عليها في البلاد.
وفي السياق، قال مدير شركة "إيغل رينجز" للخدمات الأمنية ( شركة أمنية مستقلة) عبد السلام جوليد، لـ"العربي الجديد"، إن عملية انسحاب البعثة العسكرية الأفريقية من الصومال تأخرت كثيراً، وكان يجرى تمديد مهمتها عاماً بعد الآخر من قبل مجلس الأمن والسلم الأفريقي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وذلك تجنباً لحدوث مشاكل أمنية جديدة في الصومال.
وأشار جوليد، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس المخابرات الصومالية في الفترة ما بين 2015 و2017، إلى أن عملية الانسحاب التي تجريها حالياً بعثة الاتحاد الأفريقي غير مدروسة بمنظور استراتيجي وأمني، حيث إن المساحة التي كانت تغطيها بعثة الاتحاد الأفريقي في جنوب البلاد شاسعة.
واعتبر أن القوات الصومالية لا تستطيع تغطية كل المساحة التي كانت تغطيها تلك القواعد والمقار العسكرية الأفريقية، ولهذا سيكون هناك فراغ أمني كبير، وهذا هو مكمن الخلل الأمني القادم.
القوات الأفريقية تختار المقار التي تنسحب منها
ولفت جوليد إلى نقطة مهمة، قائلاً إن "القوات الأفريقية هي التي تختار القواعد العسكرية التي تنسحب منها، من دون التنسيق والتخطيط مع الجانب الصومالي، وهذا ما يثير مخاوف أمنية من عدم قدرة الجيش الصومالي على الوصول إلى المناطق التي انسحبت منها البعثة الأفريقية، ما يظهر أن الجيش الصومالي لم يصل إلى جهوزية كاملة لتسلم ملف الأمني من القوات الأجنبية".
شريف حسين روبو: لا توجد حالياً قوات أمنية دربت خصيصاً لتولي ملف المناطق الحساسة في مقديشو
ورجح إمكانية أن تواجه الحكومات المحلية والجيش الصومالي مشاكل أمنية في تثبيت أمن المناطق التي استعادتها الحكومة الصومالية من "الشباب"، خصوصاً بعد انسحاب القوات الأفريقية، وأن تسقط بعض الجيوب الأمنية الاستراتيجية بيد الحركة مجدداً، لأن الجيش لا يملك قدرات عسكرية هجومية ودفاعية كبيرة تؤهله لضبط أمن البلاد، ولهذا فإنه بات من الضروري دعم الجيش بعتاد عسكري ضخم. ويطالب الصومال بشكل متكرر، في السنوات الأخيرة، مجلس الأمن الدولي برفع الحظر المفروض على استيراد الأسلحة، لتجاوز الصعوبات التي تعيق قدرة الحكومة الفيدرالية الصومالية على توفير الموارد الكافية لقواتها الأمنية لمواجهة تنامي تهديد "الشباب" ضد دول المنطقة.
وقال الخبير العسكري شريف حسين روبو، لـ"العربي الجديد"، إن القوات الأفريقية، التي تولت حماية المقار الحساسة للدولة مثل الميناء والقصر الرئاسي والمطار، وفرت الأمن، لكن بعد انسحاب هذه القوات من تلك المقار، المهمة ربما ستخلق مشاكل أمنية بين أفراد المؤسسة العسكرية الصومالية، نتيجة وجود خلافات سياسية.
وأشار روبو إلى أنه لا توجد حالياً قوات أمنية دربت خصيصاً لتولي ملف المناطق الحساسة في مقديشو، ولها القدرة الأمنية على ضبط أمن المرافق الحيوية للدولة، للحد من التهديدات بعد جلاء البعثة الأفريقية من مقديشو أواخر العام المقبل.
أما في ما يتعلق بالحرب المفتوحة على "الشباب"، فرأى روبو أن الجيش الصومالي، بالتعاون مع المليشيات العشائرية، قادر على مواجهة مسلحي الحركة في الأحراج والغابات، وانتزاع السيطرة على مناطق شاسعة من يد "الشباب"، وهذا ما أثبتته الوقائع العسكرية الأخيرة وسط البلاد.
الجيش قادر على تولي ملف الأمن
ورأى النائب في البرلمان الصومالي أويس محمد عمر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الجيش الصومالي قادر على تولي ملف الأمن من القوات الأفريقية، وسيخوض وحده المعركة لتثبيت قدرته على إمساك زمام الأمور والصمود أمام التحديات الأمنية.
وأكد عمر أن الجيش الصومالي كان يخوض وحده المعارك ضد حركة "الشباب" في جنوب ووسط البلاد منذ قرابة عام، ولم تكن هناك مشاركة فعلية من أفراد القوات الأفريقية في تلك المواجهات، وهناك حالياً ما يقرب من 30 ألف جندي صومالي، ولهذا فإن فرضية حدوث فراغ أمني في البلاد بعد الانسحاب الأفريقي مجرد فزاعة أمنية.
وفي السياق، قال النائب في البرلمان الفيدرالي عبد الفتاح عبد الله عراي، لـ"العربي الجديد"، إن سحب البعثة الأفريقية من البلاد بداية جيدة لتعزيز قدرات الجيش الصومالي، الذي بدأ أخيراً بتدريب الآلاف من الجنود داخل وخارج البلاد، استعداداً لمهمة تولي ملف الأمن من القوات الأفريقية التي حانت لحظة خروجها من الصومال.
ورفض عراي فكرة حدوث خروقات أمنية في مقديشو بعد جلاء القوات الأفريقية، لأن القوات الصومالية أثبتت قدرتها العسكرية أخيراً على مواجهة "الشباب"، معتبراً أن الدلائل توضح أن الجيش الصومالي قادر على ضبط الأمن، كما أنه يعرف جيداً الخرائط العسكرية الميدانية في المناطق التي بقيت بيد "الشباب"، ولهذا لدينا ثقة كبيرة بأفراد المؤسسة الأمنية الصومالية.